رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثيرة هي الكلمات والأشعار التي قيلت عن الأم.. وكثيرة جدا تلك الكتب التي صدرت والمقالات التى كتبت خاصة فى المناسبات الجميلة مثل عيد الأم.. وكذلك أذيع العديد من برامج الفضائيات بل وأنتجت الأفلام السينمائية التي تتناول فضل الأم.. وكل هذا جميل وأتفق معه ولا أخالف فيه حرفا واحدا.. ولا أظن إنسانا راجح العقل يمكن أن ينكر فضل أمه عليه من حملها له تسعة أشهر وهنا على وهن.. وإرضاعها إياه.. ورعايتها له وسهرها إلى جواره تحرسه من كل مكروه وتمرضه إذا ألم به عارض.. وما تزال تتعهده بالرعاية وتحوطه بالحنان وهو يشب عن الطوق حتى يكبر وحتى بعد أن يتزوج وينجب.. باختصار إن الأم تظل تحمل همه حتى آخر يوم فى عمرها.. أو أقرب الأجلين.
هذا عن الأم العادية.. نعم العادية.. أى أم تفعل هذا وأكثر.. فهل هناك أم غير عادية.. نعم.. كثيرة هى تلك القصص التى نسمعها عن تضحيات الأمهات ومن تتوجهن الإحتفاليات أمهات مثاليات فى عيد الأم ولكن الأكثر منها هى القصص التى لم نسمع عنها ولكننا نحسها ونلمسها فى كل وقت من أمهات لا يأكلن حتى يشبع أطفالهن وقد لا يأكلن من الأساس لو كان الطعام غير كاف بشرط ألا يلاحظ أطفالهن ذلك.. ولو أننا شرعنا فى ضرب الأمثلة على ذلك ما كفانا الوقت إلى يوم القيامة .
ولعلى أكتب ذلك الآن لأن أمى – التى توفاها الله من سنوات طويلة – قد أوحشتنى وكلما ضاقت بى الدنيا شعرت بحاجتى إليها أكثر.. شعرت بأن لا شئ يعوضنى عنها مهما كبرت ومهما أنجبت من أولاد ومهما صار لى من أحفاد.. أظل أنا – بالرغم من تقدمى فى السن - ذلك الولد الصغير الذى يحتاج دوما لحضن أمه ويشتاق لحنانها.. ويتمنى لو تعود الأيام ولو لساعة واحدة لأقبل الأرض تحت أقدامها.
وهنا قد يقول قائل.. كلنا ذلك الشخص.. فما الجديد.. وبدورى أقول لهم أن الجديد هو أننى تذكرت اليوم – وبلا مقدمات – قصة قرأتها وأنا طفل صغير فى الثامنة من عمرى.. لا أذكر اسم كاتبها ولكننى لازلت أذكرها حتى يومنا هذا.. وملخصها أنه فى إحدى المناسبات أقامت إحدى الأسر حفلا كبيرا في منزلهم الكبير.. وضم الحفل عددا كبيرا من الناس وتطلب الأمر مجهودا خارقا في الإعداد والإشراف على كل شيء.. ومن البديهى أن يكون الجزء الأكبر في هذا من نصيب الزوجة التي كانت في نفس الوقت أما لطفل في الرابعة من العمر.
وبعد أن استقبلت الأم ضيوف الحفل مع زوجها واطمأنت على أن كل شيء على ما يرام شعرت بآلام صداع رهيبة كادت تفتك برأسها من المجهود الخرافي الذي بذلته وقلة النوم وصوت الموسيقى العالي الذي كان يملأ جنبات المنزل..
حاولت الزوجة تجاهل آلام الصداع ولكنه كان فوق طاقة احتمالها.. وفى نفس الوقت كانت تذهب إلى غرفة طفلها لتطمئن عليه حيث كان نائما.. فكرت في أن ترقد إلى جواره لبضع دقائق إلتماسا لبعض الراحة لجسدها المكدود.. غلبها النوم فنامت.. نامت بالرغم من أصوات الضيوف العالية وضحكاتهم.. ودوى الموسيقى الهادر.. نامت ولم تشعر بكل شيء رغم كل هذا.. وبعد دقائق صحت الأم من نومها على صوت صغيرها الذي كان يقول بصوت خفيض تاه في ضوضاء الحفل :
-أمي.. أشرب.
قامت الأم على صوت الصغير لتسقيه.. فما الذي أيقظها ؟ إنه قلب الأم .
هذا هو ملخص القصة التي أعجبتني عندما قرأتها صغيرا ولا زالت تطفو على سطح ذاكرتي من وقت لآخر.. فهل أعجبتكم ؟ أرجو ذلك.. ولتكن هديتي لأحبابي القراء في عيد الأم.
وإلى اللقاء في مقال جديد بحول الله.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1587
| 26 سبتمبر 2025