رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان مقالي هنا يوم الثلاثاء الماضي عن الإحساس العام بالنقصان رغم ان المخترعات الحديثة جعلت الكثير من أمور الحياة ميسّرة، وعن كيف اننا محرومون من راحة البال والطمأنينة رغم أن الواحد منا قد يكون ناجحا في إنجاز أمور كثيرة، والشكوى لغير الله مذلة ولكن الفضفضة تمنع الاضطرابات والعقد النفسية، وأنا يا جماهير أمتنا الباسلة (سابقاً) أعاني الأمرين مع كل وجبة بعد أن أصبحت زوجتي حجة ومرجعاً في شؤون السعرات الحرارية، وعناصر التغذية في كل صنف من الطعام، فبزعم أنها تريد لنا أن نكون أصحاء فرضت علينا العلف المغلي الذي تسميه شوربة خضار، وما إن ألقي عليها نظرة متأنية حتى يخيل إليّ أنها صنعتها من مخلفات وجبات سابقة انتهت صلاحيتها، فالشوربة المزعومة تتألف من سائل قبيح المنظر به قطع بشعة الشكل تتقافز وكأنها ذات روح، وخيوط وأنسجة دقيقة لا شك عندي أنها نتجت عن طبخ الحبال والقطن.
وليس ذلك مستغرباً على زوجتي التي أصبحت مهووسة بالألياف والفيتامينات والتي باتت لا تشتري لنا سوى العصير الخالي من السعرات الحرارية ويخلو بالتالي من أي طعم أو نكهة، لا أدري ماذا دهاها وقد كانت حتى عهد قريب بنت ناس وعاقلة، تضع أمامنا تلالا من اللحوم والحلويات وتقضي يومها كله تقلب كتب وكتالوجات الطبخ وكان يحلو لها أحياناً أن تنهض في منتصف الليل لتجرب نوعاً من المعجنات قرأت عنه مؤخراً، وكنا سعداء بذلك، ولكنها قررت فجأة أن تفقد بضعة كيلوجرامات اكتسبتها من حر مالي واشترت لهذا الغرض (بفلوسي) جهازا للرياضة وضعته داخل غرفة النوم وما أن أستلقي على سريري بعد عناء يوم عمل سخيف (وكل أيام العمل سخيفة وخاصة الأحد والثلاثاء والأربعاء) حتى يبدأ الجهاز اللعين في الأنين والصرير بينما تعلو وجهها ابتسامة وكأنها تعتقد أن السعرات الحرارية إسرائيلية الانتماء، وأن القضاء عليها قضاء على الطاعون الصهيوني، قلت لها: يا بنت الناس أنا راض بما قسم الله لي ولن يغير اكتسابك عشرين كيلوجراماً أو فقدانك لجزء منها من أمر زواجنا شيئا، وأنا على استعداد لكتابة تعهد بعدم الزواج بغيرك، حتى لو نقلوك إلى غوانتنامو بعد اكتشاف نزعاتك الإرهابية، فقط تبرعي بهذا الجهاز لضحايا المجاعة في هولندا، فقد صرنا نشتاق إلى عصر القطائف واللطائف واللحم المحمر والمكرونة، ولكنها مثل معظم النساء تعقد أنها وحدها تعرف مصلحة أفراد أسرتها، وربما زادها عناداً أن قوانين الأحوال الشخصية في جميع الدول العاربة والمستعربة، صارت تسمح للمرأة بالخلع.
طول عمري وأنا آكل كل ما يوضع أمامي، ولا أعيب طعاماً مهما كان سيئ الإعداد، الاستثناء الوحيد هو الكوسا فأنا لا أجامل فيها بل ولا أسمح لشخص أن يتعاطاها أمام ناظري، وقد تعلمت زوجتي الحلاقة (الطبخ) على رأسي أنا المسكين، ولم أكن أشكو أو (أتململ) إيثاراً للسلامة (أحياناً)، في الفترة التي كان كل شيء تطبخه يتحول الى "عصيدة"، فقد كنا وقبل أن ننجب العيال ننفق على الطعام شهريا ما يكفي ستة أشخاص، لأن معظم طبخاتها كان مصيرها الإعدام، ثم صارت ماهرة في الطبخ، بدرجة أن عيالي كانوا يفضلون ما تطبخه من طعام على ذلك المعروض في المطاعم، ولكن عفريت الرشاقة الذي سكن عقلها وعقول النساء في الآونة الأخيرة حول الطعام من متعة إلى عذاب، وجاء في استطلاع نشرته صحف خليجية أن 66% من طالبات الجامعات الخليجيات يعانين من سوء التغذية، ولم يحدث هذا بسبب شح الطعام في بيوتهن ولكن لأن ليدي غاغا ونور التركية وتلك العجرمية أصبحن المثل الأعلى لبناتنا مع أنك لو عجنت ثلاثتهن فلن تخرج بامرأة مُقنِعة (بكسر النون)!
لقد قلتها مرارا وأقولها مجددا: لم يتغزل شاعر باي لغة بكلاكيع المحبوبة، فشكل العظام الناتئة لا يسر، ولكن عزائي أن هوس الرشاقة "شدة وتزول"، فصلاحية الرشاقة عند الجنسين في العالم العربي تنتهي عند سن الثالثة والأربعين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3510
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2130
| 03 نوفمبر 2025