رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


[email protected]
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

1008

خولة البوعينين

هل تُقبل عليه بُكليّتك؟

22 أكتوبر 2024 , 02:00ص

ليس من الهيّن أن يعتاد الإنسان حُسن الإنصات، ويتأدب بآداب الاستماع، ويستعد للتخلي عن دفاعاته، وأُهبة ردوده حتى يعي ويفهم فعلاً ما يُقال، وكيف يُقال، ولماذا يُقال.   وليس سهلاً أن يتمكّن المرء من عقد نيتّه على حُسن التفهّم لمنطلقات الآخر، أو أن يمتلك رغبة حقيقية في فهم منظوره، ومراعاة شعوره، فضلاً عن منحه المساحة الكافية للتعبير عنها أمامه دون حُكم مُسبق، أو افتراض مُقدّم، أو تأويل جاهز. يستقبل منه بحسن نية، وصدق تفهّم، وإقبال عليه بُكليّته، جسداً وعقلاً وشعوراً كما في الهدي النبوي الشريف.  فالتواصل بنيّة التفهّم، والاستكشاف، والاستيضاح الحقيقي رغبةً في فهم وجهة نظر الآخر هي مهارات يندر من يمتلك زمامها. ولستُ أرى حُسن الإنصات سوى مقام عالٍ في الإنسانية، ودرجة عالية من الوعي، ذلك لأن المستمع الحق هو من يبذل جهده ليفهم عالمك، ويعيش شعورك، ويفهم منظور فكرتك، ويُدرك سياقاتك التي تنطلق منها، ويقبل عليك نفساً وجسداً وشعوراً ليفهمك، دون أن يرى نفسه أنه أفهم أو أعلم أو أحكم أو أفضل.  أو أنه المالك للإجابات، أو المتأهب للردود وإثبات وجهات النظر التي يعتنقها، انتصاراً لأناه، وتحقيقاً لوجوده الكاذب.  وليس ذلك سوى محض صراع الأنوات، مما يمحق الحب، ويُعدم جسور التواصل، ويُشيع النبذ بدل الاحتواء، والإثبات بدل التفهّم، ولو كان أقرب المقربين، وأصفى الأصفياء.

فلا صفاء يدوم في ظل المشاحنة لإثبات وجهات النظر، ولا مودة تبقى في رفض يتوسد الكلمات، ونبذ يُغرق العبارات.  ولا إعلان لحُسن النوايا، ولا دفع بالتي هي أحسن إن غاب الإنصات، وظهرت نعرة الأحكام وإطلاق المسميات، حيث تُحال إلى أرض بور لا زرع فيها يدوم ولا ثمر. ولعل ما يغيب حقاً عن أنواتنا المتعاظمة أن نُدرك أن للجميع فرصة أن يشعر بما يشعر به، وأن يفكر بما يُفكر به، وأن يتبنى ما هو مناسب له، دون أن يُشعر بالرفض والحرب عليه لمجرد اختياراته، أو التصغير لمقامه لمجرد ما انتقاه لنفسه من باقة الفكر والوجدان.  وما أعظم الأدب الذي يُعظم من شأن حق كل امرئ في التعبير عن نفسه كيفما كان، وأن يشعر بأنه في رحابة الاستيعاب وإن لم يتم الاتفاق معه، وأن رأيه مكرّم وإن شذ، وأن شعوره مُقدّر وإن اُستغرب.  فالرحمة سيدة الأخلاق، وعابرة الوجدان، وملطفة أشواك الفكر، وحضن يسع الإنسان بكل أطيافه.

 *لحظة إدراك:

من المعلوم عنه صلى الله عليه وسلم بعد الإقبال على من يستمع له بُكليّته، أن يفسح المجال له بسؤاله: (أفرغت؟)  لأنه لا أسمى من أن تجابه دعوات شاذة، واحتدامات شائكة بالتفهم عقلاً وشعوراً وانتقاءً للكلمة، واستجابة حتى بلغة الجسد التي تعبر عن الرحمة والإحاطة والرغبة الحقة في الاستيعاب، وترك المساحة كاملةً للتعبير والتفريغ، لأن التواصل الحق ما هو إلا دعوة محبة ورحمة، لا ساحات للإثبات والانتصار.

مساحة إعلانية