رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قال تعالى في محكم تنزيله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
إدارة الدولة والمجتمع هي المحدد الأساس للتنمية الاقتصادية العادلة، والقابلة للاستمرار، وهي أيضا مكون رئيسي لأية سياسات اقتصادية ناجحة، وترتبط بها أيضاً أساليب الجودة ونوعيتها، وتبني فكرة الكفاءة والفاعلية داخل المنظمات الحكومية وغيرها من منظمات وجمعيات المجتمع المدني، هذه هي قواعد الحكم الرشيد التي نادى بها ديننا الحنيف، وبنا بها أجدادنا العصور الإسلامية الذهبية التي نهضت بالأمة الإسلامية والعربية، وقادت بها العالم في تلك العصور، هذا الشعور انتابني عندنا قرأت ما دار في لقاء معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، الذي كان بمثابة رسائل مبشّرة للشعب القطري تعبر عن توجهات حكومتنا الرشيدة وجهودها المبذولة لتوفير سبل العيش الكريم للمواطن القطري، وقد حمل العديدَ من الأخبار السارّة لفئاتٍ كبيرة من المُجتمع، تحظى باهتمامٍ كبيرٍ من قيادتنا الرشيدة، واتسم اللقاء بالشفافية والإجابات الدقيقة والمباشرة، ونوجز تلك التباشير في المحاور التالية:
رفع المعاناة عن المتقاعدين
تمثل فئة المُتقاعدين شريحة كبيرة من المجتمع، وتتأثر بمعاناتهم شريحة عريضة، سواء المتقاعدون أنفسهم بصورة مباشرة أو من يكونون تحت إعالتهم من الزوجات والأبناء، وأكد معاليه على حرص حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، على كفالة الحياة الكريمة للمُواطنين المُتقاعدين، وتوجيهات سموه برفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي إلى 15 ألفَ ريال، ونوه معاليه بأن قانون التقاعد المزمع إصدارُه سيتضمن العديدَ من الأحكام التي تصبّ في مصلحة المتقاعد، منها إضافة بدل السكن من ضمن العلاوات، وكذلك تعديل الأحكام الخاصة بـ «السلف»، لمُواكبة أعباء الحياة وتلبية تطلّعات المُتقاعدين وضمان حياة كريمة لهم، وهذا بالتأكيد يعكس مدى حرصَ قيادتنا الرشيدة على ضمان الحياة الكريمة للمُواطنين المُتقاعدين، الذين أفنوا حياتَهم لخدمة الوطن وساهموا بمسيرة النّهضة في مُختلف المجالات.
إرساء قواعد المشاركة الشعبية في البلاد
تضمن اللقاء رسائل قوية للناخبين والمرشحين، بتأكيد معاليه حرص قيادتنا الرشيدة على إجراء انتخابات مجلس الشورى، بموجِب الدستور الذي تمّ الاستفتاءُ عليه، وَفق إجراءات نزيهة وشفّافة لتعزيز تقاليد الشورى وتطوير عملية التشريع وتعزيز مُشاركة المُواطنين.
وفي رسالة واضحة ومباشرة، أكّد معالي رئيس مجلس الوزراء أنّ الدولة لا تدعم أشخاصاً بعينهم في انتخابات الشورى المقبلة، وإنما تدعم إجراءَ انتخابات حرّة ونزيهة تكفل مشاركة شعبية واسعة لاختيار الأفضل والأكفأ، والقرار في النهاية هو قرارُ المواطن وحدَه في اختيار من يمثّله في مجلس الشورى المُنتخب من خلال صناديق الاقتراع.
مكافحة الفساد
من القواعد الأساسية لإرساء أركان الحكم الرشيد في الدولة محاربة الفساد، حيث أكّد معاليه على أنّ مكافحة الفساد قضية يهتم بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى منذ أن كان ولياً للعهد، حيث يحرص سموه على التأكيد دوماً على أنّه لا أحدَ فوق القانون، وأنه لا حصانةَ لأي فردٍ في المُجتمع في هذا المجال، وذلك للحفاظ على أموال الدولة وحقوق الأجيال القادمة، فالدولة تحارب كلّ أشكال الفساد دون تهاون، بما في ذلك التقصيرُ الإداري.
