رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتعرض الجامعة العربية في الآونة الأخيرة إلى حملة شرسة تسعى إلى تشويه صورتها وإجهاض حركتها والنيل من شخصيتها الاعتبارية، فضلا عن النيل من شخص أمينها العام الدكتور نبيل العربي, ولو توقف الأمر عند مستوى توجيه الانتقادات لأدائها لكان مقبولا, فذلك أمر مشروع ومطلوب في آن واحد, بيد أن المسألة تجاوزت ذلك, إلى الحملة الممنهجة والتي يقف وراءها -للأسف - نفر ممن أضيروا من صعود العربي إلى موقع أمينها العام على الرغم من مضى أكثر من ثلاث سنوات على اختياره في هذا الموقع .
ويبدو أن من يتابع الجامعة العربية عن بعد ولديه معرفة ضئيلة أو منعدمة - في معظم الأحيان - بميثاقها أو بطبيعتها كمنظمة إقليمية معبرة عن حكومات الدول العربية التي ساهمت سبع منها في تأسيسها في العام 1945, لا يمتلك الدراية الكاملة بالحدود والأطر التي تتحرك في سياق أمانتها العامة, والتي ليس بوسعها أن تتبنى من تلقاء نفسها أي توجهات بمنأى عن الدول الأعضاء وهي في المحصلة الأخيرة ناتج جمع إرادات 22 دولة عضو فيها.
لقد واجهت الدكتور نبيل العربي خلال لقاء خاص جمعني به مؤخرا بكل ما تردد في الآونة الأخيرة سواء بشأن أداء الجامعة أو أدائه هو كأمين عام وما يتعرض له شخصيا من حملة يدرك هو - كما أدرك أنا - مرامي من يقف خلفها لاعتبارات تتعلق - كما ذكرت آنفا - باختياره في هذا الموقع الرفيع المقام قوميا وأخرى تتصل بموقفه المؤيد لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 .
وكان في مقدمة ما طرحته عليه ما رددته دوائر عدة, عن عجز الجامعة العربية عن التعامل بفعالية مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فعلق قائلا لي: ثمة خطأ منهجي, فالمنظمات الدولية ليست دولا, وليست منظمات فوق الدول , وبالتالي عندما تحدث مشكلة فإنها – أي المنظمة – لا تتحرك إلا بالقدر الذي تسمح به الدول الأعضاء فيها, فلماذا يقال - في حال الجامعة العربية – إنها عاجزة عن معالجة موضوع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, ودعني أكون أكثر صراحة في هذا السياق فأقول: إن الجامعة العربية تعجز بالفعل عن حل مشكلة فلسطين, كما أن الأمم المتحدة عجزت من قبل بل إن العالم أجمع لم يحرك ساكنا من أجل حل هذه المعضلة, لسبب بات بديهيا يتمثل في أن إسرائيل نافذة على الدولة الكبرى في النظام الدولي الراهن وهي الولايات المتحدة الأمريكية, ومن ثم لا ينبغى لطرف أن يقول إن الجامعة عاجزة عن التعامل مع هذا الملف, فهل بوسعها أن تشن حربا على إسرائيل؟ فضلا عن كونها لا تتواصل معها بأي شكل من الأشكال والذي يقوم بذلك هو مجلس الأمن.
واتساقا مع هذا المنحى فقد ردد البعض أن الأمين العام للجامعة العربية قام بقضاء إجازة في لندن في ذروة أيام العدوان الإسرائيلي على غزة, فضلا عن إغلاق أبواب الجامعة لعدة أيام في الوقت الذي لم تسارع فيه الجامعة بعقد اجتماع مجلسها الطارئ على مستوى وزراء الخارجية إلا بعد شن العدوان بستة أيام, وهو ما أسهم في الحد من فعالية الجامعة في التعاطي مع هذا الملف.. وعندما سألت الدكتور نبيل العربي عن ذلك أجابني مؤكدا أنه لم يحصل على إجازة منذ العام الماضي, ربما قضى إجازة نهاية الأسبوع مثله مثل الآخرين في بيت يملكه بالساحل الشمالي على البحر الأبيض المتوسط, غير أنه سرعان ما كان يعود إلى عمله, والأهم من ذلك - كما يضيف – فإنه لم يطأ أرض العاصمة البريطانية – لندن - منذ يناير الماضي, والذي قام بزيارتها لبضعة أيام لأسباب صحية تتعلق بإجراء جراحة بعينه لكن الطبيب رأى أن الأمر لا يتطلب مثل هذه العملية.
