رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كما كان متوقعا «رفعت قطر رؤوس العرب جميعا أمام العالم كله»، وكانت كالعهد بها على مستوى الأحداث، بل وفوق مستوى الأحداث، عندما أبهرت الدنيا بأسرها يوم افتتاح كأس العالم بما قدمته من تجهيز وإعداد وحسن استقبال، وقف أمامه ضيوف «الدوحة» مشدوهين بما يرون، مقرين بأن الدوحة حققت إعجازا لا إنجازا، وبأن ما وصلت إليه من تطور وتحديث ونماء سيظل شاهدا على قدرة القطريين خاصة، والعرب عامة على تجاوز العقبات وصنع المستحيل.
قطر التي كانت قبل بضع سنين شيئا، أصبحت الآن شيئا آخر، فقد بنت وشيدت وهيأت كل ما يخطر على البال، بل وما لا يخطر من أجل أن تقدم للدنيا نموذجا فريدا ونسخة غير مسبوقة من «كأس العالم» لكرة القدم.
الملاعب قمة في الروعة والفخامة، والحدائق والمتنزهات تسلب العيون وتأخذ بالألباب، والفنادق الثابتة والعائمة شاهدة على ما يمكن أن نسميه العصر القطري الذي يعيد للمنطقة الخليجية والعربية كثيرا من أمجادها المفقودة، وعطائها القديم الذي ملأ الدنيا وزين الوجود.
أما الشوارع والمطاعم فقل عنها ما شئت من عبارات المديح والإشادة والثناء، متأكدا أنك لم تجانب الصواب، ولم تبتعد قيد أنملة عن الحقائق الماثلة للعيان.
هذا عن الشجر والحجر، أما عن البشر وعن أهل قطر فحدث ولا حرج، عبقرية في الأداء، وعبقرية في الإنجاز، وعبقرية في الاحتفاء بضيوف بلدهم الذين أتوها من مختلف أرجاء العالم، فوقفوا يلومون أنفسهم على الأفكار التي غلبت عليهم بشأن العرب والخليجيين، وتأكدوا بأنفسهم أنهم أمام أناس أكفاء متحضرين ذوي عقول واعية، وقلوب مطمئنة لا تحمل إلا الخير لبني الإنسان مهما كان لونه أو دينه أو أصله الذي انحدر منه، وانتمى إليه.
لقد أصبحت قطر في فترة زمنية قصيرة قياسا بأعمار الأمم والشعوب في عداد الدول المتقدمة، والشعوب العبقرية التي لا يمنعها شيء عن صنع ما تحب وفعل ما تريد بإرادتها القوية، وفكرها الرصين، وطاقاتها الوطنية الخلاقة المخلصة للوطن، الساعية - بأمانة وصدق – إلى رقيه وازدهاره.
إن ذلك كله لم يكن ليتحقق لـ «دوحة العرب».. «دوحة الجميع» لولا وجود القيادة الواعية الذكية الراشدة المتمثلة في سمو الأمير تميم بن حمد، ذلك الرجل الذي آمن بشعبه، ووثق في قدرات مواطنيه فعهد إليهم بمسؤولية البناء والتعمير والانطلاق، واستعان بكل ما يمكن الاستعانة به من أدوات الإعمار والتشييد، إيمانا من سموه بأن بناء الإنسان أولى وأهم من بناء الجدران، وبالتالي سار في الطريقين معا فحقق النجاح تلو النجاح، وصنع المجد بعد المجد، فوصلت قطر إلى ما وصلت إليه، وأصبحت ملء البصر والجفون.
وليس يخفى على ذي لب أن القفزة القطرية الهائلة جاءت نتاج تصميم وإصرار على تحقيق النجاح دون الالتفات إلى الوراء أو الوقوف طويلا أمام العقبات والعراقيل والمعوقات التي يصطنعها أعداء النجاح، ويضعونها دائما في طريق المبتكرين والمبدعين.
فكم شكك المشككون في قدرة قطر على تنظيم «كأس العالم»، وكم روج عنها المروجون أباطيل وأكاذيب ليفتوا في عضدها، وليضعفوا قواها، فما وهنت عزيمتها وما استكانت، وإنما زادها كل ذلك إصرارا وتصميما على مواجهة التحدي وإثبات الذات، فكان لها ما أرادت، ورجع المغرضون على أعقابهم خاسرين.
والمدهش حتما في النجاح القطري وفي عبقرية القيادة أنها لم تنسب كل ما تحقق لنفسها فقط، ولم تسع لتستأثر بمديح أو ثناء العالم، بل أشارت بفخر واعتزاز إلى شقيقاتها العربيات اللواتي كن لها سندا وعونا، مفضلة في - إيثار غير منكور - أن ينسب النجاح لأمة العرب ولبلاد العرب وليس إلى «الدوحة» وحدها، رغم أنها صاحبة القدح المعلى والفضل العميم فيما تحقق من نجاح ونجاح ونجاح.
وبصراحة ووضوح أقولها بملء الفم وبأعلى الصوت إن قطر غطت على من سبقها وأتعبت من بعدها، إذ غدت مقياسا وميزانا للتفوق والنجاح، وسيأتي اليوم الذي يقال فيه إن هذه الدولة أو تلك صنعت مثلما صنعت قطر، أو شارفت على أن تصل إلى ما وصلت إليه قطر، أو لم تستطع أن تحقق ما حققته قطر.
إن تلك الكلمات ليست صادرة عن مبالغة في التقدير والإعجاب والثناء، ولكنها تصف الواقع وتنقل الانطباعات كما يصرح بها الزائرون لـ «دوحة الخير» «دوحة العرب» «دوحة الجميع» والمتابعون - عبر الشاشات - لما يجري على أرضها من إنجاز وإعجاز.
ومن المؤكد أن التاريخ سوف يسجل لـ قطر ولأمتها العربية ولمنطقة الخليج التي تمثل فيها مكان القلب من الجسد أن القطريين كانوا للبناء أهلا، وللإبداع موطنا وموئلا و للتنظيم صناعا وروادا، وسوف تعرف الأجيال اللاحقة أن «كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢» كانت استثنائية في ملاعبة، استثنائية في وقته، استثنائية في حضورها، لأنها كانت في قطر التي أصبحت ملء العين والبصر.
وختاما نؤكد أن نجاح «الدوحة» في مهمتها الصعبة، وبلاءها بلاء حسنا في تنظيم أكبر حدث كروي عالمي يفرض عليها وعلى شقيقاتها الخليجيات والعربيات ألا يتنازلن - ولو للحظة - عن هذا المستوى من التألق والتفوق والإبداع.
هنيئا لـ قطر نجاحها الفائق، وهنيئا للعروبة بقطر بل وهنيئا للعالم بقطر، ذلك البلد الذي أضحى كبير القيمة والمكانة والمقدار، وإن كان صغير المساحة قياسا ببقية الدول والأقطار، وإذا كان «المرء - كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بأصغريه قلبه ولسانه»، فإن الدول كذلك ليست بكبر الحجم وكثرة العدد، بل بعلو الهمة ونسبة التأثير.
حفظ الله قطر أميرا وحكومة وشعبا، وإلى مزيد من النجاحات يا «دوحة» الخير، يا «أخت القمر».
أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد
258
| 08 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد
1296
| 08 أكتوبر 2025
بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد
255
| 08 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5328
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4368
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3969
| 05 أكتوبر 2025