رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في زمن تحولت فيه الهواتف الذكية إلى «حاضنة صامتة» لأطفالنا، وتبدلت فيه الألعاب من مجرد تسلية بريئة إلى عوالم افتراضية موازية قد تلتهم القيم وتُضعف الروابط الأسرية، جاء الحوار الذي أجرته صحيفة الشرق مع الدكتورة مريم الخاطر، أستاذ الاتصال الرقمي والسياسة، كجرس إنذار مدوٍّ، بجرأة الباحثة وعمق الاستشراف، وضعت الخاطر إصبعها على الجرح: المنصات الرقمية لم تعد مجرد أدوات ترفيه أو تواصل، بل باتت ــ إن تُركت بلا ضابط ــ أشبه بـ «أسلحة دمار شامل» تستهدف النشء وتخترق حصون الأسرة من الداخل.
ما قالته عن حظر لعبة «روبلوكس» في قطر لم يكن تعليقاً عابراً، بل كشفاً عن أزمة أوسع تتجاوز لعبة أو تطبيقاً إلى نمط حياة يهدد الأمن النفسي والاجتماعي. وما بين «الفاشينيستا» الذين صنعوا من الشهرة تجارة على حساب القيم، وغياب الوعي الإعلامي والتقني لدى كثير من أولياء الأمور، تبرز الحاجة إلى وقفة صادقة تعيد صياغة علاقتنا بهذا الفضاء الرقمي المتغول.
وهنا تحديداً تستعيد الخاطر مبادرة «نحو فضاء إعلامي مسؤول» التي أطلقتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع عام 2007، لتذكرنا أن الرؤية الاستشرافية قادرة على أن تسبق الزمن، وأن ما بدا وقتها تحذيراً بعيد المدى أصبح اليوم ضرورة وجودية لحماية الأجيال المقبلة.
حينما قررت دولة قطر حظر لعبة «روبلوكس»، اعتبر البعض أن القرار مبالغ فيه، أو أن الرقابة على الألعاب لم تعد مجدية في ظل انتشار مئات المنصات البديلة. لكن ما أوضحته الدكتورة مريم الخاطر هو أن القضية ليست مجرد لعبة، بل منظومة متكاملة من المحتوى التفاعلي الذي يتجاوز حدود البراءة الطفولية إلى فضاءات تهدد الأمن النفسي والاجتماعي.
«روبلوكس» ليست مجرد ترفيه، بل عالم افتراضي مفتوح يُمكّن الأطفال من التفاعل مع محتوى يصنعه مستخدمون آخرون، دون ضوابط حقيقية أو رقابة فعلية. ومن هنا تأتي خطورة اللعبة، حيث تنفتح على احتمالات التعرض لمضامين غير مناسبة، أو لسلوكيات سامة، بل وحتى لاستغلال رقمي خطير. إن قرار الحظر، برغم تأخره، يمثل إعلاناً بأن حماية النشء ليست ترفاً، بل ضرورة وطنية وأخلاقية.
أحد المحاور اللافتة في حديث الخاطر كان تناولها لظاهرة «البلوجر» و»الفاشينيستا»، بوصفها تجسيداً لتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى سوق استهلاكي، تُسوَّق فيه القيم السطحية على حساب المضمون الهادف. فبدلاً من أن تكون هذه المنصات جسراً للتنوير والمعرفة، أصبحت في كثير من الأحيان وسيلة لتكريس ثقافة المظهر والربح السريع، حتى لو كان الثمن هو إضعاف البنية الأخلاقية للمجتمع.
هذه الظاهرة ليست شأناً قطرياً فحسب، بل امتداد عالمي. لكن خصوصية المجتمع القطري، والعربي عموماً، تكمن في أن مثل هذه الظواهر تتصادم مباشرة مع قيم أصيلة، مثل التكافل الأسري، والهوية الدينية والثقافية. وهو ما يضاعف الحاجة إلى رقابة اجتماعية، لا بمعناها القمعي، بل في شكل وعي نقدي يتيح للنشء التمييز بين ما يُعرض عليهم، وما يتناقض مع قيمهم.
