رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. مصطفى عابدين

د. مصطفى عابدين

مساحة إعلانية

مقالات

611

د. مصطفى عابدين

زويل العرب

20 أغسطس 2016 , 10:35م

أرجو ألا يظن القارئ الكريم أننى سأتناول فى هذا المقال السيرة الذاتية لعالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل الذى رحل عنا فى الثانى من أغسطس لهذا العام ( 2016 ) .. وكان من الطبيعى أن يتصدر مثل هذا الخبر نشرات الأخبار .. وأن تكون وفاة عالم كبير له هذه المكانة العلمية العظيمة مادة ثرية للصحف والبرامج المسموعة والمقروءة نظرا للمكانة العلمية السامقة التى إحتلها صاحب نوبل فى الكيمياء ( 1990 ) فى مجال الفيمتو ثانية وأستاذ الكيمياء فى معهد كاليفورنيا للتقنية .. ليس هذا فحسب ولكنه حاصل أيضا على جائزة نوبل فى السلام العالمى وهى كما يعلم القارئ الكريم من أرفع الجوائز شأنا .. ومن النادر أن يحصل أحد العلماء على هذه الجائزة أكثر من مرة .

وليس غريبا أن تزخر الصحف فى جميع أنحاء العالم وكذلك وسائل الإعلام بالمقالات والتحقيقات والأخبار بكل لغات العالم عن هذا العالم الكبير حتى أصبح معظم الناس – وأنا منهم – على دراية شبه كاملة بمعظم تفاصيل حياته ومخترعاته وإنجازاته العلمية .. ولكننى سأتناول هذا الأمر من زاوية مختلفة .. أو بالأحرى من زاويتين مختلفتين تماما .

فقد لفت نظرى أن زويل وهو من مواليد مدينة دمنهور – عاصمة محافظة البحيرة فى دلتا مصر – وأنه تلقى تعليمه فى مدارس مدينة " دسوق " الفائقة الجمال والتى إنتقل مع عائلته إليها وهو فى الرابعة من عمره .. وهى بالمناسبة مسقط رأسى .. وطبعا كانت هذه المدارس التى إلتحق بها حكومية .. يعنى ليست مدارس دولية أو " إنترناشيونال " كما يحلو للبعض منا أن يفخر بإلحاق أولاده بمثل هذه المدارس .. وأن الأبناء يتحدثون الإنجليزية بطلاقة لكونهم يدرسون بالإنجليزية معظم المواد إن لم يكن كلها بإستثناء اللغة العربية والتربية الدينية التى يتحتم تدريسها باللغة العربية بطبيعة الحال .. ومن دواعى التفاخر أيضا أن معظم هذه المدارس الدولية تستقدم مدرسين أجانب لغتهم الأم هى الإنجليزية أو الفرنسية أو حسب نوع التعليم فى كل مدرسة .. وأصبحنا نرى الأب تنتفخ أوداجه فخرا عندما يلقى عليه إبنه تحية اللقاء باللغة الأجنبية .. ثم ينظر صاحبنا حوله ويقول لمن معه متباهيا بأن نجله هذا يدير كل شئونه بتلك اللغة الأجنبية .

عودة إلى أحمد زويل الذى – كما أسلفنا – تلقى تعليمه فى المدارس الحكومية بمدينة دسوق وهى لعلم القارئ الكريم تقوم بتدريس جميع المواد باللغة العربية .. بإستثناء اللغة الأنجليزية كمادة .. وكذلك تستخدم المصطلحات الإنجليزية فى المواد العلمية مثل الكيمياء والفيزياء والأحياء .. وأن زويل إلتحق بعد ذلك بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية التى تخرج منها بإمتياز عام 1967 .. وبعد ذلك سافر لإستكمال دراسته العليا فى الولايات المتحدة الأمريكية وكان ناجحا للغاية بدليل تفوقه وإختياره للتدريس بأحد المعاهد التابعة لتلك الجامعة .. والباقى معروف لنا جميعا .

أما الزاوية الثانية التى أدعو القارئ الكريم أن يصطحبنى للنظر من خلالها أن هذا العالم الكبير الذى حصل على كل هذه الجوائز التى تناولناها بالإضافة إلى حمله للجنسية الأمريكية قد أوصى بأن يدفن جثمانه فى وطنه الأم مصر .. وقد كانت أسرته حريصة على تنفيذ وصيته ونقل جثمانه للقاهرة .. وكان رجال الدولة فى مصر على قدر المسئولية حيث رتبت له جنازة عسكرية مهيبة تليق بقدره ومكانته العلمية والعالمية تقدمها رئيس الدولة بنفسه .

ولا شك أن التوصية بدفن الجثمان فى أرض الوطن عادة عربية أصيلة من المحيط إلى الخليج .. ويستطيع أى شخص عاش فى دولة عربية أن يلمس هذا .. وأنا شخصيا عايشت هذه التجربة عندما كنت أعمل فى دولة الإمارات العربية المتحدة وتزاملت مع أشخاص من مختلف الدول العربية كما هو سائد فى دول الخليج .. وكان من بين زملائى فى العمل شخص من الجزائر وعرفت منه أن له شقيق واحد سافر إلى فرنسا للدراسة منذ سنوات طويلة وأنه بقى هناك للعمل وإكتسب الجنسية الفرنسية وتزوج من فتاة فرنسية ورزقه الله منها عدة أطفال .. وكان دائما ما يحدثنا عن شقيقه هذا وزوجته وأطفاله وعن أخبارهم والحياة الكريمة التى يعيشونها .. حتى كان فجر أحد الأيام عندما إستيقظت على رنين الهاتف المتواصل لأجد صديقى هذا يخبرنى أنه سيسافر فورا إلى باريس ليصطحب جثة شقيقه الذى توفاه الله حيث أن هذا الشقيق قد أوصى بأن يدفن فى الجزائر وبالتحديد فى بلدته .. ومثل هذه الحكايات تستطيع أن تسمعها فى كافة الدول العربية .

وفى هذا السياق أعجبنى قصيدة للدكتورة سميره أحمد عزب نشرتها لها جريدة الأهرام وقدم لها الصحفى الفاضل محرر بريد الأهرام ببعض العبارات الجميلة التى تليق بالمناسبة بعد أن استقر جثمان العالم الكبير فى تراب وطنه بعد كل ما قدمه من إنجازات .. ومن هذه القصيدة التى تحمل عنوان " وعاد النسر " إخترت لكم هذه الأبيات :

النســـر عاد .. حبيبتى لثراك

مهما أحب .. فلم يحب سواك

مهما تغرب فى البلاد فلم يزل

طفــل يحـن.. إلى عظيم بهاك

أوصى الرفاق بأن تنام عظامه

والأرض أرضك والسماء سماك

تبكى الســواقى والنجـوع رحـيله

ومـديـنـة للعـلـم .. فـوق رُبـاك

ضمـيه يا أم البلاد .. وهـدهـدى

قلبـا تولـه فى الهوى .. فهواك

إبكيــه أرض الكنانة .. فارسا

عشـق الحياة .. ولم تكن إلاك

وفى النهاية فإننا نسأل الله تعالى بأن يتغمد الراحل العظيم برحمته بقدر ما قدم لوطنه وللإنسانية من خدمات .

وإلى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله .

مساحة إعلانية