رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في سمر ساخن التقينا كإخوة أصدقاء نتحدث أمس حول الذي يجري في بلادنا سوريا الغالية من أحداث يشيب لهولها الولدان حيث لا لغة تستعمل عند أصحاب القرار ضد المتظاهرين المسالمين إلا لغة الرصاص والنار والحديد وكأن هذه العصابات الهمجية فعلاً ترش زخات الموت على الذباب أو الحشرات المؤذية لا على بشر من بني الإنسان لهم كرامتهم وحقوقهم وإن اختلفوا في الرأي معهم، بل الأزيد على القتل والجرح الخطف والتعذيب والاحتقار والإهانة والانتقام الدموي الخسيس الإجرامي والشتم المقذع الذي ينم عن حقد رفين وسفه غير محدود ولكم تأثرنا ونحن نرى ونسمع أزير الرصاص وكوابل زخات المطر ينهمر على المتظاهرين العزل الأحرار الأعزاء وهم يهتفون للحرية المفقودة فعلا وحقيقة في بلاد الشام منذ أكثر من أربعة عقود ولما تابعنا عدة لقطات في مختلف الفضائيات عن ثورات الاحتجاجات في دمشق وريفها والحرم الجامعي في حلب وفي حمص الباسلة وادلب الأبية ومناطق درعا وبانياس والقامشلي ومشاهد مؤثرة في حماة ومناطق وقرى أخرى حتى عمت سوريا كلها غير آبهة باتساع تحرك الدبابات والمدرعات والحصار والتطويق الذي ضرب على أهمها كدرعا وبانياس وحمص ومعرة النعمان وحماه وسقبا وغيرها بارزة بصدورها الشجاعة ضد آلة الظلم من جيش وأمن وشبيحة متحدية في جمعة آزادي الحرية الموت وأنه أفضل من المذلة بل إن كل مجزرة وسام للشرفاء ولعنة على الجزارين، وكان مما هيج نار غضبنا وغضب كل حر رأى وشاهد ذاك المشهد الذي يظهر أحد المتظاهرين وقد أخذه الشبيحة والجلاوزة جانبا في مدينة حماه وانهال عليه منهم أكثر من عشرين عنتريا بالضرب حتى فقد روحه أو وعيه وهم يجرونه كالحيوان الذبيح، يا لها من شجاعة يرى القاتلون فيها أنهم أمهر من فرسان عبس وذبيان وطرزان! وهنا تبادلنا الأسئلة والتعليقات فقال أحدنا: إنني لأعجب من شبابنا الأبطال كيف يسجلون أسطورة التاريخ المعاصر إذ إنهم منذ عشرة أسابيع يرمون بالرصاص الحي وهم صامدون لا يحميهم إلا قميص رقيق على الصدر؟! فأجاب الآخر: يا أخانا العزيز أنسيت ما هم فيه من مخزون الإيمان والإرادة والإباء، ألم تسمع هتافاتهم المدوية؟: المنية ولا الدنية، النار ولا العار فهل تحدي عقلية النظام المسلحة مع من يتمنى الشهادة ويعيد ألف مرة شعر المتنبي:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم
فسأل صديق آخر ولماذا هذه المعالجة الدموية الوحشية؟ وهل إلى سبيل غيرها لو عقل النظام؟ فرد أخ آخر قائلا: إن من يفهم المعالجة الأخوية الوطنية قوم لهم دين يردعهم أو قيم تحجزهم ولكن هيهات هيهات لو عرفوا ما جاء في الأثر من منع أي أحد أن يشير إلى أخيه بالسلاح وأن من فعل ذلك فإن الملائكة تلعنه. وهذا بمجرد الإشارة حقنا لدم المسلم فهل يمكن أن يفعلوا ذلك؟ فتذكر السائل قول جميل صدقي الزهاوي:
وكل حكومة بالسيف تقتضي
فإن أمامها يوما عصيبا
فقال: هؤلاء لن ينجحوا عاجلا أو آجلا لأنه كما يقول المثل التركي: السلاح عدو صاحبه، ولأن انتقامهم من المحتجين المسالمين إنما هو عدالة الهمجيين كما يقول فرانسيس بايكون إنها النفس التي حرم الله قتلها وقنصها في جميع الشرائع والأديان ومع ذلك فلا تنس أن هذا التعاطي الفاشل إنما هو تعاطي الجبناء الذين تمتلئ قلوبهم بغضا ولا يعرفون للمحبة مكانا والبغض انتقام الجبان كما يقول برناردشو وبناء البغض مشيد بحجارة الإهانات وإن هؤلاء الجبناء إنما يحاربون عندما لا يسعهم الفرار كما يقول شكسبير فيصبحون كأنهم فرسان الميدان ضد الأبرياء العزل:
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
وقد أصاب المتنبي، فإن مثل هؤلاء يفكرون بأرجلهم ساعة الخطر فهم في عبودية والشجعان في حرية وهم لا يستأسدون إلا على أهل وطنهم أما حيال الصهاينة والمعتدين فهم حمائم وديعة:
أسد علي وفي الحروب نعامة
ربداء تنفر من صفير الصافر
قال الصديق الآخر: إنهم يوسعون المعتقلين الذين باتوا بعشرات الآلاف تعذيبا جسديا واحتقارا باللسان أيضا، وليس ذلك بغريب على من بلغ به الحقد مداه والخصومة أوجها وكما قال عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
