رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا تفتأ الدعاية الصهيونية إلا وتعيد نبش الملف العزيز عليها وهو الزعم بـ "تحالف الحاج أمين الحسيني مع هتلر". وفي كل مرة يُفتح فيها هذا الملف يتم إضافة أكذوبة جديدة أو مبالغات نوعية إلى أن تضخم الملف كله. مؤخراً ووصولا إلى إحدى محطات التضخيم المتواصل تدهشنا تلك الدعاية الوقحة بتصوير أمين الحسيني على أنه صاحب فكرة إبادة اليهود وهو من اقترحها على هتلر. هتلر الذي لم يكن يسمع من أحد سوى عقله المريض. والعنصري تجاه العرب والمسلمين كما كان عنصريا ضد اليهود. يصبح طفلا طيعا بين يدي المفتي الحسيني ويستمع لاقتراحاته واستراتيجياته. المفتي الذي أقرب إلى السذاجة عندما تعلق الأمر بالصراعات الدولية في تلك الحقبة يصبح المنظر الكبير الذي يصغي إليه هتلر وينفذ توصياته بحرفيتها. وهتلر الذي استبطن فكرة الإبادة منذ شبابه وخطط لها سنوات طويلة قبل لقائه اليتيم بالحسيني وقع فجأة تحت سحر تأثير المفتي ونفذ ما أشار به عليه. إذا كان تأثير الحسيني على هتلر نافذا وكبيرا إلى الدرجة التي تروجها الدعاية الصهيونية. فمعنى ذلك أنه كان في مقدور الحسيني تغيير مسار التاريخ الأوروبي كله لو أنه مثلا أشار. أو لنقل أصدر الأوامر. على هتلر بعدم غزو غرب أوروبا وصولا إلى فرنسا. أو بالأحرى لماذا لم يأمر المفتي هتلر أو يقنعه بإعلان الحرب فورا ومنذ البداية على بريطانيا مباشرة عوض التورط في حروب مع بلدان أخرى استنزفته. سيما وبريطانيا هي التي تحتل بلاد المفتي وتسهل على الحركة الصهيونية مخططها في فلسطين؟
الحقيقة التاريخية هنا والمتعلقة بزيارة المفتي إلى ألمانيا لا تستحق سوى هامش سريع على متن الصراع العربي الصهيوني. هتلر الذي كان يضع العرب والمسلمين والأفارقة والغجر واليهود وكثير من غير العنصر الآري في نفس المرتبة الدنيا من الأجناس المنحطة لن يستمع لواحد من هؤلاء "المتخلفين" وينفذ "استشاراته". كان هتلر يريد توسيع دائرة العداوة ضد دول الحلفاء. وهو ما كان يريده أيضاً المفتي الحسيني الذي كان يبحث عن أنصار للقضية الفلسطينية ضد الغطرسة البريطانية. لكن من ناحية عملية لم يرتق لقاء المفتي بهتلر ولا مساعديه إلى مستوى لقاء المصالح بالمعنى الحقيقي. ذلك أنه لم يكن لدى المفتي ما يقدمه لدولة كبرى بحجم ألمانيا تلتهم أوروبا تباعاً وتنوي السيطرة على العالم بأسره. فرضية "تطبيق هتلر لاستشارات المفتي" سواء في مسألة الإبادة أو غيرها فيها قدر مضحك من السذاجة وافتراض الغباء بل والاستهبال أيضا. فحتى لو فرضنا أن المفتي أيد إبادة اليهود ودعا هتلر إليها فإن هذا لا يؤثر في الرواية التاريخية شيئاً. لأن آراء المفتي و"استشاراته" المفترضة ما كانت لتترك أدنى أثر عند هتلر لو لم يكن قد عزم النية منذ سنوات وأسس لمشروع الإبادة الوحشية تلك. لكن السؤال الأهم لماذا هذا التركيز الهائل على هذه التفصيلة الهامشية في صراع الصهيونية ضد الفلسطينيين والعرب. وكيف نفهم خلفياته وأين نموضعه؟
تقع مسألة التحالف المزعوم بين الحسيني وهتلر في سياق تخليق آليات التنميط السلبي عن العرب والفلسطينيين خلال مواجهتهم المشروع الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل، لما يقدمه ذلك التنميط من توفير للاحتضان الدولي والغربي خصوصا لإسرائيل، والمتواصل حتى هذه اللحظة. يعود ذلك التنميط إلى حقبة ما قبل قيام إسرائيل وتأسس جزء كبير منه في العصر الحديث انطلاقاً من كتابات الرحالة الغربيين، بخاصة الأمريكيين، إلى الأراضي المقدسة ووصفهم أهلها والسكان فيها بكونهم، وفق الرحالة العنصري مارك توين، «قذرين بالطبيعة، أو بالفطرة، أو بالتعلم»! لم يستحق أولئك السكان في حقب لاحقة، تحت حكم الاستعمار البريطاني، أن يعاملوا بالطريقة نفسها و»المدنية» التي عومل بها اليهود «المتحضرون» المهاجرون المقبلون من أوروبا «المتحضرة». فمثلاً، لم تحتوِ مناهج التعليم البريطانية في المدارس الفلسطينية آنذاك والمُسيرة من جانب الإدارة