رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثرت القنوات الفضائية إلى الدرجة التى لا يستطيع أى إنسان عادى أن يكون على قدر من الإلمام بأسماء نصف أو حتى ربع تلك القنوات .. ويتبارى رجال المال والأعمال فى إمتلاك قناة أو أكثر لتكون سيفه البتار الذى يستغله فى التواجد على الساحتين الإجتماعية والسياسية .. وأيضا المالية والإقتصادية .. وهذا هو الأهم .. فضلا عن أنهم – أى رجال الأعمال – يروجون لأعمالهم عبر تلك الفضائيات .. ولا بأس من محاربة الأعداء وتصفية الحسابات المهنية والشخصية .
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فإن أى رجل أعمال من هؤلاء لابد أن يرتدى مسوح الرهبان – مع إعتذارنا للرهبان بالقطع – فهو يختار عددا من المذيعين ومقدمى البرامج ويغدق عليهم المال ويطلقهم فى الفضاء الشاسع لتحقيق أهدافه .. وهؤلاء بدورهم يستغلون الفرصة ويبثون كل ما يروق لهم أو بالأحرى لصاحب القناة مستغلين حاجة الناس – كل الناس ولا أستثنى أحدا – إلى قضاء الوقت وهم ينظرون إلى شئ ما مثل الشاشة الصغيرة أثناء أكلهم وجلوسهم للتسامر أو السهر بعد الفراغ من أعمالهم .. وأحيانا أثناء تأدية أعمالهم أو حتى القراءة .
وأعتقد أن كل ما جاء فى السطور السابقة معروف لكافة الناس .. ولكننى سأتناول الأمر من زاوية الخطر على أطفالنا وهو الأمر الذى درجنا عليه فى مقالاتنا الأخيرة .
ومن المعروف كما أجمع على ذلك كل علماء التربية وعلم النفس أن الأطفال يميلون إلى التقليد بالفطرة .. ومن البديهى أن يقلد الأطفال أبويهم ثم تتسع الدائرة قليلا لتشمل المحيط الذى يعيش فيه الطفل ومن أهمها ذلك الجهاز الموجود فى أكثر من غرفة والمفتوح معظم الوقت أو على الدوام تقريبا وما يبثه من برامج منها الحسن ومنها الردئ .. والطفل دائما هو أكثر من يستقبل وأكثر من يتأثر بحكم تكوينه الفطرى كما أسلفنا .. وسأضرب للقارئ الكريم مثالا واحدا يكفى للتدليل على ما أود أن أطرحه وهى تلك البرامج التى تحظى بأعلى نسبة مشاهدة ويتابعها معظم الصغار تقريبا وعدد كبير من المشاهدين الكبار وخاصة من ليس لديهم ثقافة عالية أو من لم يحصلوا على قدر مناسب من التعليم وأقصد بذلك ما تعود الناس إطلاق إسم " برامج المقالب " على هذه البرامج التى كانت فى البداية لطيفة وخفيفة الظل عندما بدأها الفنان الراحل فؤاد المهندس الذى كان أول من قدمها بغرض رسم الإبتسامة على الوجوه وتخفيف أعباء الحياة .. وكعادتنا عندما ينجح أحدهم يسارع الكثيرون إلى تقليده .. ومع الطفرة التكنولوجية التى شهدتها البشرية فى السنوات الأخيرة ظهرت برامج كثيرة تعتمد على إدخال البسمة والضحك من خلال الإستمتاع بآلام الآخرين وتدبير المكائد لهم والسخرية من الخوف الذى يصيبهم دون الأخذ فى الإعتبار إحتمال إصابتهم بأحد الأمراض الناتجة عن فزعهم أو تعريض حياتهم للخطر وذلك كما جاء فى جريدة الأهرام القاهرية وتناولته الدكتورة منى عبد الواحد إستشارى الإرشاد النفسى فى جامعة القاهرة وهى فى نفس الوقت كاتبة معروفة لقصص الأطفال .. والتى تضيف أن تلك البرامج تنمى السلوك العدوانى لدى الطفل نتيجة المفاهيم الخاطئة التى يكتسبها منها وذلك بالتعبير عن غضبه بالصراخ والضرب وقد يكون ذلك بالعبارات المسيئة لمن حوله وهذا من المرجح أن يؤثر ذلك على أخلاقياته فى المستقبل .
وقد يقول البعض أن طفل اليوم يعرف أن ما يشاهده على شاشة التلفزيون عبارة عن تمثيل ولا يمت إلى الواقع الحقيقى بصلة .. وأنا أتفق مع هذا الرأى إلا أننى أجزم بأن ما يشاهده – حتى لو كان على يقين بأنه تمثيل – يترك أثرا كبيرا حيث أن هناك الكثير الذى يترسب فى أعماق نفسه وفى أغلب الحالات يتأثر به أثناء نومه .
وهنا نود أن نشير إلى مسئولية الأسرة فى إختيار البرامج التى من المفضل أن يشاهدها الأبناء والتى تعمل على تعزيز القيم التربوية والأخلاقيات الكريمة مثل الصدق والأمانة .. كما ننوه بأن يكون ذلك عن طريق الإقناع أى بدون ضغط معنوى على الطفل وأفضل وسيلة لتحقيق هذا هو المشاركة فى المشاهدة والمناقشة فى محتوى ما تم إختياره .. كما يجب أن يتأكد الأبوان بطرق غير مباشرة مما يشاهده الأطفال فى غيابهم عن المنزل أو عدم وجودهم فى المحيط المتواجد فيه التلفزيون .
وأخيرا فإن المسئولية الرقابية للأسرة على الأطفال تمتد لتشمل الإنترنت والكمبيوتر وما بداخله من برامج وأيضا الهاتف الجوال بكل ما يحويه من برامج .. ولكن لذلك تناول آخر سنكتب عنه لاحقا فى مقال قادم .. فإلى الملتقى بحول الله .
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2418
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2415
| 25 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2334
| 22 سبتمبر 2025