وليس رئيس القوم من يحمل
الحقد كما قال المقنع الكندي، إن هؤلاء كتل ضخمة هائلة من الحقد على كل ما هو حضاري فماذا تتوقع منهم وقد ذكر علي بن أبي طالب من جرى عليه مثل هذا الوصف:
إن الحقود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصدور مغيب
وإن بينهم وبين المثل العربي: عند الشدائد تذهب الأحقاد بعد الأرض عن السماء إن مثل هؤلاء السفهاء قادرون على ارتكاب كل شيء كما يقول فولتير أو كما كان يصف الشاعر العراقي معروف الرصافي من كانوا يتآمرون على الوطن من أبناء الجلدة وهم تبع للأجانب حقيقة لا مراء فيها:
كلاب للأجانب هم ولكن
على أبناء جلدتهم أسود
قال صديق آخر: فماذا نقول في النازحين الذين فروا إلى لبنان وتركيا والأردن، وقد قارب عددهم الآن فقط إلى لبنان خمسة آلاف ومن درعا إلى الأردن كثير وكثير، فأجبنا هذه هي حالات الظلم والجور التي يضطر الناس فيها إلى الهروب لأي ملاذ آمن وقد قتل بعض ذويهم واعتقل أو فقد آخرون وقد رأينا بأعيننا الصبية الصغيرة التي فقدت أباها وعمها وهي تبكي فكيف لا يهاجرون من وطن يذلون فيه:
وإذا نزلت بدار ذل فارحل
ورب عيش أخف منه الحمام
ثم كان لابد من هذا السؤال المهم: من المسؤول عن قتل المتظاهرين وسفك الدم البريء والاعتقال التعسفي وانتهاك الحرمات والتعذيب العجيب في المشهد السوري هذا، وهنا كان الجميع على إجابة واحدة لا اضطراب فيها: إن المسؤول الأول هو رئيس السلطة ولا نقول دولة لأنه ليس فيها مواصفات الدولة في علم السياسة والاجتماع، إن الرئيس ومن معه من الأركان من وزير دفاع ووزير داخلية وأجهزة أمنية واستخبارات يتحملون وزر كل ما جرى ويجري على أرض الشام المباركة من قتل وجرح وإيذاء وانتهاكات للرجاء والنساء والشباب والشواب والمعارضين بالرأي الآخر وقد جاء في الأثر أن الزعيم غارم، وقال عمر رضي الله عنه: أشقى الولاة من شقيت به رعيته، وقال محمد عبده: شر السلاطين من خافه البريء والراعي مسؤول عن رعيته كما في الحديث وكما قال علي: ليس تصلح الرعية إلا بالولاة، وكان أبو بكر يقول في خطبة ولايته: إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني والحكومة المثلى هي حكومة القانون والمؤسسات لا حكومة الأشخاص، كما قال جون مارشال وهو ما ينطبق على المشهد السوري بحكم العائلة والحزب القائد والمنتفعين، وكما يقول المثل البلجيكي:
إن أكثر أمراض الحكومة سوءا ما يكون في الرأس أي لأنه المسؤول الأول وهو الذي يفتخر بهذه المسؤولية طالما أنه يتأتى إليه نفع فكيف يمكن له التملص منها عندما يجلب الشر على الناس إنه الذي تسبب بظلمهم وإن الذين وقفوا في وجهه قاموا بالسنة والمروءة والديمقراطية والحرية ينادون متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ! كما قال عمر ويعرفون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم بعقاب من عنده، إن مثل هؤلاء الحكام الذين لم يتركوا بينهم وبين شعوبهم حتى شعرة معاوية كيف لا يسألون ويحاسبون على هذه الدماء أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى وآلاف آلاف المعتقلين والمعذبين والمهجرين سابقا وحاضرا، وإنما السياسة اقتياد القلوب بالإنصاف كما قال عبد الملك بن مروان، وإن هذه الجرائم المقترفة بحق شعبنا الباسل هي التي تجر إلى العار والتاريخ لن ينسى ذلك ويا ليت مثل هؤلاء عرفوا ما قاله بوالا: يمكن للمرء أن يكون بطلا دون أن يدمر الأرض ولكن الحرب عند هؤلاء إنما هي تسلية لهم ضد شعوبهم وإذا كان الرئيس كما يقول: اتخذ قرارا بعدم رمي الرصاص على المتظاهرين فلماذا لا يطاع، إن كان انشقاق في النخب حوله فيجب أن يعلن ذلك وأن ينحاز إلى الحق، ثم إنه على كل حال إن كان رئيسا منتخبا حقا فهو مسؤول وإن انتخب بالقوة والوراثة فهو مسؤول أيضا لأنه حكم بالتغلب فما عدل بل ظلم وطغى وبغى فلابد له من محاسبته ثم خرج جميع الأصدقاء بالحكمة التي قالها عبد الرحمن الكواكبي: إن الحكم القائم على الظلم لا يدوم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
819
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
660
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025