رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي الرشيد

علي الرشيد

مساحة إعلانية

مقالات

447

علي الرشيد

الحالة المأزومة للديمقراطيات العربية.. تحذيرات لا بد منها

22 ديسمبر 2010 , 12:00ص

في العام الحالي الذي يوشك أن ينصرم بدت " الديمقراطية العربية " في وضع مأزوم جدا، خصوصا ما يتعلق منها بالحالة البرلمانية التي يفترض أن تكون الوجه الأكثر تعبيرا عنها.

الأزمة تتمثل مظاهرها إما في عدم مبالاة أنظمة عربية بمقاطعة الأحزاب الرئيسية للانتخابات في بلادها لصالح قوى فئوية وعصبيات عشائرية بدلا من أن تقدم تنازلات ـ ولو بحدود مقبولة ـ لإصلاح الأوضاع السياسية الداخلية والنظام الانتخابي فيها، كما حصل في الأردن، أو في سعيها الممنهج سلفا لإقصاء أحزاب المعارضة بكافة أطيافها، وعدم توفير الحد الأدنى لضمان نزاهتها وحياديتها، لأنها لم تعد قادرة على احتمال وجود نسبة لا تتجاوز 20% في برلماناتها، كما حدث في مصر، أو بالخطوات الانفرادية للأحزاب الحاكمة لتفصيل المشهد الانتخابي، وفقا لمقاساتها فقط، والنكوص عن الحوار الوطني مع أحزاب المعارضة لتوفير أجواء ـ ولو بالحد الأدنى ـ لعدم استثناء الآخر، كما جرى في اليمن مؤخرا، دون أن يبدو" المؤتمر الشعبي" ـ حزب الدولة ـ عابئا باحتمالات مقاطعة " اللقاء المشترك" المعارض للانتخابات، أو بعودته لقاعدته الشعبية وتصعيده لنضاله السلمي فيما أسماه " الهبة الشعبية"، كرد فعل على خطوة " المؤتمر".

وهذا الضيق في الصدر والأفق السياسي، الذي تبديه الأنظمة في تعاملها مع المهمش الديمقراطي ـ الضيق أصلا ـ إلى درجة شبيهة بالاستئصال، يذكّر بتعاملها مع نتائج الانتخابات الرئاسية، التي لا تكتفي بصدورها بأقل من 99% وبعضها تصل إلى 99.9%، وهي نسب لا يمكن أن يحظى بها أكثر عباد الله قبولا في الأرض على مدار التاريخ إلا عن طريق التزوير فقط.

وما يدعو للغرابة مصطلحات هذه الأنظمة وأحزابها الحاكمة وهي تتحدث عن الانتخابات النيابية مثل: "الأغلبية الكاسحة"، التي تسعى لبلوغها على حساب المهمش الضيق جدا للمعارضة، علما أن دور البرلمانات العربية في أحسن الأحوال يتركز في مهمة التشريع، دون أن يصل إلى الجانب الرقابي الفاعل على الأجهزة التنفيذية لهذه الدول ومحاسبتها، منذ إنشائها وحتى الآن، وهو وفقا لذلك لا يعدو أن يكون أكثر من مظلة خطابية مشروعة ـ إلى حد ما ـ لانتقاد الحكومات، تستفيد منه، أكثر من المعارضة بألف مرة لأنه يجمّل وجوهها بمساحيق الديمقراطية بخلاف الواقع.

كما أن "تصفير" المعارضة أو خنقها قريبا من الموت، لن يخدم هذه الأنظمة في شئ، لأن وجود الأولى بنسب تصل إلى أقل من ربع أو ثلث عدد مقاعد البرلمانات لن يؤثر على غالبيتها المطلقة التي تمكّنها من تعديل الدستور وتمرير ما تريد.

والسؤالان اللذان يطرحان نفسهما بقوة: ما الذي حمل هذه الأنظمة على هذا السلوك وشجعها عليه، وما الآثار المتوقعة له؟

من الواضح أن اللجوء إلى التعددية الحزبية والخيار الديمقراطي والمتمثل في التجارب البرلمانية وحرية التعبير عن الرأي بطرق سلمية من خلال الشارع وعبر وسائل الإعلام والذي كان جله شكليا ومحدودا جدا، إنما أملته ضغوط خارجية لاسيَّما بعد حقبة سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، أو كان بمثابة "برستيج" لإرضاء الغرب وتحسين صورة هذه الأنظمة لديه، أكثر من كونه تعبيرا أصيلا عن رغبة حقيقية لدى هذه الأنظمة في الإصلاح السياسي والسعي لتنمية سياسية حقيقية تتجاوز واقع الاستبداد والاستئثار الفردي، إلى إشراك المواطن في إدارة بلاده والإسهام في تطويرها وبناء نهضتها.

وعندما أحست هذه الأنظمة بنمو المعارضة وتعاظم دورها على حسابها لجأت إلى كسب ودّ الخارج واسترضائه، وضمان غطاء شرعية بقائها منه، بدلا من شرعية الداخل، واشترت صمت الغرب الليبرالي المنافق (الذي يكيل بأكثر من مكيال) بتخويفه من تفشي ظاهرة ما يسمى بـ "الأصولية" الإسلامية، أو حركات الإسلام السياسي، في المنطقة، التي ستضر حتما بمصالحه ـ وفق منطقها ـ، كما حدث في مصر مع " الإخوان المسلمين" في الانتخابات الأخيرة، بحجة عدم تكرار تجربة قطاع غزة التي استولت عليه حركة حماس، أو الاستجابة لكل أو جلّ شروطه لمحاربة ما يسمى بـ "الإرهاب"، ولو جاء ذلك على حساب أولوياتها أو سيادتها الوطنية، كما يحدث حاليا في اليمن، والذي أكدته وثاثق "ويكيليكس" المسربة فيما بعد.

ورغم أن الأحزاب السياسية العربية التي تؤمن بالنضال السلمي تعد صمام أمان لحماية دولها وأمتها من الانحدار إلى شفير العنف والفوضى، إلا أن ما يؤسف حقا مراهنة هذه الأنظمة على ضعف المعارضة أو انقساماتها، و "تدجين" الشعوب، مقابل قوة قبضتها الأمنية، ومناورتها ومراوغاتها السياسية هنا وهناك، رغم أن "دوام الحال من المحال"، أو أن مثل هذه الحسابات الخاطئة والمتغيرة قد تقلب الطاولة عليها، في لحظة من اللحظات، بسبب خروج الأمور عن نطاق السيطرة.

وبناء على ما سبق؛ فإن على الغرب الذي "يداه أوكتا وفوه نفخ" أن يتحمل إفرازات ومخرجات الحالة المأزومة للديمقراطيات العربية، بما في ذلك انتقال المزاج العام للشعوب من " الاعتدال" إلى " الغلو والتطرف" ومن "الاستقرار" إلى "الانفلات"، لأن لكل فعل ردة فعل.

مساحة إعلانية