رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يقولون في العربية (فالضِّدُ يُظهِرُ حُسنهُ الضدﱡ).
من هنا، فيما أعتقد، تَذكرتُ هذا الفنان السوري الثائر منذ بضعة أيام. قَفزَت صورة فارس وأفكاره ومواقفه إلى ذهني فجأةً وأنا أُمعنُ النظر في الوجوه الكئيبة لـ (فنانين) سوريين (صَفَّهُم) بحرص بشار الأسد في الصفوف الأولى من الحشد الذي شهد خطبته لإلقاء القسم الأسبوع الماضي.
لا يُمثل الحديث عن فارس شخصَهُ فقط، بل إنه مثالٌ على شريحةٍ من الفنانين السوريين الذين أظهرت الثورة السورية معدنهم الأصيل. ومن الواضح أن الأمر كان بحاجةٍ لظاهرةٍ بحجم الثورة حتى تظهر عملية التمايز في ميدانٍ كالفن، بكل أنواعه وفروعه.
ففي سوريا تحديداً، كانت التصريحات الإعلامية والموادُ التي يتم إنتاجها وبعض النشاطات والفعاليات ومضمون الأداء ومستواه للفنانين السوريين خلال العقدين الماضيين توحي بامتلاكهم لجُرعةٍ من الثقافة أكبرَ من غيرهم.. أكثرَ من هذا، ظهرَ ثمة انطباعٌ بأن الفنان السوري يحاول أن يكون (ضمير) الشعب الذي يملك قدرةً أكثرَ من غيره للتعبير عن طموحاته وأشواقه وآماله وآلامه، وإن بشكلٍ مُواربٍ ورمزيٍ وغير مباشر، بحكم موقع الفنان وأدواته وصوته الذي يُوصِلُ للفضاء العام ما لا يمكن للمواطن العادي إيصاله.
ثم جاءت الثورة لتُظهر الحقائق بشكلٍ صريحٍ. وليس تبسيطاً القولُ بأنها (فَرزت) بوضوح بين مَن كان الفن لديه في نهاية المطاف (باباً للرزق والشهرة) لاأكثر ولاأقل، وبين مَن لم يتردد في الارتقاء إلى تمثل قناعته، بأنه فعلاً ضمير الشعب، إلى أعلى الدرجات وفي أصعب الظروف.
لا مجال هنا للتلاعب بالحقائق، وتبرير موقف بعض الفنانين بأوضاع الثورة بعد (عسكَرتها)، ذلك أن العسكرة المذكورة بدأت بعد سنةٍ من اشتعال الثورة، في حين أن التمايز في المواقف كان واضحاً منذ البدايات.
ففي حين وقفَ بعض الفنانين ضدها وبوضوح من اللحظة الأولى، وتهرﱠبت شريحةٌ ثانية من أي ظهورٍ علني تُعبر فيه عن موقفها، واختارت شريحةٌ ثالثة الإدلاء بتصريحات حمَّالة للأوجه والتفسيرات واضعةً قدماً هنا وأخرى هناك، لم يتردد فنانو الثورة عن التعبير من انتمائهم لها بالطريقة الأكثر صدقاً ومباشرةً و.. جمالاً: الانخراط في المظاهرات الشعبية.
ثمة لحظاتٌ فاصلةٌ، شعورياً وفكرياً وعملياً، في مثل هذه المواقف المفصلية. فالبنسبة للفنان، قد يبدو طبيعياً، وربما مُبرراً، الخروج ببيان أو الإدلاء بتصريح أو إعلان تأييد الثورة وأهدافها نظرياً. أو حتى الانصرافُ إلى كتابة قصيدة أو رسم لوحة أو الخروج بأغنية تصب في موقف الانحياز للثورة.
لكن هؤلاء اختاروا الفعل البشري الأكثر قدرةً على التعبير عن وجدانهم في تلك اللحظة الفاصلة، وشعروا أن وجودهم الشخصي في الشارع مع السوريين، يهتفون هتافاتهم، ويرددون مطالبهم، ويعيشون معهم مشاعر الترقب من هراوات الأمن التي لم تتأخر في الوصول إلى أجسادهم، ومآلات الاعتقال والإهانة والتعذيب. شعروا أن هذا التجلي لقناعتهم بأنهم (ضمير الشعب) يفوقُ في جماله ومعانيه وتأثيره أي عملٍ فني آخر.