أما فيما يتعلق بعقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب فيعلق العربي قائلا: لم يتأخر, لقد شنت إسرائيل عدوانها على القطاع في الثامن من يوليو الماضي, بينما عقد الاجتماع في الرابع عشر من الشهر ذاته -أي بعد ستة أيام - وخلال هذه الفترة لم أتوقف عن التواصل مع القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس – أبو مازن – وكان لديها تصور بالمراهنة على دور الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها, ولكن عندما بدا لها أن هذا التصور ليس في محله طلبت – أي القيادة الفلسطينية – عقد الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في الحادي عشر من شهر يوليو , وبالطبع فإن الوزراء لا يقفون بحقائبهم في المطارات في انتظار تلبية أي دعوة لاجتماع طارئ أو استثنائي فبعضهم لديه ارتباطات مسبقة, وكان من الصعوبة بمكان تجميعهم في وقت وجيز, وأشير في هذا الصدد إلى أن رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزاور وهو مهني من طراز رفيع كان مشغولا في ذلك الوقت بالزيارة الرسمية التي يقوم بها ملك إسبانيا لبلاده آنذاك, فكلف وزير الدولة للشئون الخارجية السيدة مباركة بوعيدة بتمثيل المغرب ورئاسة الاجتماع, ومع ذلك لم يتأخر الاجتماع الطارئ سوى ثلاثة أيام بعد الطلب الفلسطيني.
غير أن الأمر الذي لم يفتأ البعض يردده دون تمحيض أو معطيات حقيقية واشتد من دوائر معينة سواء في المنطقة العربية, وأخذ منحى الحملة المنظمة يتصل بأن اختياره لمنصبه كأمين عام للجامعة العربية كان حصيلة صفقة بين قطر والمجلس العسكري الحاكم في مصر في العام 2011 بوضوح تحاول هذه الدوائر أن تسوق لمقولة إن الدوحة هي التي رشحته للمنصب وليست حكومة بلاده, وهو ما لا يضيره على الإطلاق, ولكنه لا يتفق مع الحقائق التي كشف عنها مؤخرا الدكتور عصام شرف أول رئيس وزراء لمصر بعد ثورة يناير- والذي اختار العربي فيها وزيرا لخارجية مصر - في شهادته التي وصفها بأنها للحقيقة والتاريخ إنصافا للرجل الذي لا يحبذ الدخول في معارك ثانوية وهامشية تعوقه عن مهمته الرئيسية في تحريك وتفعيل العمل العربي المشترك ومضمون هذه الشهادة يؤكد أن ترشيح العربي تم بإرادة مصرية خالصة لكنه حظي بإجماع عربي ولم تبد الدوحة اعتراضا عليه بل سحبت مرشحها للمنصب ذاته آنذاك وهو الصديق عبد الرحمن العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية -عندما قدمت القاهرة مرشحا بحجم وقامة وفكر وخبرة الدكتور العربي.
ويحيلني الدكتور العربي إلى خلاصة شهادة الدكتور شرف والتي يقول فيها بالحرف الواحد: لقد تم عرض الموضوع على القيادة السياسية ولأول مرة تم التطرق إلى اسم الدكتور نبيل العربي، وزير الخارجية آنذاك، وبالرغم من دوره الهام كوزير خارجية في هذه الفترة، إضافة إلى العلاقة المهنية المتميزة بيننا، فقد بدأت في إجراء بعض الاتصالات مع بعض الدول العربية التي لم تبدِ موافقة على المرشح المصري، حيث وجدت ترحيبًا كبيرًا باسم د.نبيل العربي من الجميع. واستمر شرف في شهادته قائلاً: "حاولت في حديث عابر أن أطرح الموضوع على د.نبيل، ولكنه رفض الفكرة، إلى أن تم عقد جلسة مع القيادة السياسية بحضور د.نبيل، وأُثير موضوع ترشيحه للمنصب، وكرَّر د.نبيل رفضه، ولكن تحت ظروف المرحلة ولتوجهنا في هذه الفترة الحرجة تم الضغط عليه وانتهى الأمر بتكليفه بقبول الترشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية...
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9027
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6534
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5700
| 14 أكتوبر 2025