رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ تولى الرئيس شي جين بينج قيادة الصين في 2013، نال اهتمام الصين بما يسمى الجنوب العالمي أو دول الجنوب، وهي مرادف لدول العالم الثالث المصطلح القديم الذي عفى عليه الزمن، ومرادف أيضا-عند البعض والصين- للدول المعارضة للهيمنة الغربية الأحادية، وليس بالضرورة في عداء صريح مع الغرب. فمنذ توليه، لا يخلو تقريبا أي خطاب خارجي للرئيس شخصيا أو كبار المسؤولين عن دول الجنوب ودورها المركزي في النظام الدولي الجديد.
تعمل الصين منذ تولى بينج على تكريس دورها القيادي في العالم بصورة صريحة ومباشرة إذ لا تخفي ذلك، وفي أوقات تعلن ضمنيا عن رغبتها في الهيمنة المنفردة، وفي الأغلب تعلن عن سعيها لتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب. وفي كلتاً الحالتين، فدول الجنوب هي القاطرة التي تعول عليها الصين لترسيخ هيمنتها الدولية. أو كسر الهيمنة الغربية لترسيخ التعددية، أو حتى تقاسم القيادة مع واشنطن في إطار نظام ثنائي القطبية، وهو أمر ضروري في كل الحالات وتعمل عليه الصين والشواهد لا حصر لها.
المنطلق الرئيس للخطاب الصيني الموجه لدول الجنوب يتمحور حول الدور الفعال للجنوب في إطار إصلاح الحوكمة الدولية، والتي بدورها تنطلق من أساس (دمقرطة العلاقات الدولية)، مما يعني إصلاح النظام الدولي القائم ومؤسساته وقواعده بحيث تكون أكثر عدلاً وإنصافاً- لا تحابي مصالح الغرب فقط- وأن يكون لدول الجنوب دور فيه خاصة في مؤسساته الرئيسة متساو مع القوى الغربية.
والصين لا تغازل دول الجنوب خطابياً فقط، بل الأهم هو ما تقوم به على أرض الواقع، وهنا الشواهد والأدلة لا حصر لها، من المشاركة في مشاريع بنية تحتية تقدر بالمليارات عبر مبادرة الحزام والطريق، ومساعدات تنموية ومنح مليارية سنويا، ومساعدات خاصة بالتعليم والطاقة النظيفة، إلى مساندة مرشحي دول الجنوب لتولي مناصب رفيعة وقيادية في الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية، وتقديم مساعدات مالية وفنية للمنظمات الإقليمية، وأخيراً، دعم دول الجنوب للانضمام للمنظمات الدولية الجديدة المناهضة للغرب وعلى رأسها البريكس.
والحقيقة أن ما قامت به الصين من جهود جبارة لدول الجنوب صنفها بصورة شبه رسمية كزعيم دول الجنوب، وهي بذلك- وفقا لانصار الجرامشية الجديدة- قد مهدت الطريق لتقبل دول الجنوب لهيمنتها الدولية بصورة طوعية. وهذا في ظل أمرين في غاية الأهمية، أولهما تراجع قوة الغرب بقيادة واشنطن في النظام الدولي، والثاني هو التنامي المطرد لقوة كثير من دول الجنوب، حيث تضم دول باتت مصنفة كقوى متوسطة في النظام الدولي مثل جنوب أفريقيا والبرازيل.
حازت قمة شنغهاي الأخيرة القمة الخامسة والعشرين في الصين على اهتمام واسع لم تحظى به قمم منظمة التعاون شنغهاي في السابق، في افتتاحيات صحف عالمية كبرى مثل النيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وصفت القمة بأنها قمة نهاية الهيمنة الغربية، وقمة إعلان النظام العالمي الجديد بقيادة الصين وغيرها من العناوين ذات المعنى. وتلك الأوصاف لم تأت من الأهداف الطموحة المعلنة المتوخاة من القمة، بل من التهافت الواسع للمشاركة في القمة، إذ للمرة الأولى يشارك في القمة نحو عشرين زعيماً بعضهم من دول لم تكن تولي اهتماما كبيرا بشنغهاي بقدر اهتمامها بفعاليات أخرى خاصة البريكس. ولعل كانت المفاجأة الكبرى التي أعلن عنها الرئيس بوتين في كلمته هي عشرات طلبات الالتحاق التي قدمتها الدول للانضمام للمنظمة بصفة رسمية.
إن تهافت المشاركة بجانب عشرات طلبات الالتحاق هي جميعها تقريبا من دول الجنوب، أو المصنفة ذلك، والأغرب هو أن منظمة شنغهاي ليست ذات أهداف عالمية أسوة بالبريكس أو الحزام والطريق، بل إقليمية المشاركة والأغراض بالأساس. ويعكس ذلك بصورة لا تخطئها العين الكثير من المؤشرات الحاسمة:
-إقرار دول الجنوب بالقيادة الصينية المفيدة لهم.
-سعي دول الجنوب للاستفادة من أية تنظيمات تقودها الصين.
- إقرار دول الجنوب بالنظام الدولي الجديد الذي على الأقل لم تعد الهيمنة الغربية فيه مطلقة.
-رغبة دول الجنوب القوية في الوقت عينه في التحرر من الهيمنة الغربية المطلقة التي باتت أكثر وطأة على العالم.
في البيان الأخير، جاءت قمة شنغهاي الأخيرة لتقر نظاما دوليا جديدا، معسكر ناشئ قوي من دول الجنوب بقيادة الصين، ومعكسر غربي يتداعى من داخله قبل تحديه من الخارج. والواقع أن الصين عبر تكتل الجنوب في طريقها إلى قيادة دولية راسخة أو حتى هيمنة مطلقة في المستقبل، لكنها هيمنة مختلفة عن باقي صور الهيمنة على مدار التاريخ، هيمنة ذكية جعلت العالم يتقبلها أو يوافق عليها طوعاً.
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
42
| 01 أكتوبر 2025
في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد
48
| 01 أكتوبر 2025
في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد
42
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5109
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4368
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4236
| 25 سبتمبر 2025