رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الاحتلال الصهيوني الحديث لفلسطين ليس الاحتلال الأول، بل إن فلسطين خضعت لاحتلال الفرنجة خلال الحروب الصليبية، حين سقطت بيت المقدس (493 هجري-1099ميلادي)، واستمر ذلك الاحتلال زهاء قرنين من الزمن. ولم يحرر فلسطين سوى المسلمين حين توافرت لديهم عوامل الإرادة والوحدة والقوة. وعندما تقدمت جحافل الدول الغربية الصناعية الحديثة، التي أنجزت ثورة ديمقراطية، وثورة صناعية عملاقة، استطاعت أن تتقدم باتجاه العالم العربي والإسلامي، لإعادة تقسيمه، واحتلاله بقوة العنف الكولونيالي، الذي كان ضرورياً وأساسياً لتحقيق أهدافه، والتي تمثلت فيما يلي:
1- إسقاط النظام السياسي الإسلامي وإنهاء دولة الخلافة، بوصفها الدولة الإسلامية المركزية، ورمز الوحدة الإسلامية لقرون عديدة.
2- تفتيت وتجزئة العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عدة، من خلال تطبيق اتفاقيات سايكس بيكو، التي أصبحت الحدود الشرعية للتقسيم الكولونيالي الحديث.
3- إقامة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، التي تعتبر أهم وأخطر أشكال الاحتلال الحديث، لأنه استيطاني. وبقيامها واستمرار وجودها في قلب العالم العربي والإسلامي، تكون الهجمة الغربية الشاملة قد نفذت أهم وأخطر مهماتها.
إزاء هذه الغزوة الأوروبية والصهيونية الحديثة، التي استهدفت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وفي القلب منه فلسطين، كانت الردود على هذه الغزوة متباينة ومتفاوتة. فالتيار الليبرالي العلماني العربي لم يضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياته، بل انصرف عن قضية النهضة والتحرير إلى الانشغال بقضايا وهمية. أما التيار الاشتراكي بجميع تلاوينه، ولاسيَّما الذي كان خاضعا لمرجعية الاتحاد السوفيتي، فقد انتهج نهج التبعية لتلك المدرسة السوفيتية، وتبنى مقولاتها، حتى وإن تناقضت بالكامل مع قضية الشعب الفلسطيني، ومع مصالح الأمة العربية والإسلامية.
وحده المشروع القومي العربي بشقيه الناصري والبعثي وضع القضية الفلسطينية كقضية مركزية في نضال الأمة العربية، وقام بمحاولات جادة من أجل تحقيق النهضة الثانية، وتحرير الأرض السليبة- فلسطين – لكنه أخفق لأسباب سياسية وتاريخية ليس مجال بحثها الآن.
إذا كان التيار الليبرالي العلماني والتيار الاشتراكي هُزِمَا تاريخياً في العالم العربي منذ نكبة عام 1948، وهزيمة عام 1967، وكلاهما هزيمة لتيار التغريب في الفكر العربي المعاصر، فإن الحركة الجهادية الإسلامية المعاصرة تثمن دور المشروع القومي العربي النهضوي في وضع القضية الفلسطينية ضمن الإطار التاريخي الصحيح، كقضية مركزية للأمة.
إن الوجود الصهيوني في فلسطين قلب العالم العربي الذي هو قلب العالم الإسلامي ونواته المغناطيسية، هو وحده الذي يفسر لنا مركزية القضية الفلسطينية، بوصف هذا الوجود للكيان الصهيوني قاعدة إستراتيجية متقدمة تنفذ أهداف البرنامج الإمبريالي الغربي العام، وتنفذ في الوقت عينه أهداف الحركة الصهيونية العالمية الخاصة، يمثل أوج التحدي الغربي والسياسي والثقافي للعالمين العربي والإسلامي.
من هنا تنبع مركزية القضية الفلسطينية في النضال من أجل تحريرها، إذ إن مهمات الحركة الإسلامية المعاصرة حددتها تحولات تاريخ مواجهة العرب والمسلمين نتائج التحدي الحديث في التغريب والتجزئة وإقامة الكيان الصهيوني. ويقول مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، عن مركزية فلسطين في الصراع الدائر بين العالم العربي والإسلامي من جهة، وبين الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية العالمية من جهة أخرى: إذا كان الكيان الصهيوني واستمراره قد أصبح يمثل مركز التحدي ومركز الهجمة الغربية وضمانة لاستمرار هيمنتها على واقع التقسيم والتبعية والتخلف، فإن على كل أجنحة الحركة الإسلامية وعلى ملايين جماهير الأمة في كل مكان أن تمد خطاً مستقيماً من قلب جبهتها المتقدمة في معركة النهضة وفي كل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي، نحو المركز... نحو القدس... إن جماهير الأمة تحمل في داخلها وجعاً خاصاً من أجل فلسطين، وذلك لأن حسها التاريخي والعقائدي يخبرها بأن هناك... على ذلك الشريط الصغير من شرق المتوسط، تقع نقطة الصدام المركزية... وهناك ستحسم معركة تاريخنا المعاصرة... إن الوحدة بالنسبة لفلسطين هي وحدة الوعي بأن بقاء الكيان الصهيوني يعني إفشال كل مشاريع النهضة، ولهذا فإن الجدل حول مَن أَوَلاً: مواجهة التبعية والتغريب والتجزئة أو مواجهة الكيان الصهيوني هو جدل نظري تحكمه حسابات الربح والخسارة الآنية أكثر من السعي الجاد لبناء إستراتيجية متكاملة ومتماسكة لمشروع النهضة الإسلامية المعاصرة، إن الوحدة حول فلسطين هي وحدة التاريخ مع القرآن وهي إعادة الملايين المتقدمة نحو قدرها... هي مشروع النهضة كله. وفي القدس... جوهر ومركز الصراع الكوني اليوم تتحدد ملامح المعركة الفاصلة بين عباد الله حملة راية الوحي وقيم الوحدة من جهة، وحملة قيم فلسفة الصراع من الجهة الأخرى، بين المتطلعين إلى وجه الله... الساعين إليه، والمتمردين على الله الذين أقاموا في الأرض أبشع نموذج حضاري في تاريخ الإنسانية.