ركزت الخاطر في حديثها على أن المواجهة الحقيقية تبدأ من الأسرة، وهو طرح بالغ الأهمية. فالقرارات الحكومية أو التشريعات، مهما كانت صارمة، تظل عاجزة عن ضبط كل تفاصيل التفاعل اليومي للأطفال واليافعين مع المنصات الرقمية. هنا يبرز دور الوالدين كخط الدفاع الأول، من خلال رفع وعيهم الإعلامي والتقني.
ولعل أكبر إشكالية تواجه الأسرة القطرية والعربية اليوم، أن الفجوة الرقمية بين الأجيال تتسع يوماً بعد يوم. في حين ينغمس الأبناء في تفاصيل التطبيقات والمنصات الحديثة، يبقى كثير من الآباء والأمهات خارج هذه المعادلة، مكتفين بالمتابعة من بعيد أو بالمنع التقليدي. غير أن المطلوب، كما أشارت الخاطر، ليس المنع فقط، بل المشاركة الواعية، من خلال تثقيف الوالدين إعلامياً وتقنياً، بحيث يصبحون شركاء لأبنائهم في الفضاء الرقمي، لا مجرد رقباء أو خصوم.
من أبرز ما جاء في الحوار استدعاء الخاطر لمبادرة «نحو فضاء إعلامي مسؤول» التي أطلقتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع عام 2007. يومها ربما لم يدرك كثيرون أن العالم مقبل على ثورة رقمية ستجعل من الإعلام الجديد سلطة فوق الدول والمجتمعات. لكن المبادرة كانت بمثابة رؤية استراتيجية، دعت إلى إعلام يحترم القيم الإسلامية والعربية، ويحمي النشء من سطوة المحتوى المستورد.
اليوم، وبعد مرور ما يقارب عقدين، يبدو أن تلك المبادرة لم تفقد بريقها، بل تزداد راهنيتها. ففي زمن تحول فيه «المؤثر» إلى سلطة تنافس المدرسة والجامعة، وفي وقت باتت فيه المنصات الرقمية «أسلحة دمار شامل» للقيم والثقافة، يصبح استدعاء هذه الرؤية ضرورة قصوى.
وصفت الدكتورة مريم الخاطر منصات التواصل الاجتماعي بأنها «أسلحة دمار شامل»، وهو توصيف يحمل دلالتين: الأولى أن هذه الوسائل تملك قدرة هائلة على التأثير في العقول والوجدان، والثانية أنها إذا لم تُضبط بقوانين وقيم، فإنها تتحول إلى قوى تدميرية.
فوسائل التواصل الاجتماعي مكنت الأفراد من التعبير عن ذواتهم، وخلقت فضاءات للنقاش والتفاعل. لكنها في الوقت نفسه أفرزت تحديات خطيرة، مثل الأخبار المضللة، والعنف اللفظي، والإدمان الرقمي، وتفكك الروابط الأسرية. إن إدارة هذا التناقض لا يمكن أن تتحقق عبر الدولة وحدها، بل عبر شراكة مجتمعية متكاملة، تضع حماية النشء في صدارة الأولويات.
من خلال قراءة ما طرحته الدكتورة الخاطر، يمكن القول إننا أمام حاجة ملحّة لبناء إستراتيجية وطنية شاملة لحماية النشء في قطر من مخاطر الفضاء الرقمي. هذه الإستراتيجية يجب أن تقوم على عدة ركائز، التشريعات والقوانين، التثقيف الأسري، التعليم المدرسي، الشراكة مع المجتمع المدني: تمكين الجمعيات والمؤسسات الثقافية من المشاركة في التوعية، وتقديم مبادرات بديلة عن المحتوى المستورد، إنتاج محتوى محلي هادف: دعم صناعة إعلامية محلية توفر بدائل جاذبة ومواكبة، تحترم القيم وتستجيب لاحتياجات الجيل الجديد.
ختاما.. حوار صحيفة الشرق مع الدكتورة مريم الخاطر ليس مجرد نقاش أكاديمي، بل دعوة جادة لإعادة النظر في علاقتنا بالفضاء الرقمي. إن حماية النشء في قطر، والحفاظ على الترابط الأسري، لم تعد مسؤولية فردية أو خياراً ترفياً، بل قضية أمن وطني وثقافي بامتياز.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• ناشطة اجتماعية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5271
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
3093
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
2202
| 05 أكتوبر 2025