رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت صدمة مروّعة لفلسطينيي مخيم اليرموك أن تُقصف "عاصمة الشتات" – كما كرّسوا مخيمهم – بطائرات "نظام الممانعة"، فيما كانوا يظنون أنهم، حيث هم، بمأمن حتى من طائرات العدو الإسرائيلي، بضعة أجيال توالت وتوالدت في هذا المخيم، وشهدت توسع العاصمة الذي ما لبث أن غزاها فجاء السوريون يشاركونهم العيش في شتاتهم، ثم فاقوهم عدداً، وتكاثرت من حولهم مدن "ريف دمشق"، ولم يكن أحداً يتوقع أن الشعب سيثور على النظام، وأن المخيم سيجد نفسه في قلب العاصفة، رغم أن الاحتقان الاجتماعي كان حقيقة يومية يعيشها الجميع.
أراد الفلسطينيون أن يحافظوا على حيادهم، لم ينسوا أنهم ضيوف ولاجئون، صحيح أن مساواتهم بالمواطنين السوريين أقرها قانون خاص منذ 1956، وأن الرعاية والالتحام الشعبيين تجاوزا هذا القانون وكانا أقوى منه، إلا أن الثورة ما لبثت أن فرضت حقائقها وواقعها.
اعتبر الفلسطينيون على الدوام أنهم مدينون بأمنهم وأمانهم إلى الحكم القائم الذي عاملهم، قبل البعث ومعه، بشيء من الخصوصية، لكن التعددية التي تميزوا بها، وتمثلت بتوزعهم على الفصائل المختلفة، لم تكن لتلقى قبولاً من النظام البعثي إلا بمقدار ما تكون تلك الفصائل متكيفة ومنسجمة مع إرادة النظام وسياساته، أي أن "قاعدة المساواة" طبقت هنا أيضاً على أساس الولاء الكامل للسلطة وعدم احترام ما تفترضه التعددية من حقوق وأعراف.
لذلك انعكست مصالحات النظام، أو بالأحرى خلافاته، مع قادة الفصائل على أنصارهم داخل المخيمات، ومنها خصوصاً مخيم اليرموك.
فالفتحاويون عانوا كثيراً، بعد 1982، من الخصومة الحادة التي نشبت بين الراحلين حافظ الأسد وياسر عرفات، أغلقت مكاتبهم ومؤسساتهم، واعتقل كثيرون منهم، وأخيراً تعرض الحمساويون لمعاملة فظة بعد مغادرة قيادتهم، وجرى اغتيال المسؤول العسكري للحركة التي لم تشأ أن تلبي رغبات النظام بوجوب الجهر بالتأييد له، وفي المقابل ارتفعت أسهم "الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، بزعامة أحمد جبريل، إذ أبدت انحيازاً كاملاً للنظام وتأييداً ناجزاً له. والواقع أن النموذج الذي وفره جبريل وعناصره هو ما يفهمه النظام بمناصرته ومؤازرته حتى لو اقتضى الأمر حمل السلاح ضد السوريين والفلسطينيين معاً، وقد برهنت الأحداث أخيراً أن المخيم لم يحتمل هذا النموذج، وما كان للنظام أن يعتمده أياً تكن مبرراته، ودلّت المساعي التي بذلت بعد القصف الجوي والنزوح الفلسطيني أن الوضع الخاص للمخيم ربما ساهم في إنقاذه من الدمار وبتسهيل عودة النازحين تباعاً.
لعل هذا النزوح وضع نقطة النهاية لقصة "الممانعة" التي تنكر النظام السوري بها لفترة طويلة جداً، ولم يكن يصدقها سوى أولئك المقيمين في مخيمات اللجوء، خصوصاً في سوريا، لأنهم محكومون بالتشبث بأي أمل، وهناك أيضاً من يرفدهم في المجتمع الفلسطيني، كما في بعض المجتمعات العربية، تحديداً في البيئات القومية وبعض اليسار، وقد شكل هؤلاء المصدقون لـ"الممانعة" فئة مساندة للنظام، ولم يلفتهم أن الشعب السوري نفسه لم يبد آخذا "الممانعة" في الاعتبار في موقفه من النظام وعنفه الدموي، تحرر السوريون من هذه الكذبة، ويبقى أن يتحرر الآخرون الذين يفاجئون محاوريهم بترديد روايات النظام عن "العصابات المسلحة الإرهابية"، أو بالقول إن سوريا تتعرض لمؤامرة وأن النظام وحده يستطيع إحباطها، وصولاً حتى إلى القول إن ما حصل أيضاً في تونس ومصر وليبيا واليمن هو من نسيج هذه المؤامرة.
للأسف، كان يجب أن يبلغ النزاع السوري مخيم اليرموك لينهار هذا الوهم، رغم أن الفلسطينيين هناك لم يرتكبوا أي خطأ في النأي بالنفس عن القتال الدائر، ولو أخذت الأمور بطبائعها ومنطقها السوّي لأمكن تخيلهم في صفوف الشعب الثائر، لكن تحييدهم أنفسهم كان الموقف السليم الذي وإن تفهمه هذا الطرف وذاك، إلا أن احتدام المعركة وبلوغها نهاياتها يحولان دون ترجمة هذا التفهم على أرض الواقع، وينبغي الاعتراف بأن الوضع الذي وجد الفلسطينيون فيه أوقعهم في اختبار صعب، وقد يغدو أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة إذا انفتح سقوط النظام على مرحلة فوضى عارمة واقتتال أهلي، كان محزناً التعرف إلى بعض حالات النازحين إلى لبنان، إذ قال بعضهم إنه يحمل مفتاحين، واحد لبيته الذي استولى عليه الإسرائيليون وآخر لبيته الذي تركه وراءه في مخيم اليرموك، والأكثر مضاضة أن بعض الأصوات في لبنان لم يكن مرحباً بل استعاد النعرات العنصرية التي استشرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مع فارق أن هذه الأصوات تغيرت وجاء كلامها انطلاقاً من تبعيتها للنظام السوري وكأن الفلسطينيين هم الذين سعوا إلى هذا النزوح.
يؤمل رغم كل شيء بأن تفلح المساعي لإعادة النازحين إلى مساكنهم، وألا تكون التفاهمات على مخيم اليرموك مشابهة لتلك التي تمت سابقاً في الزبداني ومناطق أخرى حين تنسحب قوات النظام وفقاً لاتفاق موضعي ثم تعود فتجدد هجماتها، خصوصاً أن موقع المخيم مهم للطرفين في صراعهما على قطع منطقة مطار دمشق عن التجمعات الأخرى لقوات النظام، لذلك لا يبدي النازحون استعجالاً للعودة قبل أن تنجلي الأوضاع، ولا شك أن النظام يحاول رصد ما يمكن أن يستفيده من نزوحهم الذي يعني بالنسبة إليه إزكاء لتداخل أزمته مع المحيط الإقليمي، لكن مثل هذه الحسابات البائسة لم تعد لتفيده شيئاً طالما أنه يخسر في الداخل، ولم يعد يقاتل لاستعادة سيطرته وإنما لتأكيد نيته بتدمير المدن، كان بإمكانه أن يكون مبادراً لرعاية خصوصية الفلسطينيين ومخيماتهم طالما أنهم منضبطون، ولو فعل لكانت المعارضة التزمت ذلك أيضاً، أما اللجوء إلى "جماعة جبريل"، فكان إشارة عبثية أسقطت قناعاً آخر من أقنعة النظام.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
84
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
123
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
201
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1236
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025