رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جابر محمد المري

مساحة إعلانية

مقالات

10190

جابر محمد المري

هنيئاً لمن سعى في قضاء حوائج الناس

21 سبتمبر 2021 , 03:00ص

يُروى أن عالماً من علماء الإسلام ذا مال وجاه حضر في مجلسه تلاميذه وعدد من طلاب العلم، وبينما هم كذلك دخل عليهم رجل غريب لا يعرفونه ولا يبدو على الرجل مظهر طلاب العلم، ولكنه ظهر منذ الوهلة الأولى بمظهر "عزيز قوم ذل"، ودخل وسلم وجلس حيث انتهى به المجلس، وبدأ يستمع للشيخ بأدب وإنصات وفي يده قارورة فيها ما يشبه الماء، لا تفارق الرجل ثم قطع الشيخ حديثه، والتفت للرجل الغريب وتفرَّس في وجهه ثم سأله ألك حاجة نقضيها.. أم أن لك سؤالاً نجيبك عليه؟، فرد عليه: لا هذا ولا ذاك، وإنما أنا تاجر سمعت عن علمك وخلقك فجئتك أبيعك هذه القارورة التي أقسمت ألا أبيعها إلا لمن يقدر قيمتها.

فقال له الشيخ: أعطِني إياها، فأعطاه القارورة وأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجابًا بها، ثم التفت للرجل، وقال له: بكم تبيعها؟، فقال: بـ 100 دينار، فرد عليه الشيخ وقال: هذا قليل عليها، سوف أعطيك 150 ديناراً، فقال الرجل: بل 100 كاملة لا تزيد ولا تنقص !

فقال الشيخ لابنه: ادخل عند أمك وأحضر مائة دينار من الصندوق، وبالفعل أخذ الرجل المبلغ، ومضى إلى حال سبيله مبتسماً ابتسامة عليها سمت الوقار وانفض المجلس، وخرج الحاضرون من الطلاب والتلاميذ والجميع متعجب من ذلك الماء الذي باعه بمائة دينار، فدخل الشيخ لغرفته للنوم، ولكن الفضول دعا ابنه لفحص القارورة ومعرفة ما فيها وتأكد أنه ماء عادي ودخل الابن إلى والده مندهشاً مسرعاً وقال لأبيه: يا حكيم الحكماء، لقد خدعك الغريب، فقد باعك ماء بـ 100 دينار، أأعجب من دهائه وخبثه أم من تسرعك وطيبتك؟

فضحك الشيخ ثم قال لولده: يا بني فقد نظرت ببصرك فرأيت ماء، ولكني نظرت بنور بصيرتي فرأيت الرجل جاء يحمل في القارورة ماء وجهه الذي أبت عليه عزة نفسه أن يريقه أمام الحاضرين عند السؤال، وكانت له حاجة في مبلغ يقضي به حاجته ولا يريد أكثر منه، والحمد لله الذي وفقني لإجابته، ولو أقسمت ألف مرة أن الذي دفعت فيه قليل ما حنثت بيميني.

نستخلص من القصة إخلاص السّاعي في قضاء حوائج الناس، وقصد الله تعالى في العمل، وترك المنّ بها، والأفضل ستر العمل، وإتمامُه، فإتمامه من إتقانه، ومن آدابه وحق من حقوق الناس على قاضي الحاجات، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بفعل هذا العمل الصالح وربط الفلاح به بقوله عز وجل ((وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، وجاءت الأحاديث في هذا الشأن عديدة والتي تبيّن عِظم هذا العمل، فقد جاء في صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته)، وقوله عليه أفضل الصلاة والتسليم: (ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته، أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً)، فأي عمل أعظم من هذه الأعمال التي حث عليها رسولنا الكريم وأجرها عظيم عند المولى عز وجل تتجلى في أن الله يتكفّل بقضاء حاجته، وأنها أفضل من الاعتكاف شهراً في المسجد النبوي، وأنها أفضل الأعمال عند الله تعالى، وأن الله يثبّت قدمي فاعلها على الصراط، وأن الله ييسّر له أموره، ويظله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