من يمكن له أن ينسى تلك المظاهرة التي خرجت في قلب دمشق وفيها مي سكاف ومحمد آل رشي وفارس الحلو وريم فليحان ويم مشهدي ونضال حسن وإياد شربجي وفادي الحسين وساشا أيوب وفادي زيدان وغيفارا نمر ومحمد وأحمد ملص وغيرهم ممن يفوتني ذكرهم، مطالبين بالحرية والكرامة وبدولة تعددية، وما تعرضوا له بعدها من اعتداء ثم سجن وتعذيب، وما تلا ذلك من تهديدٍ وملاحقات، انتهت بالبعض من فناني سوريا إلى الشهادة أو الاعتقال أو التشريد في بلاد الله الواسعة.
وبغض النظر عن (الشخصنة) في هذا المقام، إلا أنني أعتقد أن الكتابة عن قصة كل واحدٍ من هؤلاء أمرٌ مطلوب في عملية التأريخ للثورة السورية. ليس هذا (تمييزاً) لهم عن أهل الثورة من عامة السوريين الذين توجدُ لكل منهم أيضاً قصةٌ تستحق أن تُروى. وإنما لاستعادة معاني قدرة المرء وإرادته على أن يعيش مبادئه، ويدفع في سبيل ذلك الكثير، خاصة حين يكون في موقع التأثير بالرأي العام. فهذا الرأي يُصبح أقوى حين يرى من يُعتبرون شريحةٌ من (النخبة) ينحازون إليه وإلى خياراته في القضايا الكبرى مهما كان الثمن.
والأكثر وجوباً هو أن يعود هؤلاء، ومعهم الكتاب والمثقفون السوريون الثوار لتجميع صفوفهم في مشاريع تستعيد دورهم الأساس لاستعادة بوصلة الثورة وسط هذه الفوضى العارمة. ولن يعدموا وسيلةً لذلك إذا توفرت الإرادة..
قد يستغرب البعض من كتابتنا عن الفنانين في رمضان!
الحقيقة أن منابر الإعلام على اختلاف أنواعها تزخرُ بكمٍ هائلٍ من الكتابات التي يبحث عنها هؤلاء، وقد لايكون فيما سنكتبه عن الشهر الكريم إضافةٌ لما يقرؤه هؤلاء. على العكس من ذلك، يشعر المرء أن هذه قد تكون فرصةً للتذكير بالمفارقات في شهرٍ أصبح الموسم السنوي للتنافس في عرض المسلسلات التلفزيونية، وفي مشاهدتها على حدٍ سواء.
وهناك كبيرُ احتمال أن من سينتقد الحديث عن الفنانين في رمضان سيعود بعد قليل إلى تقليب قنوات التلفزيون قاضياً ساعات في مشاهدة تلك المسلسلات. وإن لم يفعل هذا بعضهم، فالأرجح أن أسرهم وأبناءهم منهمكون في هذه الممارسة، عرفَ بها أم لم يعرف.
وفي النهاية، رضي هؤلاء أم أنكروا، ثمة تأثيرٌ عميق للفن في حياة الناس لم يعد ينكره أحد. وثمة عملياتُ تسطيحٍ للعقول تُمارس على الغالبية العظمى من البشر، من خلال مضامين تافهة ونماذج مريضة وقدوات متقزمة ورسائل مُحرفة، تُغرس في عقول العرب، وتُغرسُ في قلوبهم وتكويناتهم غير الواعية من خلال الفن ومنتجاته. وثمة جرعةٌ كبيرةٌ من هذا يشربونها مع عصائر الإفطار في رمضان.
هل يكون التعامل مع مثل هذه الظواهر بالهرب من التفكير بالموضوع ابتداءً؟ أم يكون باستعادة الفن والفنان ليؤديا مهمتهما ودورهما كضميرٍ للناس؟
خيارُنا هو الثاني. ويبدأ بالحديث عن أمثلة هذا الضمير.
نعود لمثال فارسنا الحلو في الجزء القادم. فثمة إضاءات في مسيرته يستحق بعضها أن يُروى، لكن استطراد الأفكار لم يسمح بها في هذا المقام.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
11064
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1680
| 21 نوفمبر 2025