ولأنّ قطر دولة مؤسّسات، فقد أكّد معاليه أنّ إستراتيجية مواجهة الفساد لا تعتمد على أفراد بعينهم، ولكن عبر التشريعات والأجهزة والهيئات الرقابيّة، والتحديث الدوري للقوانين والقرارات الخاصة بمكافحة الفساد، وتعزيز النزاهة والشفافية.
كما نوّه معاليه بأنه تم إصدار العديد من التشريعات مؤخراً في إطار مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية، منها قانون مُكافحة تضارب المصالح، وكذلك تغيير القوانين المنظمة لإجراءات محاكمة الوزراء، بما في ذلك المحكمةُ الخاصة بمحاكمتهم ليكونَ الجميعُ سواءً أمام القضاء، ودون حصانة، كما أنّ الجهات القضائية المختصة هي وحدَها من سيحدّد نشر المعلومات الخاصة بالتحقيقات والمحاكمات في قضايا الفساد من عدمه، ونوه إلى دور الإعلام في دعم ونشر ثقافة النزاهة والشفافية والحفاظ على المال العام، وتغليب المصلحة العامة.
النهوض بالكفاءات الإدارية
وحظيت قضيةُ النهوض بالكفاءات الإدارية والارتقاء بأداء الوزارات والأجهزة الحكومية، وإحراز مزيدٍ من التقدّم في منظومة الخدمات الإلكترونية باهتمامٍ كبيرٍ من معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وأعلن معاليه الخطوط العريضة للمرحلة المُقبلة، حيث أكّد أنّ ملف التوظيف يتصدّر الأولويات خلال اجتماعات مجلس الوزراء، وكشف عن تشكيل لجنة للكفاءة الحكومية، التي ستنتهي من أعمالها قريباً، وشملت أهدافها تحسين أداء الجهات الحكومية ووضع توصيف أوضح للوظائف، وكذلك دراسة تغيير اختصاصات بعض الوزارات وإعادة النظر في بعض الجهات الحكوميّة، وكذلك تحديث وتطوير التطبيقات والنوافذ الحكومية لتسهيل الخدمات ووصولها لأفراد المجتمع بجودة عالية وسهولة ويسر، كما شدد معاليه على توجيه ودعم الحكومة للقطاع الخاص للمُساهمة بشكل أكبر في التوظيف ورفع نسبة تقطير الوظائف، كما تطرق معاليه إلى عزوف المواطنين عن دراسة تخصصات معينة مطلوبة في بعض القطاعات مثل القطاع الصحي والتعليمي والحاسب الآلي، وأن الحكومة تسعى لمعالجة ذلك بوضع امتيازات للطلاب المُبتعثين لدراسة التخصصات التي تحتاجُها الدولة.
تمكين المرأة من أداء رسالتها الكاملة
كما كشف معاليه عن أن هناك دراسة لتطبيق نظام الدوام الجزئي للنساء في سبيل المُحافظة على استقرار الأُسرة، وتأسيس قواعد جديدة للكفاءة الوظيفيّة التي سيستفيد منها الجميع وينعكس أثرُها على الأجيال القادمة.
نجاح التجرِبة القطرية في مكافحة وباء كورونا
حظيت التجرِبةُ القطرية في التعامل مع جائحة كورونا «كوفيد - 19»، وما تتخذه الحكومة من تدابير احترازية وإجراءات وقائية، بتقدير وإشادة شعبية ودولية معاً، حيث نجحت تلك الجهودُ بتوفيق من الله عزّ وجلّ، ثم التوجيهات السديدة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، في تطويق انتشار الوباء، والحدّ من تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وكان سرّ نجاح التجربة القطرية في مواجهة الجائحة كما كشفه معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، يكمن في رفض فكرة الإغلاق التام لعدم وجود دراسة واضحة حتى في الدول التي طبّقتها، واعتمدت الحكومة على تطبيق إجراءات مدروسة لكل من الأنشطة والمجالات للحدّ من انتشار الفيروس.
