رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المتابع لمجريات المسرح السياسي في السودان، يكاد لا يفهم (التفريط) الذي تمارسه الحكومة السودانية في أوراق اللعب المهمة التي بحوزتها، الأمر الذي يعرضها باستمرار لخسارة معاركها السياسية مع خصومها.. كان بيد الخرطوم ورقة مهمة وهي استفتاء جنوب السودان لكنها قدمته على طبق من ذهب إلى جوبا دون أن تشترط حل القضايا العالقة أولا لكن ذلك لم يتم، بيد أن واشنطن كانت ستضغط بقوة على جوبا للوصول إلى حلول لتلك القضايا حتى تضمن انفصال الجنوب في أقرب وقت.. فإن لم توافق الخرطوم على الاستفتاء لكان بوسعها الحصول على تنازلات مهمة من جوبا.. اليوم حقق ثامبو أمبيكي رئيس جنوب إفريقيا السابق ورئيس ما يعرف بالآلية الإفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي، مجدا على حساب السودان وقضاياه.. حسنا ليس هذا ذنب الرجل، ولكن الذنب ذنب الحكومة السودانية (الطيبة).. كيف توافق الخرطوم للسيد أمبيكي بالإفراج عن أربعة جواسيس أجانب ضبطتهم عقب انجلاء معركة هجليج، هكذا من دون مقابل ومن أول محاولة للرجل الذي هو الآن في غاية الدهشة لسرعة استجابة الحكومة و(طيبتها) غير المسبوقة؟! هل تريد الحكومة أن يتحدث المجتمع الدولي وتسير الرياح بطيبتها وأريحيتها، ثم من بعد ذلك تصفق لها أمريكا وترفع عنا عقوباتها الظالمة وتذيل اسم السودان من القائمة السوداء (الدول الراعية للإرهاب)؟! بعد (3) أسابيع فقط من القبض على أولئك الذين تتهمهم الخرطوم بالتجسس حصلوا على حريتهم ليعودوا ربما ثانية لممارسة جاسوسيتهم، بل ليتوجوّا أبطالا في بلادهم ويوقعوا عقودا ضخمة مع مختلف وسائل الإعلام ليحكوا قصة بطولاتهم وربما يعبروا، ليس عن طيبة الحكومة السودانية ولكن عن (غفلتها).. لقد مارس أمبيكي بيع الغرر على حكومة الخرطوم التي حتما ستقبض الريح ثمنا لتلك (الطيبة) المتناهية.. أتدرون ما هو بيع الغرر؟ هذا ليس سؤالا نفترض فيه جهل القراء بهذا النوع الفاسد والمحرم من أنواع البيوع، لكنه سؤال استنكاري نوجهه إلى الحكومة السودانية التي من المؤكد ستقبض ريح وعود أمبيكي الذي لا محالة ناكص بسبب تعنت ودلال حكومة سلفاكير.. نعم البيع الغرر هو أن يباع المجهول كاللبن في الضرع، والسمك في البحر، والمحصول قبل حصاده.. وزير الخارجية الغارق في بركة قرار مجلس الأمن رقم (2046) بشر باتفاق مع أمبيكي قائلا: (بالتأكيد هناك تفاهم سياسي مع أمبيكي الذي يتولى مهمة الوسيط ويجد الدعم من الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن).. العجيب وحتى بعد إطلاق سراح الجواسيس نجد وزير الدفاع يصف وجود الأجانب الأربعة البريطاني، والنرويجي، والجنوب إفريقي، وضابط من دولة جنوب السودان، في منطقة هجليج عقب تحريرها وطرد الجيش الشعبي بأنه مريب؟! السيد وزير الدفاع قدم مفهوما جديدا للسياسة الدولية وهو الكرم كواحد من أدوات العمل الدبلوماسي فقد قال: (إن الحكومة أجرت معهم التحريات إلا أننا أطلقنا سراحهم تكريماً لجهود أمبيكي)!!. أكثر ما أثار غضبي وحنقي، أن وافقنا جدلا على ضرورة أن نُعمل مفهوم الكرم و(نتكرم) على حكومات الجواسيس بريطانيا، النرويج، وجنوب إفريقيا، لكن ما كان يجب إطلاق سرح (الجاسوس) الذي ينتمي لدولة الجنوب.. لسان حال المواطن السوداني يقول يا جماعة الخير.. يا حكومتنا الرشيدة، أنعمي علينا بـ(فهّامة) حتى نفهم معاك ما يجري من أحداث.
أمبيكي الذي نعرفه لن يستطيع إقناع الحركة الشعبية بوضع الملف الأمني في مقدمة أجندة الحوار المزعوم مع جوبا وهذا ما تتلهف إليه حكومتنا، فقد أعلنتها صراحة بضرورة أن تتضمن الأجندة أولا تسوية الملف الأمني.. وبما أننا على قناعة بأن جوبا سوف تماطل وتمتنع فإن الحوار المزعوم سيكتب له الفشل من أول جولة لا محالة، لأن أي مفاوضات تبدأ دون الاتفاق على الأجندة سيكون الفشل مصيره.
لقد خذل الاتحاد الإفريقي، ممثلا فيما يعرف بمجلس الأمن والسلم الإفريقي الحكومة السودانية، حينما أحال المشكلة بين الخرطوم وجوبا إلى مجلس الأمن برفقة خارطة طريق بنى عليها المجلس قراره رقم (2046) تحت البند السابع، وقد كان قرارا متحيزا ضد الخرطوم.. ذلك القرار الذي كاد يعصف بتماسك الحكومة السودانية لما أثاره من جدل بين موافق عليه بتحفظ، وبين رافض له جملة وتفصيلا.. تلك الإحالة فاجأت الخرطوم حتى أن وزير الخارجية السودان قال إنه على قناعة بأن بعض أعضاء مجلس السلم الإفريقي شاركوا في (المؤامرة).. عندما حاولت الخرطوم الاستنجاد بروسيا في مرحلة مشروع القرار، قالت روسيا متعللة أن المشروع استند إلى ما جاء به الاتحاد الإفريقي والسودان عضو في ذلك الاتحاد وفي مجلس السلم الإفريقي كذلك ومع ذلك لم يستطع أن يفعل شيئاً؟! وهكذا أضحى الاتحاد الإفريقي الذي يتحرك أمبيكي تحت مظلته واحدا من الأدوات الدولية المسخرة لصالح جوبا، وضد الخرطوم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8823
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4830
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
4521
| 14 أكتوبر 2025