ولأنه من المحمود ومما حث عليه ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا وحتى الإنسانية بأن يتفقّد الإنسان من حوله من الناس، أهله، وأصدقاءه، وجيرانه، وأبناء منطقته ومدينته وبلاده، وحتى معاشر المسلمين الذين هم بأمسِّ الحاجة للمساعدة ولقضاء حوائجهم حتى يتحقق التكافل الاجتماعي والتآلف وتسود المؤاخاة والمحبة أو على أقل تقدير دعم كل ما يصل إلى إنسانيته والرحمة التي فطرها الله في قلبه وجعلها من أسمائه الحسنى "الرحيم"، من أجل هذه المعاني السامية لا بد لنا من أن نُساهم في حمل ولو جزءا بسيطا من هموم قد تراكمت على من له حاجة لم يقضها أو أرملة أو مطلقة وقفت الظروف وحالت دون أن تتمكن من قضاء حوائجها وسد نواقصها هي وأبنائها.

ونحن ولله الحمد في دولة قطر جُبلنا على عمل الخير حتى فاض الله علينا بأنعمه لتصل للمحتاجين في كافة أنحاء العالم، ولكن لا يزال للأسف من يعيش بيننا ومن أبناء جلدتنا من يشكي سوء أحواله وقلة حيلته من العيش حياة كريمة يشكو مرارتها إما بسبب الديون أو الظروف الأخرى وحالت عفته وحياؤه من أن يمد يده لأهل الخير ويُصر على ذلك، ورغم أن العديد منهم لجأوا للجمعيات الخيرية إلا أنهم إما أن ما يأتيهم لا يكفيهم أو أنهم ينتظرون الفرج في حملات كبيرة كتلك التي تحمل اسم "حملات الغارمين" ويتبقى منهم من لم ينله النصيب في تفريج كُربته.

قبل أيام وصلني، كما وصل للكثيرين، مقطع فيديو مؤلم لمواطنة قطرية تشكي أحوالها وأوضاعها وكيف أنها بالكاد تستطيع أن تسد رمق أسرتها التي تعيش في بيت متهالك وبأثاث يتصدق به الناس عليها، وتتحدث والغصة في حلقها وتتساءل: كيف يصل بي الحال إلى ما أنا عليه وأنا أعيش في بلدي بلد الخير، بلد الخيِّرين وأهل الشهامة والمواقف الطيبة؟

ولأن الوطن هو الملجأ الأول بعد الله ونحن على قناعة بأنها ستعمل على ضمان مدّ يد المساعدة لمواطنيها المعوزين وخاصة المتعففين منهم لتحقيق مبدأ العدالة في تحقيق الحياة الكريمة العزيزة لكل من له حق بالمساعدة، إلا أنني أيضاً أوجه نداءً إنسانياً في المقام الأول لرجال الأعمال في قطر ومن له تواصل معهم بأن يهبّوا لنجدة أنفسهم وحصد ما ينفعهم من أجر قبل فوات الأوان، فوالله ليس هناك أعظم من مساعدة من يعيش على هذه الأرض من مواطنين أو مقيمين، وليس مجرد التبرع للجمعيات الخيرية هو بمثابة براءة ذمة لهم حيال كل محتاج ومعوز بل المُنفق المحظوظ هو من يجتهد في البحث عن هؤلاء المعوزين وتسديد ديونهم وتوفير احتياجاتهم، لاسيما وإن كانوا ممن منعهم حياؤهم وتعففهم من البحث عمن يُفرج كرباتهم ويُحيي آمالهم في العيش بكرامة تعبوا وهم يكابدون الحياة من أجلها !!

فاصلة أخيرة

أمران يرفعان شأن المؤمن: التواضع، وقضاء حوائج الناس؛ وأمران يدفعان البلاء: الصدقة وصلة الرحم.

جعلنا الله وإياكم من أهلها، إنه سميع مجيب الدعاء.

[email protected]

اقرأ المزيد

alsharq بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على... اقرأ المزيد

1569

| 26 سبتمبر 2025

alsharq عندما يبلغ الحلم سبعينا

أن تقضي أكثر من سبعين عاماً في هذه الحياة ليس مجرد مرور للزمن، بل هي رحلة مليئة بالتجارب،... اقرأ المزيد

162

| 26 سبتمبر 2025

alsharq الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة، تتراوح بين الصدمات النفسية، والانقسامات المجتمعية، وانهيار البنى الثقافية والاجتماعية.... اقرأ المزيد

468

| 26 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية