رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ثورة 25 يناير أحدثت مفارقة في الجامعات المصرية، ذلك أنها أطاحت برأس النظام لكن جسمه بقي موجودا، أما في الجامعات فالوضع عكسي. إذ لا يزال الرأس منسوبا إلى النظام السابق في حين أن الجسم المتمثل في أساتذتها صار جزءا من الثورة. وهي المفارقة التي كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تأجيل استئناف الدراسة لمدة أسبوع بعد انتهاء عطلة نصف السنة.
وكان السبب غير المعلن لذلك أنهم لا يزالون حائرين في كيفية التعامل مع الوضع المستجد. ذلك أن رؤساء الجامعات المنسوبين إلى النظام السابق كان ولاؤهم له شرطا رئيسيا في اختيارهم. أما نواب الرؤساء وعمداء الكليات ووكلاؤها فإنهم جميعا لم يكونوا يعينون إلا بموافقة من الأجهزة الأمنية. وعلمت من الدكتور محمد أبوالغار الأستاذ بكلية الطب وأحد مؤسسي حركة 9 مارس أنه في الجامعات الإقليمية بوجه أخص، فإن جهاز أمن الدولة يستدعي المرشحين كعمداء أو وكلاء للكليات لإجراء مقابلات شخصية معهم، وفي ضوء هذه المقابلات يتم اختيار المرشح «المناسب»، حيث جرى العرف على ترشيح ثلاثة أسماء لكي يشغل أحدهم المنصب. أما في جامعتي القاهرة وعين شمس فإن جهاز أمن الدولة يكتفي بالموافقة على تعيين العمداء، في حين أن وكلاء الكليات يخضعون للاستجواب من قبل ضباط أمن الدولة قبل تعيينهم. وقيل لي إن الدكتورة زينب حسن أستاذة أصول التربية بكلية بنات عين شمس فوجئت ذات يوم باستدعائها إلى مقر مباحث أمن الدولة في «لاظوغلي» لإبلاغها بأنها ستعين عميدة لكلية التربية النوعية. ولأنها أكاديمية مستقلة ومحترمة، فقد استفزها العرض واعتذرت عن عدم قبول المنصب الذي يطمح إليه كثيرون.
النتيجة الطبيعية المترتبة على ما سبق أن جميع المسؤولين عن التعليم الجامعي في مصر تحولوا إلى عيون وأذرع للأجهزة الأمنية، إلا من رحم ربك بطبيعة الحال. وكان ذلك وراء شيوع مصطلح «عمداء» أمن الدولة. ولأن الحالة الأمنية أصبحت أكثر ما يشغلهم وليس النشاط الأكاديمي، فلم يكن مستغربا ولا مفاجئا أن تخرج الجامعات المصرية من تصنيف الجامعات المحترمة في العالم.
هذه الخلفية تفسر القسوة المفرطة التي ظل العمداء والوكلاء يتعاملون بها مع الناشطين من الطلاب، خصوصا الذين يشاركون في التظاهرات أو يشاركون في الندوات التي تتناول الأوضاع السياسية، أو حتى يحرروا صحف الحائط الجامعية. وهي تفسر أيضا اشتراك أولئك العمداء ووكلائهم في إفساد وتزوير انتخابات الاتحادات الطلابية ومحاباتهم لمرشحي الحزب الوطني.
قبل ثورة 25 يناير تابعنا المشهد العبثي الذي وقع في جامعة عين شمس، حينما ذهب إليها بعض أساتذة مجموعة 9 مارس، لكي يشرحوا للطلاب قرار المحكمة الذي قضى ببطلان الحرس الجامعي، وحين استدعى ضباط الحرس مجموعة من البلطجية للتحرش بأولئك الأساتذة والاشتباك معهم، فإذا بإدارة الجامعة أصدرت بيانا انحازت فيه للبلطجية وأدانت سلوك الأساتذة!
الخلفية ذاتها كانت وراء الفضيحة التي اكتشفت أثناء اعتصام المتظاهرين في ميدان التحرير. إذ تبين أن الحافلات الخاصة بمستشفى قصر العيني استخدمت في نقل البلطجية الذين هاجموا المعتصمين. وهي الواقعة التي فوجئ بها بعض الأساتذة، ومنهم من كتب مذكرة بتفاصيلها قدمت إلى عميدة الكلية، التي سارعت إلى نفيها وتهديد شهودها إذا سربوا الخبر.
من المفارقات المثيرة للانتباه في هذا السياق أن مجموعة 9 مارس دعت إلى اجتماع عقد بجامعة القاهرة لبحث الأوضاع الراهنة، شهده نحو ثلاثة آلاف من أعضاء هيئة التدريس، وحين تطرق الاجتماع إلى أوضاعهم الخاصة، فإنهم توافقوا على المطالبة بألا يقل الراتب الشهري لأستاذ الجامعة عن 3 آلاف جنيه، وقرروا تأجيل توجيه المطلب إلى الحكومة في الوقت الراهن، تقديرا لظروفها. لكن مجموعة أخرى من المسؤولين الجامعيين الذين ينتسبون إلى النظام السابق وجهاز أمن الدولة، عقدوا مؤتمرا مضادا في جامعة الأزهر، حضره 52 شخصا فقط وعلى سبيل المزايدة ولتأجيج المشاعر. فإنهم طالبوا بأن يكون الراتب الشهري للأستاذ 24 ألف جنيه! إن «الفلول» مازالت تضع العصا في الدواليب الدائرة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6546
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6429
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3144
| 23 أكتوبر 2025