رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في زيارة إلى سريلانكا برفقة مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، تم افتتاح المرحلة الأولى من مشروع مدينة الشيخ جاسم في محافظة "منار" الإسلامية في سريلانكا، وبلغ عدد الوحدات السكنية في المرحلة الأولى 446 وحدة سكنية، وتم توزيعها على 6 قرى منها قرية نورة بنت محمد محمود وتضم 100 وحدة سكنية عن طريق مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف"، و150 وحدة سكنية عن طريق منظمة الأمم المتحدة للإسكان، و17 وحدة سكنية عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الدولة، وذلك بالتعاون مع سفارة قطر في العاصمة السريلانكية كولومبو، ونصيب الأسد قامت به مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية حيث تبرعت بـ 179 وحدة سكنية بمجموع يصل لـ 446 وحدة سكنية هي نتاج المرحلة الأولى من مشروع مدينة الشيخ جاسم السكنية النموذجية في سريلانكا.
كان السفر يوم الخميس الموافق الثالث عشر من الشهر الجاري، واليوم الذي يليه الجمعة كان موعد الافتتاح حيث قامت مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية باستئجار هليكوبتر لتقوم بنقلنا إلى محافظة "منار" ذات الغالبية المسلمة، والتي قام نمور التاميل بتشريد أهلها وطردهم من بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم، ولم يستطيعوا أن يأخذوا معهم أبسط الأمور كالملابس الخاصة بهم، وأُذكِّر حتى يعي القارئ الكريم حجم الظلم والذل الذي وقع بإخواننا المسلمين هناك أنها تمّت في عام 1990م حتى عام 2009م، أي ما يقارب العشرين عاما وهم يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء ويغتسلون بماء المطر، ولم تقف معهم لا حكومات ولا منظمات إلا ما ندر، وبعد أن تولى الرئاسة الرئيس الحالي، حاول القضاء على المتمردين، وإدخال الأمن والأمان إلى كل فئات الشعب السريلانكي بكل أطيافه، وعند عودة معظم اللاجئين لم يجدوا لهم بيوتا أو ممتلكات أو أي شيء يمكن أن يدل على مسكن أو مسجد أو أي شيء آخر، بل وصل الأمر إلى طمس معظم المعالم للقرى والمناطق، فكانت الوقفة العظيمة للجمعيات الخيرية القطرية وعلى رأسها مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، التي قامت بأخذ المبادرة والعمل على إعادة المسلمين إلى ديارهم ومناطقهم، والمساهمة في أن تدب الحياة مرة أخرى في نفوس أهل المناطق والقرى، ولتكون رسالة لمن تخلّف للعودة إلى دياره بكل أريحية ويسر وسهولة، وقد كان لمؤسسة "راف" دور ومساهمة فعالة في البناء وإعادة الإعمار أيضا، وقد كانت جمعية الشيخ عيد حاضرة في محاولة منها لدراسة الأوضاع لتحديد نوعية المشاركة في المستقبل، وكذلك مؤسسة الأصمخ للأعمال الخيرية، وكان هناك حضور لمنظمة الدعوة الإسلامية، وجميعها تصب في المشاركة والاحتفال بافتتاح المرحلة الأولى، والتي امتزجت فيها الدموع بالضحك عند كل مشروع على حدة، فمن افتتاح للوحدات السكنية للمساجد والمدارس والمراكز الصحية، وكان الاستقبال عند كل مشروع بالورود كما هي العادة السريلانكية في كل فعالية للترحيب بالضيوف، والأجمل أن المشروع كما أوضح السيد سعيد مذكر الهاجري الرئيس التنفيذي لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، يأتي انطلاقا من توجهات القيادة الرشيدة وما أخذته دولة قطر على عاتقها من مساعدة ومساندة الشعوب التي عانت من ويلات الحروب والصراعات، التي ألحقت الضرر بالجميع في المناطق المنكوبة، وهذا ما تم العمل عليه وذلك بالتنسيق مع الحكومة السريلانكية في محاولة من المؤسسة في إعادة إسكان ما يقارب عشرين ألف نازح سريلانكي شردتهم الحروب من مناطقهم في محافظة "منار"، كما أكّد على أن التعاون الذي حصل بين مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية والجمعيات الأخرى، انطلاقة نحو ترسيخ قواعد العمل الخيري المشترك بين مؤسسات المجتمع المدني وبين الحكومات والجهات الرسمية بهدف تحقيق التنمية المستدامة للشعوب، خاصة تلك المناطق التي تحتاج إلى مد يد العون إليها.
والجميل الذي أفرحني ما وجدته من فرح وسرور على ملامح أهل محافظة "منار" حصول العائلة على مسكن خاص بها ومزرعة بمساحة 2500م، حتى تستغل كل عائلة هذه المساحة للزراعة أو الاستثمار، ويكون لها مصدر دخل ثابت تستطيع من خلاله العيش والاعتماد على نفسها دون مد اليد للآخرين، وقد أوضح الهاجري أن هذا المشروع والمساحة التي تم طلبها من الحكومة للعوائل المسلمة، هي في الأساس المشروع الرئيسي، لأنه وكما أوضح أن رؤية المؤسسة تتمثل في (التمكين والبناء والتنمية) حتى تتحقق الحياة الكريمة نحو مستقبل أفضل، فمن خلال هذه الرؤية أستطيع أن أقول بكل ثقة هذا هو المطلوب من الجمعيات الخيرية القطرية، فليس المطلوب أن تقدم مأوى دون أن تحاول أن تضمن مصدر دخل ثابت؛ حتى تستفيد العوائل من المِنح التي حصلت عليها، وإن لم تتوافر فمن المؤكد أن هناك من المتربصين بهم من يحاولون شراء منازلهم ومزارعهم بأبخس الأثمان، وبالتالي تذهب جميع هذه الأعمال هباء منثورا، ولكن عند العمل والمحاولة على إيجاد فرص السكن مع فرص ربطها بمصدر دخل ثابت سيجعل كل عائلة استفادت من هذه المشاريع الخيرية تتمسك بما حصلت عليه، فقد أوضح السيد الهاجري أن التفاوض تم مع الحكومة السريلانكية بأن يتم تخصيص 2500م لكل عائلة، وأن تستفيد من الأرض بزراعتها أو استثمارها، كما تم التوصل مع الحكومة السريلانكية أيضا إلى أن تقوم ببناء المدارس والمراكز الصحية والبنية التحتية، وتتحمل المؤسسة وبعض الجمعيات الأخرى بناء الوحدات السكنية، وهذا ما تم بالفعل تنفيذه، كما أن التوزيع تم ترتيبه بين الحكومة والمؤسسة، وقامت الحكومة بتسجيلها بأسماء المستفيدين وتسلمت المؤسسة صور شهادات التسجيل حفاظا على حقوق المستفيدين.
انتهت المرحلة الأولى بتسليم 446 وحدة سكنية لمستحقيها، وتم التوقيع بعد حفل الافتتاح بيوم على المرحلة الثانية والتي ستشمل بإذن الله 554 وحدة سكنية، والعدد الإجمالي سيتم تنفيذه على أربع مراحل ليصل عدد الوحدات السكنية في نهاية المشروع إلى 2000 وحدة سكنية، وقد لمس أعضاء الوفد المشارك فرحة الشعب السريلانكي، وكما قال لي خطيب صلاة الجمعة بعد الافتتاح: أشكر قطر دولة وحكومة وشعبا ولا ننسى الدور المهم للجمعيات الخيرية القطرية التي أصبحت مضربا للمثل فيما تقدمه وتعمل عليه، وأريد أن أقول لك إن كل وحدة سكنية بالنسبة لنا أهم من بناء المساجد والخدمات، لأن من تتوافر لهم المساكن يستطيعون الصلاة في أي مكان، كما أن المدارس والمراكز الصحية تأتي في المرتبة الثانية حتى يتعلم أبناؤنا وبناتنا ويتسلحوا بالعلم والعمل، ويكون لهم دور مثل السيد إرشاد بدرالدين.
