رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الفحص الدوري بمركز خليفة الصحي لمتابعة مدى استقرار مرض السكري تفاجأت من الطبيب بتحويلي إلى متخصصي الكلى بمستشفى حمد العام. ومنذ تلك الزيارة للمركز الصحي وأنا أشهد تدهوراً في عمل الكليتين. وبعد العديد من المواعيد وجدت طبيب الكلى ينصحني بعمل فتحة شريانية وريدية تسمى فيتسولا «fistula» وذلك لتسهيل جريان الدم من الشريان إلى الوريد وهو مطلب أساسي لتوصيل أجهزة غسيل الكلى في أجسام مرضى الكلى والتي عن طريقها يتدفق الدم من الجسم إلى ماكينة الغسيل الكلوي ليتم تنقيته، ومن ثم يعود إلى الجسم مرة أخرى نظيفاً خالياً من السموم. وبعد مرور أكثر من سنة على عمل الفيتسولا توقفت الكلى تماماً عن العمل. وفي يوم السبت بتاريخ 23/5/2020 بدأت في مرحلة الغسيل الكلوي. وكان المستشار الخاص لي في مرحلة الغسيل زوجتي أم حمد التي سبقتني بالغسيل بحوالي خمس وعشرين سنة. وكان من أهم نصائحها هو أن «لا تتركهم يشفطون كل السوائل الزائدة في جسمك حتى تحافظ على قوتك بعد الغسيل». وسمعت النصيحة وتراكمت السوائل في جسمي حتى وصلت إلى الرئة وأصبحت لا أستطيع التنفس بشكل طبيعي وهنا اضطررت ولأول مرة لطلب سيارة الإسعاف (العنبلوس). وقام متلقي الاتصال بأخذ المعلومات الأساسية التي أشتكي منها ولم تمض سوى لحظات إلا والعنبلوس أمام البيت. والصراحة لم أتوقع هذه السرعة من خدمات سيارة العنبلوس ونزل منها رجلان محملان بالأجهزة والمعدات وبعد قياس العلامات الحيوية جلبا سرير العربة ووضعوني عليه ومن ثم أخذوني إلى سيارة العنبلوس وأوصلوني بأجهزة السيارة ومن أهمها أنبوب الأكسجين الذي عوضني عن نقص الهواء الضروري للحياة. والحمد لله لم نأخذ الكثير حتى وصلنا إلى قسم الطوارئ بمستشفى حمد العام. وبمجرد دخولنا قام طبيب الطوارئ بفحصي وقال إني كدت أن أغرق بالماء المتجمع في الرئة. وبعد لحظات جلبوا ماكينة الغسيل وبدأوا في سحب السوائل الزائدة بالجسم. ومن هنا بدأت مشكلة أخرى وهي سحب كل السوائل من الجسم مما أثر على عمل المخ وجعلني أتكلم بكلام غير مفهوم لا لي ولا للذي أتكلم معه وكانت المؤشرات تبين كأنني أصبت بجلطة والعياذ بالله وقام ابني حمد بطلب العنبلوس الذي ما إن وصل للبيت حتى قام الفريق بعمل تخطيط للقلب وقاموا بعمل الفحوصات البسيطة التي تدل على وجود جلطة من عدمها، مثل شكل الابتسامة، ورفع اليدين متوازيين، وغيرها من الفحوصات. وبعدها طمنني رجل العنبلوس أنه لم تصبني، والحمد لله، أي جلطة. وبعد دقائق معدودة وجدت نفسي في الطوارئ وما إن وصلت حتى أعطيت بعض الأدوية لتمييع الدم، ومن ثم أخذت إلى موقع التصوير المقطعي لتصوير الرأس، والحمد لله طلعت كل الفحوصات سليمة. وتكررت عملية الشك بالجلطات ثلاث مرات أخرى وكأن سيارات العنبلوس جاهزة جنب البيت وأطباء وجهاز التمريض بالطوارئ على أهبة الاستعداد. والمشكلة أنهم مع تكرار وقوع مثل تلك الحالات إلا أنهم لم يعرفوا ما هي أسباب المشكلة. وجاء اليوم الذي ذهبت مع زوجتي إلى تايلاند للعلاج وقمت بالغسيل هناك وصادفتني الحالة وأدخلت في الطوارئ وقاموا بعمل ما قامت به طوارئ حمد وحدثت مرة أخرى. ولكن هذه المرة كان استشاري الكلى التايلاندي متواجداً وقام شخصياً بمتابعة الحالة وعرف أن السبب هو زيادة سحب السوائل من جسمي. وأعطى تعليماته لمركز الغسيل ألا يتم سحب إلا مقدار معين من السوائل من الجسم. ومرت الفترة الباقية من الغسيل بسلام ورجعت إلى الدوحة وتقيدوا بما قاله الاستشاري التايلاندي وحتى اليوم لم أعانِ مما كان يحدث سابقاً. ومع حلول 2024 حدث أمر غريب وهو عدم الاستطاعة، في أماكن معينة، على التنفس بسهولة ويسر فتم تحويلي إلى استشاري الرئة والذي بعد العديد من الفحوصات، والعديد من الأشعة المختلفة، تم نصحي بتجنب التجمعات البشرية وخاصة تلك المفروشة بالزل، مثل أماكن الأفراح، ومقار الأتراح، والمساجد. وهذا الأمر جعلني حبيس المنزل ومنقطعا عن الناس إلا من خلال الواتساب. والحمد لله أن الأمور حالياً تبشر بالخير ومن آخر زيارة تم رفع الحظر الصحي جزئياً، وبدأت بزيارة الناس، ولكن بحذر.
وفي الختام وأقولها بصراحة إنني لم أتوقع هذا المستوى العالي من التجهيز والحرفية لكل من خدمات الإسعاف وقسم الطوارئ بمستشفى حمد والذي كما أرى فاق بمستواه الكثير من الدول المتقدمة. وفي هذه المناسبة أتقدم بالشكر والامتنان لسمو أمير البلاد المفدى على ما قام به سموه من توفير أعلى الخدمات لكل من يسكن قطر من مواطنين ومقيمين. والشكر يمتد لسمو نائب الأمير الذي كان يتابع حالتي الصحية قبل الغسيل وحتى اليوم الحاضر.
والله من وراء القصد،،
 زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
            
            زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
            الهوينا كان يمشي، هنا فوق رمشي، اقتلوه بهدوءٍ، وأنا أهديه نعشي...... صدق القائل ومِنَ الحُبِ ما قَتل، هذا... اقرأ المزيد
156
| 31 أكتوبر 2025
 بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
            
            بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
            تُعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وأحد أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصية الطفل، حيث تُسهم في تكوين... اقرأ المزيد
168
| 31 أكتوبر 2025
 الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
            
            الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
            ظهرت للأسف من قبل أخصائيين غير مدربين على كفاءة وضمير مهني التجارة بمسمى العلاج وعدم الإدراك والفهم والوعي... اقرأ المزيد
93
| 31 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
 
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6639
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6495
| 24 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2697
| 28 أكتوبر 2025
