رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. بثينة محمد الجناحي

مساحة إعلانية

مقالات

2289

د. بثينة محمد الجناحي

مبالغات: حرية مثقف

20 أبريل 2021 , 03:00ص

يقول خالد الكركي في كتابه: قراءات في الثقافة والسلطة والإعلام، إن المثقف العربي يظل في برجه الآخر، بينما يظل آخر في رومانسية العربي، ويقف آخر عند التراث جامداً، هكذا صنف المثقفين بحسب انتماءاتهم وارتباطهم في عقائدهم التي قد تبرر حراكهم الثقافي، فمن تلك التصنيفات بإمكاننا أن نفهم مدى انغلاق المثقف أكثر من انفتاحه، وقياس قدرته على التأقلم والتراخي، أكثر من تضييقه لمفاهيمه، فليس بغريب أن ينادي المثقف بالحرية، بينما يعيش واقعاً لم يتغير عليه سنوات سابقة إلى اليوم.

فالسلطة نفسها تعتبر نظاماً يحد من حركة المثقف، فالجدل بين الحاكم والفيلسوف ليس بالتجربة المعاصرة التي تقدم حلولاً جذرية ضد النظام، إذ إن حتمية هذا الصراع تعتبر قائمة ومستمرة باختلاف التشكيلات النظامية التي تكونت وبرزت على مر التاريخ، سواء أكانت من حاكم، سلطان، خليفة، أمير، ورئيس، فالاختلاف في المسميات لا يغير من نمطية الصراعات الفكرية وعدم استقرار علاقة المثقف بالسلطة، والعكس صحيح.

فلو نظرنا في التاريخ، من الصعب إيجاد أي علاقة مستقرة ما بين السلطة والمثقف من هو صاحب قضيته التي تعكس معاناة أمة وتعبر عن رسائل سامية، إلا في حالة الخضوع للسلطة، واتباع النظام وتنازله عن استقلاله وحريته، التي هي مقيدة فعلياً قبل شعوره بأنه تنازل عنها من البداية، وهذا الأمر يطرح سؤالاً مهماً حول علاقة المثقف بالناس، تلك العلاقة التي يعتمد عليها الناس للتنوير، وقدرتها على التمييز بين الأنظمة الظالمة والأخرى العادلة، ومن الشيق أن نعتاد في المصادر على قياس حرية المثقف باضطهاد السلطة، ونادراً ما تقرأ عن حرية المثقف تماشياً مع السلطة. كما أجد من الشيق طرح السؤال المفقود عن مدى علاقة المثقف بالشعب، خاصة عندما يكون متوجهاً في آرائه، دون وضوح رسائله الخاصة، بل تتحول إلى رؤى تتماشى مع رؤية توجهية كبرى وتطلعات مستقبلية نهضوية تحت شعار المصلحة العامة، فأي حرية تلك التي يعمل عليها المثقف كمشروع إنساني عندما لا يستطيع أن يحقق ذلك المشروع الخيالي على شعب يترقب من المثقف التنوير باعتباره أسمى غاية قد تصل إلى جمهور.

حرية المثقف هي حرية مثالية ليس لها أثر في الواقع، إنما هي حلم مراد الوصول له، أكثر من كونها واقعاً عاشه المثقفون من دون ضغوطات خارجية أثرت على حراكهم الحر واللامحدود منذ الأزل، ولكن لا يزال النداء مطلوباً لوساطة المثقف للشعب وصولا للسلطة، كما لا تزال الرغبة قائمة في التمهيد لأجيال جديدة من المثقفين لا تهاب من السلطة على قدر تقديم إمكانياتها للسلطة بما تحمل من قواعد فلسفية، فكرية، فنية، وإبداعية قادرة أن تكون واجهة يقظة ومحركة للمجتمع الذي يتأمل الكثير من حيوية مثقف وتعاطفه مع التغييرات التي تطرأ على المجتمع.

فبدلاً من أن ترى علاقة السلطة بالمثقف بالمنظور المضطهد والاستبدادي، لما لا ينظر إلى تلك العلاقة اليوم أنها استكمال لنظام ذات رؤية مستدامة، قادرة أن تتقدم وأن تنهض بنهوض الشعب بالتعاون وبواسطة المثقف، فإن ظل المثقف العربي بحسب وصف خالد الكركي، الجامد، والمتكابر والخيالي، فلن يكون إلا نخبة صامتة، متذمرة ومنادية لخيالها في الوصول إلى الحرية المطلقة، بالمقابل ستكون عاجزة عن تحقيق أبسط التغييرات الواقعية في المجتمع ومن أجل نهضة المجتمع.

فلا تعلق آمالك على حرية مثقف عندما تكون مبالغات على أرض الواقع.

[email protected]

مساحة إعلانية