تأكيداً على وحدة المصير بين العالمين العربي والإسلامي، حيث تفرض مركزية القضية الفلسطينية وحدة المصير بين المشروع القومي العربي النهضوي والمشروع الجهادي الإسلامي، إذ إن وحدة المصير هذه تقتضي وحدة الأهداف ووحدة البرنامج ووحدة العمل. يقول المفكر الإسلامي توفيق الطيب في كتابه " الحل الإسلامي ما بعد النكبتين": كما كشفت النكبة الأولى للعرب جميعا عن "المضمون العربي" و"الأبعاد العربية" لقضيتنا فلسطين وأبطلت أسطورة الكيانات القائمة على فكرة "الوطنية المحلية" أو "الإقليمية" التي تكرس واقع التجزئة. كذلك فقد كشفت هذه النكبة الثانية للمسلمين جميعاً عن "المضمون الإسلامي" و"الأبعاد الإسلامية" لقضيتنا فلسطين، فأبطلت بذلك أسطورة "الانغلاق القومي" و"العلمانية" معاً وأثبتت بما لا يقبل الشك أن مصير المسلمين السياسي – مصير العالم الإسلامي – مرتبط بمصير العرب السياسي- مصير العالم العربي- وأن مصيرهم الثقافي مرتبط بمصير الثقافة الإسلامية وأن مستقبلهم جميعا كأمة ذات رسالة وكثافة ذات أصالة مرتبط بمستقبل الإسلام.
ليس من شك أن النكبتين اللتين حصلتا في المنطقة: نكبة 1948، ونكبة 1967، قد أكدتا أن الكيان الصهيوني القائم على اغتصاب أرض فلسطين والتوسع في احتلال الأراضي العربية، بات يجسد صورة التحدي الإمبريالي الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي للعالم العربي والإسلامي، وزاد من قوة الكيان الصهيوني وتمدده تنامي العلاقات العضوية بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تمده بكل مقومات القوة والتفوق العسكري والتكنولوجي، وزاد من قوة التغلغل والسيطرة الأمريكية في المنطقة العربية، إضافة إلى التوسع الصهيوني، الإخفاقات العربية المتلاحقة منذ عصر النهضة العربية الأولى، وحتى عصر النهضة الثانية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
هذه التحولات التاريخية التي عجلت بها حركة الأحداث في العالم العربي، وطبيعة التحدي الغربي والصهيوني وعنفه وشدته، كانتَا في أساس طرح الحركة الإسلامية الجهادية أن فلسطين ليست مجرد قضية إسلامية فقط، بل هي قضية كل المسلمين والإسلام في العصر الحديث.
ولما كان مشروع الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين يرتكز إلى اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، فإن مشروع تحرير فلسطين هو تتويج لمشروع حضاري كبير لا مجرد بندقية تطلق النار أو عبوة تتفجر، لكن الكفاح المسلح يجب أن يستمر ليؤكد عصيان صاحب الحق على الدفن حيّاً، وليمنع إغلاق باب الصراع كما يراد له في مشروع السلام الصهيوني الراهن.
ويقول أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله في هذا الصدد: «فالأمة دوماً وكما حال الأمم الحرة واجهت الغازي الأجنبي بأعز وأقدس ما تملك، بأرواحها ومقدسها الديني. هذا المقدس الديني اسمه عقيدة الأمة وشرعها "الجهاد". وهو في الدين الإسلامي الركن السادس من أركان الإسلام. وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ذروة سنام هذا الدين". إذن الجهاد في الإسلام (الكفاح المسلح في أدبيات الثورة الفلسطينية) هو مقدس ديني كما هي الصلاة مقدس ديني وكما هو الصيام مقدس ديني. فعندما يقول القرآن: "كتب عليكم الصيام"، نراه يستخدم نفس الصيغة في الجهاد، فيقول: "كتب عليكم القتال". والقتال هو الجهاد.
تحولت الطائرات المُسيرة بالريموت كنترول من لعبة صغيرة بريئة يلهو بها الأطفال ويستمتعون بها وهي تطير من مكان... اقرأ المزيد
156
| 07 أكتوبر 2025
من أسمى الإدراكات التي يمكن أن يبلغها امرؤ في يوم ما، أن يُدرك أن الاستغناء سيادةٌ تتجلّى حين... اقرأ المزيد
285
| 07 أكتوبر 2025
تقول مرآة السيارة: الأجسام المرئية على المرآة ليست على المسافات أو من الأبعاد الحقيقية.. كما هو الحال مع... اقرأ المزيد
147
| 07 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5253
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
2487
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
2100
| 05 أكتوبر 2025