كما تعاملت الحكومة مع تداعيات الجائحة بشكل مبكر عبر وضع التشريعات وإصدار القرارات العاجلة، وإعادة تنظيم اللجنة العُليا لإدارة الأزمات، التي فرضت بدورها إجراءات احترازية مشدّدة، مع الحرص على ألا تؤثر تلك الإجراءات سلباً في سير المشاريع الكُبرى والحيوية في الدولة أو تُلقي بظلالها على الجانب الاقتصاديّ والاجتماعيّ لأفراد المُجتمع.
وتعاقدت دولةُ قطر مُبكراً مع شركات كبيرة لها مكانتُها وسمعتُها العالميةُ في مجال صناعة الأدوية، للحصول على أفضل اللقاحات التي ثبتت فاعلية التجارب عليها، وتمت إجازتها وهي «فايزر- بيونتيك» و"مودرنا"، ليحصل 72 % من إجمالي السكان على جرعة واحدة على الأقلّ من اللقاح، ما كان له اكبر الأثر في تراجع أعداد المصابين في الآونة الأخيرة.
جاهزية الدولة لتنظيم المونديال العالمي
بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 تبدو الحدث الأهم الذي يترقّبه العالم الذي تتّجه أنظاره إلى قطر لمتابعة آخر الاستعدادات، ولذلك حمل لقاء معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حول هذا الملف رسالة مهمة للعالم بجاهزية قطر لاستضافة البطولة من كافة النواحي، سواء استكمال إنشاءات أو تجهيزات الاستادات والبنية التحتيّة المرتبطة بمشاريع المونديال التي يجري العملُ فيها بمعدلات مُمتازة للغاية.
كما كشف معاليه عن الانتهاء من عددٍ كبيرٍ من استادات المونديال التي أصبحت جاهزة بالفعل لاستضافة المباريات، بينما تتواصل حالياً أعمال التجهيزات في ثلاثة ملاعب هي لوسيل والثمامة ورأس أبوعبود، كما أنّ استاد لوسيل الاستاد الرئيسي الذي سيشهد المُباراة النهائية لكأس العالم في 18 ديسمبر 2022، أصبح جاهزاً بنسبة 90 %.
صون حقوق العمال
وفيما يتعلّق بجهود دولة قطر في حماية حقوق العمالة الوافدة، أكّد معاليه حرص أجهزة الدولة ومؤسساتها على أن تأمين حياة كريمة للعمالة الوافدة، يتصدّر أولويات دولة قطر، منوهاً بإصلاح قوانين العمل والمُمارسات المُتعلّقة به لتحقيق نظام ملائم لاحتياجات كلّ من العمال وأصحاب العمل، وأكد أن معاملة العمال بصورة إنسانية تنبع من أخلاقنا وتقاليدنا ومبادئ وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، التي لا تسمح بإساءة معاملة العمالة أو إهدار حقوقهم، وإنما تحرص على ضمان حياة كريمة لهم والتصدّي للحالات والمخالفات الفردية لبعض الأفراد أو الشركات واتخاذ إجراءات صارمة ورادعة في مواجهتهم.
كسرة أخيرة
جاء لقاء معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حافلاً بالأخبار التي تستشرف مستقبلاً مشرقاً تحت قيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، كما عكست الأداءَ المشرّف للحكومة في التعامل مع كافة التحديات، والارتقاء بالخدمات في مختلف القطاعات.
ومن حقنا كشعب قطري يحب بلاده أن نفخر ونعتز بأن حبانا الله بقيادة حكيمة هداها الله إلى اتباع سبل الحكم الرشيد وكانوا أهلاً لذلك، وإننا إذ نعبر عن شكرنا وتقديرنا للشفافية والصراحة التي اتسم بها لقاء معاليه مع قياداتنا الإعلامية، نؤكّد أننا سنظل على الدرب دوماً مرآةً لنبض الشارع وجسراً للتواصــل بيـن المســؤولين والمُواطـنين لتحقيق كل ما يخدم وطننا الغالي قطر، ويدفع مسيرة دولتنا لتحقيق أهدافها التي رسمتها في محاور رؤية قطر 2030 للوصول إلى رفاهية المواطن القطري وتوفير سبل العيش الكريم.
الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8799
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4017
| 13 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2373
| 07 أكتوبر 2025