رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يختلف مفهوم الوطن من شخص لآخر ويختلف كذلك الشعور المترتب على هذا المفهوم من إنسان لآخر، لأن المرء غالباً ما يتفاعل مع بيئته المحيطة ومع الحياة بشكل عام وفق هذا المفهوم الذي يراه ويقتنع به والذي يبيّن معناه الحديث الشريف (من كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله..الحديث) ولهذا كانت بداية الحديث مفتاحاً لما سيأتي لاحقاً من مخالفات بسبب خلل في المفهوم الذي يجعل المرء يتحرك في اتجاهات خاطئة (من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
إن من يمعن النظر اليوم في شأن الوطن والوطنية يجد اختلافاً عجباً ووجهات مختلفة يدور في فلكها الناس ويبنون عليها تصرفاتهم وأفعالهم تجاه أوطانهم ومن يشاركونهم العيش فوق أراضيها، فهناك من يظن أن الوطن يتلخص في أشخاص معيّنين، وهذه الفئة كثيراً ما نجدها تربط الوطن بشخص الحاكم وتفرده بكل الخصائص التي يتمتع بها الوطن من أرض وتاريخ وشعب.. تختصرها في شخص ذلك الحاكم وفي صفاته إما سلباً أو إيجابا، فالمنتفعون من الحاكم يحبّون أوطانهم - من وجهة نظرهم - بينما هم في الواقع يحبّون الأموال والمنفعة أو المصلحة التي اختصّها الحاكم لهم مما جعلهم يختزلون الوطن في ذات الحاكم فحسب، والمظلومون والمضطهدون من الحاكم يكرهون أوطانهم لأنهم أيضاً أساءوا الحكم وأخطأوا المفهوم فاختزلوا الوطن في الحاكم نكاية على ظلمه واضطهاده لهم مما جعلهم سلبيّين تجاه انتمائهم للوطن كأرض وتاريخ وشعب لا كحاكم، شأنهم في ذلك شأن الفئة الأولى السلبية أيضاً والتي قدّمت منفعتها الخاصة على المنفعة العامة وأساءت التصرف نتيجة ذلك المفهوم الخاطئ الذي بنت عليه مفهوم الوطن وسعت لتحقيقه وإنجازه.
وفي المقابل يقوم مفهوم الوطن لدى بعض الحكام أو أصحاب النفوذ أو الأسر الحاكمة أو السياسيين أو القادة أن الوطن ما هو إلا شعب يحتاج إلى قيادة حازمة وقوة عسكرية لإدارته والتحكم في إرادته وطموحه وأحلامه مما جعلنا نرى البعض يتحدث عن أبناء وطنه بتعال وتكبر واضحين، بل وسمعنا من يصف الناس بأنهم جرذان - كالقذافي - وسمعنا من تأفف لمطالب الناس وحاجتهم للزيادات والأراضي والمساكن وكأنه يعتبر الوطن بيتاً كبيراً له وأنه تفضّل على الناس بأن تركهم يسكنون في (ملحق) تابع لقصره! يُخرج لهم كل يوم ما تبقّى من فتات الخبز وبقايا العظم! بل ورأينا من يستنكر مطالب الناس بحجة أنه قد أعطاهم سابقاً كذا وكذا، وأنه بنى لهم مدارس ومستشفيات وزوّدهم بالكهرباء والماء ونحوه! في مغالطة كبيرة تنسب الفضل للحاكم والحكومة لا لله تعالى المعطي والرازق.
وأولئك الذين يريدون لأوطانهم أن تسير خلف الغرب شبراً بشبر وذراعاً بذراع ويتمنون فساد المرأة وتحررها ويسعون في أوطانهم فساداً وظلماً هؤلاء أيضاً أبعد ما يكونون عن الوطنية لأنهم لا يريدون له الخير وإنما يريدون إشباع غرائزهم وشهواتهم بإشاعة التعري والانحلال والفساد، وأصبح مؤلماً حقاً أن يتحدث هؤلاء عن الوطنية في أوطانهم رغم (علمانيتهم وليبراليتهم وقوميّتهم) البغيضة بينما يوصف (الإسلاميون) في أوطانهم في بعض بلاد المسلمين بأنهم إرهابيون ومخرّبون وأنهم لا يحبّون أوطانهم! بل على العكس تماماً فهم يحبون أوطانهم أكثر من غيرهم ربما بل ويغارون عليه ويريدون أن يكون وطنهم أفضل الأوطان لأنهم يريدون نشر الخير والإصلاح والفضيلة فيه من خلال نهيهم عن المنكرات من خمور وربا ونحوها مما يغضب الله تعالى ويتسبب في خسائر دنيوية فضلاً عن تخلّف أوطانهم نتيجة تبعيّتها للغرب وتقييد نهضتها وتفوقها على سائر الدول والأوطان.
إن مفهوم حب الوطن يجب أن يعاد صياغته في الأذهان إلى كل شيء يحبه الله ورسوله ويرضاه، ويبتعد تماماً عما سواهما من الأقوال والأفعال، فمن يحب وطنه لابد له أن يتقيد بتلك الضوابط وإلا سيتحول حب الوطن في مفهومه إلى حب السلطة أو المال أو المنفعة أو الشهوة أو الفساد، وهذا ما لا نتمناه لبلادنا ولا إلى سائر بلاد المسلمين. (رب اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين).
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على... اقرأ المزيد
1605
| 26 سبتمبر 2025
أن تقضي أكثر من سبعين عاماً في هذه الحياة ليس مجرد مرور للزمن، بل هي رحلة مليئة بالتجارب،... اقرأ المزيد
216
| 26 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة، تتراوح بين الصدمات النفسية، والانقسامات المجتمعية، وانهيار البنى الثقافية والاجتماعية.... اقرأ المزيد
492
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2208
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1593
| 26 سبتمبر 2025