رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا تتورع إسرائيل عن اللجوء إلى كل وسائل الضغط على الفلسطينيين لدفعهم لتقديم المزيد من التنازلات لصالح مشروعها الاستيطاني الاستعماري التوسعي في المنطقة.
وكان آخر تجليات ذلك مصادرة وحبس المستحقات المالية الخاصة بالسلطة الوطنية برئاسة محمود عباس أبو مازن، الناجمة عن عوائد الضرائب والجمارك التي تحصل في المنافذ الإسرائيلية عن المنتجات الفلسطينية، في ظل معادلة تربط بين استمرار تزويد السلطة بالمال، سواء من قبل الدولة العبرية ذاتها أو من الولايات المتحدة، أو من الدول المانحة الأخرى وبين مواصلتها التنسيق الأمني. ولكن يبدو أن الخطوة الإسرائيلية، أدت إلى نتائج عكسية تمثلت في إجبار الفلسطينيين على الرد من زاوية ذات المعادلة التي تقايض الأمن بالمال.. فما دام الأمر "لا مال إذن.. فلا أمن" وعلى الولايات المتحدة والدول المانحة حينها تحمل المسؤولية.
غير أنه ما صدر على صعيد وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل هو مجرد توصية من المجلس المركزي الفلسطيني. صحيح أنها صدرت بالإجماع بدون اعتراض من أي فصيل، ولكن القرار النهائي منوط بالرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكلاهما لم يبت فيه حتى الآن بشكل رسمي، ربما ترقبا لمرحلة ما بعد إجراء انتخابات الكنيست الأخيرة التي دفعت بتصدر بنيامين نتنياهو لصدارة المشهد السياسي الإسرائيلي المتطرف في ظل تحالفه مع عتاة المستوطنين والمتطرفين، مما يؤشر إلى أن خط التشدد الإسرائيلي الذي قاده نتنياهو خلال ثلاث دورات، تولى فيها رئاسة الحكومة خلال السنوات الماضية، سيتواصل خلال الدورة الرابعة، وبالتالي فإنه لن يتراجع عن قراره بمصادرة أموال الضرائب والجمارك الفلسطينية، مما يضع السلطة الوطنية في مأزق فائق الضيق، الأمر الذي قد يجعل من تنفيذ قرار وقف التنسيق الأمني خيارا ضروريا في المرحلة القادمة.
ولاشك أن وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال برز في الآونة الأخيرة كمطلب شعبي واسع، فضلاً عن كونه مطلباً لمعظم الكيانات السياسية الفلسطينية، خاصة أنه لم يكن ذا جدوى على صعيد وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، من قبل الجيش والمستوطنين، كما لم يؤدّ إلى إقناع إسرائيل بجدوى توجه القيادة الفلسطينية نحو التسوية في دولة فلسطينية.
وفي هذه المسألة بالذات، أي مسألة التنسيق الأمني، بدت إسرائيل كأنها تأخذ مكافأة على احتلالها لأراضي الفلسطينيين، والسيطرة على حياتهم، وتنكيد عيشهم، إذ باتت تعيش في واقع من الاحتلال المريح والمربح، من كل النواحي.
وعلى العموم فإن التعاطي مع قضية التنسيق الأمني ليس بيد الفلسطينيين، أي أنه لا يقتصر على ما يريدونه، أو ما يرغبونه، إذ إن إسرائيل هي التي تسيطر على مجمل نواحي الحياة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعني أن لديها ما تقوله، والأهم ما تفعله، لإجهاض هذه الخطوة، والرد عليها. فهي التي تتحكم بحركة الفلسطينيين بين القرى والمدن، وهي التي تسيطر على المعابر الخارجية، فضلاً عن أنها تسيطر على التجارة وحركة الأموال، وعلى البنى التحتية، إلى درجة أن كل تفصيل يخص حياة كل شخص في الضفة وغزة، يتوقف على قرار إسرائيلي.
وذلك يعني أن ثمنا باهظا ينتظر الفلسطينيين، في حال إقدامهم على تنفيذ قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير، والسؤال، هل يمكن للعرب أن يوفروا عنصر إسناد حقيقيا لتوفير متطلبات السلطة، التي تواجه بالفعل أزمة مالية شديدة الوطء، منذ مصادرة الدولة العبرية لمستحقاتها من الضرائب والجمارك؟.
