رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عند كل مناسبة يلتئم فيها العرب حول قضاياهم المصيرية المشتركة، يسبق إعلان البيان الختامي سيل من التعليقات المتشائمة، مرده إلى المزاج العام الذي يعتبر القمم العربية منبرا لخطابات وبيانات لا أثر لها على أرض الواقع، ونتيجة لذلك يواجه الخطاب الإعلامي العربي في مثل هذه المناسبات جمهورا مثقلا بخيبات متراكمة، أو منجذباً إلى سردية اللاجدوى.
وآخر هذه الالتئامات ما شهدته الدوحة في استضافتها القمة العربية الإسلامية الطارئة في الخامس عشر من سبتمبر، بعد أيام قليلة من الضربة الإسرائيلية الغادرة التي استهدفت منطقة سكنية يقيم فيها وفد حركة حماس المفاوض، في سابقة خطيرة هزّت الحسابات الإقليمية، وتداعت لها الأمة جمعاء في اجتماع ضم قادة سبعٍ وخمسين دولة عربية وإسلامية، ووضع الالتئام العربي والإسلامي هذه المرة في بؤرة التغطيات الإعلامية الدولية، بين من أبرز وحدة الصف العربي الإسلامي، ومن اكتفى بالتشكيك في جدوى المخرجات.
وسردية اللاجدوى، إن غذاها الإعلام الغربي، فذلك ليس بغريب عنه، ومن ذلك أن شبكة عالمية ذهبت إلى وصف القمة الطارئة بأنها «تمرين في العبث»، فيما رأت أخرى أن البيان الختامي «مجرد محاولة لإخفاء العجز عن الفعل». وهي توصيفات سرعان ما تتلقفها منصات التواصل العربي وتعيد تدويرها دون وعي إعلامي بسياقاتها، وفي غياب أي تأطير بخصوصية البيانات الختامية التي تتطلب قراءة متأنية لسد الفجوة بين ما يراه الدبلوماسيون أرضية للتحرك القانوني وما يُختزل بتمرير الأصابع على الشاشات في خطاب بلا أثر.
وفي مقابل هذه السردية، انبرى الإعلام القطري بكل مكوناته لترسيخ خطاب متزن وواقعي في تغطية القمة وتأطير مقرراتها، مؤكداً دور دولة قطر كوسيط فاعل يستند إلى الشرعية الدولية، عبر تحليلات موضوعية ولقاءات تطرقت إلى البيان الختامي وما تضمنه من الدعوة إلى مراجعة العلاقات مع دولة الاحتلال ووقف تزويدها بالأسلحة، وطرح مسألة تعليق عضويتها في الأمم المتحدة، باعتبار المس بالسيادة انتهاكا صريحا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما تناولت التغطيات ما أسفر عنه اجتماع مجلس الدفاع المشترك لمجلس التعاون من تحديث للخطط الدفاعية وتعزيز التكامل الخليجي في مواجهة التهديدات التي تمس أمن دول المجلس وسيادتها واستقرارها. فيما تتواصل تغطية التحركات الدبلوماسية التي يقودها أمير البلاد المفدى وقياداتنا الوطنية على المستويين الإقليمي والدولي، لتنسيق المواقف وتأكيد مسار الوساطة، وبحث آليات المساءلة مع جهات الاختصاص في لاهاي، بالتوازي مع حضور نشط في جنيف عبر مجلس حقوق الإنسان.
غير أنّ سردية اللاجدوى التي تغذيها المنصات الرقمية وبعض وسائل الإعلام، وجدت تقويضاً حتى عند منابر غربية متحفظة، والتي أشارت إلى أنّ القمة دشّنت بداية تغيير في النبرة الإقليمية، وأن اجتماع هذا العدد الكبير من القادة على موقف واحد يشكّل بحد ذاته نقطة قوة، وأن تفعيل آلية الدفاع الخليجي هو النتيجة الأكثر واقعية المنبثقة عن القمة.
ومن المهم، في هذا الصدد، التمييز بين النقد المشروع الذي يعبّر عن خيبة أمل متراكمة، وبين نزعة تتغذى على تبخيس كل جهد جماعي عربي. فالتجارب تكشف أن بعض المواقف الأيديولوجية لا تكتفي بانتقاد قصور القمم، بل تنقلب إلى خطاب ينزع الشرعية عن فكرة العمل العربي المشترك ذاتها، في تماهٍ مع أصوات ناشزة دأبت على تصوير العرب كعاجزين عن أي فعل منسّق. وهو ما يجعل المتلقي العام أكثر عرضة للانزلاق إلى أحكام مسبقة تتغذى على خطاب جلد الذات وتكريس فكرة الأزمة الأبدية، بنبرة يتداخل فيها النقد مع نزعات عدائية تجاه العروبة.
في بيئتنا الإعلامية المتغيرة، تتبدل أنماط الاستهلاك الإخباري، ويزداد نفور الجمهور من التحليل المطوّل وبذل الجهد المعرفي في التحقق وتحري الحقيقة، حتى بات في طلبها يُكتفى بمقطع لا يتجاوز ثلاثين ثانية، بغض النظر عن طبيعة الفهم الذي يترسخ في ذهن مشاهده. وأمام هذا الواقع لم تعد المؤسسات الإعلامية وحدها من يوجه دفة الرأي العام، الأمر الذي يعمّق الهوة بين ما تبنيه غرف الأخبار بوعي مؤسسي ومهني وما يستقر في أذهان المتلقين المرهقين من التمرير القهري على الشاشات.
لذلك يبقى الدرس الإعلامي الأبرز هو أن معركة الجدوى أو اللاجدوى تُحسم اليوم في الفضاء الرقمي السريع الاستهلاك، حيث يمكن لمقطع فيديو قصير أن يرسخ صورة نمطية في ذهن من لديهم القابلية لها، أو أن يكون محط نقد وتحفظ لمن لديهم وعي إعلامي، ويمكن أن يتحول، متى أحسن تحريره، إلى معبر لسردية الجدوى، أي الرواية الحقة التي ما فتئت مؤسساتنا الإعلامية الوطنية تنقلها في مواجهة السرديات المضللة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
MohammedSelaan@
[email protected]
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2259
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2046
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1530
| 26 سبتمبر 2025