البريطانية على مساق تعليم الموسيقى وهو المساق الذي تضمنه المنهج المُطبق نفسه في المستعمرات اليهودية. ليس هناك من تفسير لهذا سوى اعتقاد المسؤولين البريطانيين أن الفلسطينيين أدنى مستوى من اليهود، وأنهم غير جديرين بتعلم الموسيقى وهي التي ترتبط ذهنياً وتصورياً بالرقي والمدنية. ورث المشروع الصهيوني وخطاباته العنصرية والاحتقارية ضد عرب فلسطين التنميط الذي كان قد أسسه البريطانيون ورسخوه، وأضافوا إليه أبعاداً جديدة. فاليهود الهاربون من عنصرية أوروبا والمعبئين بمشاعر الاضطهاد الجمعي والضحية وجدوا في الفلسطينيين عدواً سهلاً، أقرب إلى الفريسة، لتفريغ نزعات الانتقام فيه، ولإثبات الذات والثورة على سمة الضعف والاستضعاف التاريخي التي لاحقت اليهود في التاريخ والعالم وفق السردية المركزية للخطاب الصهيوني. بعد جريمة «الهولوكوست»، ثم قيام إسرائيل أصبح الفلسطينيون هم المحطة الأولى والأقرب لتطبيق شعار «لن يحدث مرة ثانية»، في إشارة مباشرة إلى «الهولوكوست»، لكن في تضمين مرمز وعميق يحيل إلى التصميم المطلق والمطبق على الانتفاض على حقبة الاستضعاف. وضمن سياق هذا الشعور الانتفاضي والذي تهيأت له ظافرية نادرة بسبب قيام الدولة، فإن مقاومة الفلسطينيين مشروع اغتصاب أرضهم وتهجيرهم منها، تم اعتبارها وعلى الفور كأول اختبار لزمن جديد، زمن القطع مع حقب الاستضعاف. واحتل الفلسطينيون فجأة وعلى غير رغبة منهم موقع الطرف الذي يريد اليهود الذين تجمعوا وصارت لهم دولة أن يفرغوا ثأرهم التاريخي فيه، انتقاماً من الماضي، وإثباتاً لذات جديدة. ومن دون أن يكون لهم أي ذنب في تطور التاريخ المأسوي لليهود، وجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون فاتورة كل الاضطهادات التي تعرض لها اليهود في تواريخهم، خصوصاً في أوروبا. هكذا، أضيف تنميط تدميري جديد للفلسطينيين بكونهم خلاصة تجمع العداوات التاريخية لليهود بدليل أنهم لا يقبلون باليهود ولا بدولتهم ويطلقون مقاومة ضدهم. وهذا بالطبع يخرج الفلسطينيين من مربع النضال القومي والوطني ضد محتل أجنبي، إلى مربع آخر يسهل تسويغ إبادتهم فيه وهو مربع العداوة المتأصلة واللاسامية لليهود. وقد تمت مأسسة أخرى لهذا التنميط وربطه بالعدو الأكثر إرهاباً في التاريخ اليهودي الحديث وهو النازية، من خلال التركيز المضخم على الزيارة الساذجة للحاج أمين الحسيني إلى ألمانيا ولقاؤه بهتلر إبان الحرب العالمية الثانية، نكاية في بريطانيا وأملاً بدعم ألمانيا. فقد أصبحت تلك الزيارة تمثل العمود الفقري للتاريخ الفلسطيني والدليل الدامغ ليس فقط على «لا سامية» الفلسطينيين والعرب، بل على امتداد مشروع إبادة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين وتكامل الإثنين. والمثير حقاً أن الدعاية الصهيونية لم تضخم فحسب تلك الزيارة إلى مستوى تكريس «علاقة إستراتيجية» بين الوطنية الفلسطينية والنازية، بل «اكتشفت» أن فكرة إبادة اليهود إنما هي أصلاً فلسطينية، وقد تمكن أمين الحسيني من إقناع هتلر بتنفيذها! والغرابة هنا تكمن في مدى وقاحة هذه الدعاية التي تضرب بعرض الحائط كل ما له علاقة بالتاريخ ورغبة هتلر وتشجيعه اليهود على الهجرة إلى فلسطين والتخلص منهم.
تعد الأسرة البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتلقى منها أولى خبراته الاجتماعية والنفسية. ويتأثر الطفل بدرجة كبيرة... اقرأ المزيد
204
| 10 أكتوبر 2025
لديَّ هواية قراءة الشعر العراقي وأحببت أن أشارككم تجربتي في وضع أبيات باللهجة العراقية أشتكي فيها ضيم المرض... اقرأ المزيد
30
| 10 أكتوبر 2025
(سافرت القضيةَ تَعرضُ شكواها في رُدهةِ المحاكم الدولية، وكانت الجمعيةَ قد خَصصت الجلسةَ للبحث في قضيّةِ القضيّةَ، وجاءَ... اقرأ المزيد
21
| 10 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8409
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5397
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4611
| 05 أكتوبر 2025