والسيد إرشاد بدرالدين هو وزير التجارة والصناعة في الحكومة السريلانكية، وهو أحد أبناء المنطقة الذين تم طردهم منها، ولكنه بالعلم والعمل أصبح عضوا في مجلس البرلمان ووزيرا للتجارة والصناعة، وقد كان في استقبالنا منذ اللحظة الأولى، وملازما لنا في جميع تحركاتنا حتى توديعنا مرة أخرى في المطار، وكان نشيطا وحيويا لدرجة أنني أشك أنه لم ينم منذ وصلنا حتى عودتنا إلا ساعات معدودة، وقد شاهدت سعادة الوزير ودموعه تنهمر عند افتتاح بعض المشاريع في ذلك اليوم.
كلما أحاول أن أنهي المقال أتذكر بعض الصور المؤثرة والتي أُحب أن أذكرها جميعا، لكن المجال لا يتسع، وسوف أسرد هنا قصة للعبرة، فعند حفل الافتتاح ألقى كل من السيد إرشاد بدرالدين وزير التجارة والصناعة كلمة ثم تحدث السيد سعيد الهاجري الرئيس التنفيذي لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، ثم الدكتور عايض القحطاني مدير عام مؤسسة (راف)، ولا تسمع إلا التكبير والتصفيق من الحضور، وشد انتباهي إحدى السيدات التي لم أستطع رؤية وجهها لتغطيتها بيديها من شدة البكاء، وعند سؤالي للشيخ السريلانكي، الذي يجيد اللغة العربية عن سبب بكائها وقد تبادر إلى ذهني أنها تريد مساعدة ولم يسمح لها الحرس بالاقتراب نحونا، قلت له انظر ما بها، وعند عودته أخبرني أنها لا تريد شيئا بل أخذت تدعو لكم بالخير والبركة وأن يحفظ الله قطر وأهلها من كل سوء، وهي تبكي فرحة بأنها رأت بأم عينيها إخوانها العرب والمسلمين ماثلين أمامها، وهي التي اعتقدت أنهم نسوهم في سريلانكا!! فكم كانت فرحتي بهذه الكلمات التي سمعتها وحزني أيضا لما كانت تشعر به!! لدرجة أنني كنت أتساءل مع نفسي هل كانت تشعر بهذه المشاعر منذ سنة؟ أم أكثر من ذلك بقليل؟ أم منذ تهجيرهم وتشريدهم عام 1990!!
قصة أخرى وأخيرة، فعند الانتهاء من الاحتفال التقيت أحد الإخوة السريلانكيين، ويتحدث العربية بطلاقة، وقد زار دول الخليج كثيرا، وقال بما معناه أُحب أن أشكر دولة قطر ومؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية على ما قاموا به وسيقومون به لاحقا، ويكفينا شرفا أن تكون المدينة باسم عربي هو "مدينة الشيخ جاسم" فقد فرحنا وبكينا كثيرا بهذا الاسم العربي على إحدى مناطقنا السريلانكية، والتي تم تغيير أسماء كثير من مناطقنا بأسماء لا صلة لنا بها، أسماء مخالفة لديننا ومعتقداتنا، واليوم بعد أن تم إطلاق اسم الشيخ جاسم عليها، تم نسف جميع الأسماء السابقة ويبقى اسم مدينة جاسم محليا ورسميا من الجهات الحكومية، وهو ما يؤكد هويتنا الإسلامية بإطلاق الأسماء العربية، وفعلا فترديد اسم الشيخ جاسم كثيرا بلغتهم وفي خطاباتهم سوف يعمل على ترسيخ الاسم والمعتقد والدين أيضا.
الأهم من ذلك أن هذه الأعمال الخيرية عندما تكون في الدول التي تستحق وفيها من الإخوة والأخوات الذين يشاركوننا الدين والإنسانية، تكون ذات وقع في نفوس المستضعفين فيدعون من قلوب نظيفة بأن يحرس الله دولة قطر قيادة وحكومة وشعبا من كل سوء ومكروه... ونحن نُردد معهم آمين، فشكرا لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية على هذه المشاريع الضخمة والكبيرة والمُختارة بعناية ودراسة؛ حتى يكون نفعها لهم ولمن بعدهم إن شاء الله، والشكر موصول لمؤسسة (راف) ولجميع الجمعيات الخيرية لما تقوم به من مشاريع خيرية لا تملك إلا أن تفتخر بها وبمن وراءها والعامل عليها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1131
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
945
| 16 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
831
| 22 ديسمبر 2025