ووفقا لما يقوله السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة، وأمين سر المجلس المركزي، والذي شهد اجتماعاته الأخيرة برام الله التي قررت وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإحالة القرار إلى القيادة الفلسطينية للبت فيه، لكاتب هذه السطور، فإن السلطة الوطنية تكابد نقصا واضحا في موازنتها بعد خسارتها مبالغ تتراوح بين 120 إلى 140 مليون دولار شهريا هي حصيلة أموال الضرائب والجمارك، وهو ما أدى إلى أن معظم العاملين بمؤسساتها لم يحصلوا على مرتباتهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وعندما تتحصل على بعض الأموال، فإنه يتم صرف المرتبات في حدود دنيا، خاصة أن الالتزام العربي بتوفير شبكة الأمان التي وافق عليها القادة العرب منذ القمة العربية التي عقدت في بغداد في مارس 2012 بقيمة 100 مليون دولار شهريا ما زال دون المستوى وضعيفا للغاية. ولم يشأ صبيح أن يكشف لي عن أسماء الدول التي لم تدفع مخصصاتها في هذه الشبكة أو الأرقام التي قامت بدفعها الدول القليلة جدا، وهي كلها هشة لا تلبي متطلبات يوم واحد في حياة الفلسطينيين، حيث تتراوح أعداد الموظفين بالجهاز الإداري والحكومي للسلطة الوطنية بين 160 و180 ألف موظف، إضافة إلى 40 ألفا من موظفي سلطة "حماس" في غزة، الذين تطالب الحركة بضمهم إلى مرتبات السلطة، أي أن العبء ثقيل وضخم وقيمة مرتبات هذه الأعداد تستنزف نصف موازنة السلطة التي تصل إلى بليوني دولار شهريا، يأتي أغلبها من الدول المانحة وبالذات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فضلا عن مستحقات السلطة لدى إسرائيل من الضرائب والجمارك.
وثمة معضلة إضافية –كما يقول صبيح – تتمثل في إمكانية تنفيذ واشنطن لتهديدات الكونجرس لقطع المساعدات المالية عن السلطة والتي تتجاوز الـ600 مليون دولار سنويا. مما يعني أنها ستواجه كوارث مالية وإنسانية - والكلام لكاتب هذه السطور- وبالتالي فإنه ليس ثمة خيار أمام السلطة سوى البوابة العربية. والتي باتت مطالبة بالإسراع في توفير شبكة الأمان المقررة للسلطة، حتى لا تسقط في براثن الفك الإسرائيلي المفترس والذي سيشهد المزيد من الشراسة بعد عودة نتنياهو إلى السلطة مكللا بفوز مقدر، في الانتخابات الأخيرة، ومدججا بأسلحة الرفض لكل من حل الدولتين، أي أنه ما دام مستمرا في السلطة، فلن تكون ثمة إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالذات في ظل مواصلة مشروعه الاستيطاني الاستعماري التوسعي، فضلا عن تهديد ائتلافه الحكومي الجديد باللجوء إلى سياسة قطع الرقاب، وتهويد القدس وإخفاء قطاع غزة من الوجود، تهجير فلسطيني ١٩٤٨، ضمن مشروعه بإعلان إسرائيل دولة يهودية كاملة.
والمؤكد أنه لو استمر التقصير العربي في توفير شبكة الأمان العربية للسلطة الفلسطينية، فإن ذلك سيدفع إلى المزيد من العدوانية الإسرائيلية واشتداد الضغوط على الشعب الفلسطيني، مما قد يؤدي إلى تنفيذ أبو مازن لتهديدات سابقة له بحل السلطة الوطنية وهو خيار تخشاه الدولة العبرية بالدرجة الأولى، لأنه سيحملها مسؤولية إدارة الأراضي الخاضعة لاحتلالها في الضفة الغربية وغزة، مما ينطوي على كلفة عالية للغاية بشريا وماليا، رغم بقائها كقوة احتلال في معظم مدن الضفة، على نحو يجرد السلطة الوطنية من الكثير من صلاحياتها. ولكن هذا الخيار سيعيد الفلسطينيين في الوقت ذاته إلى المربع الأول الذي كانوا عليه قبل اتفاقية أوسلو في العام 1993، ومن ثم سيخسر معه الجانب الفلسطيني الكثير مما تحقق على الصعيد السياسي، وبالذات الاعتراف الخارجي الواسع بالدولة الفلسطينية وهو ما يستوجب تحركا عربيا لإعادة الأمور إلى نصابها على الصعيد المالي والاقتصادي، فضلا عن الدعم السياسي لتوجهات السلطة، سواء إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو التقدم بمشروع قرار جديد لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفق جدول زمني لا يتجاوز عامين.
وثمة آمال قوية، على القمة العربية السادسة والعشرين التي ستحتضنها مدينة شرم الشيخ المصرية يومي السبت والأحد القادمين، لتشكل نقلة نوعية في التعاطي العربي مع مختلف مفردات القضية الفلسطينية، وبالذات في الشق المالي الذي ينقص السلطة والشعب الفلسطيني، فهل تجتاح النخوة العربية قمة العرب في شرم الشيخ لصالح إنقاذ الفلسطينيين من حصار وخناق دولة الاحتلال؟.
خيركم
يا لجمال الخير وأصحابه! من منا لا يحب الخير ؟ ومن منا لا يحب أن يترك أثراً من... اقرأ المزيد
213
| 11 ديسمبر 2025
النضج المهني
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش... اقرأ المزيد
636
| 11 ديسمبر 2025
مرحبا بكل من يحترم مجتمعنا
تعيش قطر هذه الأيام بطولات رياضية كبرى وهي كأس العرب فورميلا 1 وكأس الخليج تحت 23 سنة، بالإضافة... اقرأ المزيد
144
| 11 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2208
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2139
| 10 ديسمبر 2025