رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
محمد أعظم الشخصيات الإصلاحية التي ظهرت في تاريخ البشرية
الهجرة النبوية رؤية إلهية للاستخلاف الحقيقي للإنسان وكيفية عبوديته لله وحده
الهجرة هي التطبيق العملي لحقيقة الرسالة التي قلب بها محمد موازين الحياة
الإستراتيجية النبوية في إدارة الدولة حفظت عليها كيانها وهويتها ودينها وأخلاقها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله مبشرا ونذيرا وبعد..
هلَّ علينا عام جديد من أعوام الهجرة النبوية المجيدة، عام 1438 على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لنقف عنده مليا نستلهم منه العبر، ونستذكر تاريخنا الذي أُنسيناه، وهجرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- التي هجرناها، ونعيد التذكير بها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ونقف وقفات عندها لمراجعتها من خلال سيرة نبينا الكريم أعظم شخصية إنسانية على وجه الأرض بشهادة أعداء الأمة قبل منصفيها، فقد كان على رأس المائة من أعظم الشخصيات الإصلاحية التي ظهرت في تاريخ البشرية من أنبياء وقادة ومصلحين، فهي الرصيد الحق التاريخي الثابت الذي لا ينضب، لتستمد منه الأجيال المتلاحقة وجودها وهويتها وبقاءها من ميراث النبوة، وحملة مشاعل العقيدة الصحيحة الصافية زاد مسيرها وعناصر بقائها وأصول امتدادها فهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ونقول دائما: إن الهجرة النبوية ليست كأي هجرة!!
* الهجرة النبوية والسيرة العطرة.. ليست كالهجرات التي عرفتها الإنسانية بحثا عن الرزق وأسباب الحياة، كلا إنها هجرة للذات والنفس السوية والهوية بحثا عن العقيدة الصحيحة والعقل المفكر نحو الكمال الإنساني الذي تمثل وتكامل في شخصية سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبدالله (عليه الصلاة والسلام) المثل الكامل للإنسانية جمعاء في نواحيها المتعددة منذ مبعثه وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، هذا النبي الكريم الذي أنشأ وربّى رجالا ونساءً من أحضان الصحراء، وصنع أمة بدأ تاريخها مع نبيها -صلى الله عليه وسلم- ولن تنتهي إلا بقيام الساعة إذا تمسكت بهدي نبيها، تاريخ لا تغيب عنه الشمس ما دامت السماوات والأرض، وضربت أروع الأمثلة وأندرها في الصبر على البلاء، والثبات على الحق، واستقرار النفس واطمئنانها على زلازل الدنيا، فكانت منبعا ثريا للإنسانية جمعاء، ويجب على من ينتمي إليها اليوم أن يحقق المعاني السامية العظيمة من الهجرة النبوية والسنة المطهرة.
* الهجرة النبوية والسيرة العطرة، ليست قصصا تتلى وحكايات تسرد بل هي العطاء المتجدد والزاد الباقي إلى يوم الدين والقدوة الصالحة الدائمة للأجيال المسلمة، إنها التطبيق العملي والبرنامج الواقعي للقرآن الكريم في تحقيق الهدف من وجودها، وهي عبادة الله تعالى على هدى وبصيرة، تتجلى في عقيدتها وأعمالها وأخلاقياتها.. فسيرته -صلى الله عليه وسلم- منهجا ربانيا قويما عمليا في جميع شؤون الحياة، كما قالت السيدة عائشة عندما سئلت عنه: (كان خلقه القرآن) إنه الأسوة الحسنة والمثل الكامل للأفراد في السياسة والحكم والقيادة والاقتصاد والمال والاجتماع والعلاقات الإنسانية والعلاقات الدولية والأممية، وصدق الله عز وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب 21).
ليست تراتيل
* الهجرة النبوية والسيرة العطرة: ليست تراتيل وأناشيد وذكريات نشدوا بها في المناسبات، بل نبراس يضيء لنا الطريق، للعودة بنا إلى العزة والقوة والوجود الحقيقي كأمة ولسنا كمًا مهملا على هامش الدول والأمم، أنها المنبع الوحيد الذي تنفجر منه ينابيع الحياة السعيدة الحقيقية للمجتمع البشرى كافة، ولن تحقق غاياتها من الرقي والسمو بين أمم العالم إلا إذا أدركت غاية وجودها من خلال رصيدها التاريخي الطويل الواضح الذي لم تظفر به أمة من الأمم كما ظفرت به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وفقهت سبب وجودها في الحياة كما فقهه السلف الصالح والمتمثل في قول ربعي بن عامر -رضي الله عنه- (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) هذه الغاية التي يجب أن تتحقق فينا وفي أجيالنا القادمة ليشاركوا الكتائب المؤمنة التي سبقتها في صناعة المجد والعزة لهذه الأمة العزيزة على الله ورسوله بوصف القرآن لها: (أعزة على الكافرين)، (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).
* الهجرة النبوية والسيرة العطرة: ليست تقويما تزين به الحوائط والمكاتب وتوزع على الأحباب والأصحاب ويتبارى الطابعون بطباعتها طباعات عادية وفاخرة حسب المقامات العلية في بداية كل سنة هجرية تنزع أوراقها لترمى كما تتساقط أوراق أيامنا دون أن نفقه تاريخنا والحوادث العظيمة والوقائع الجليلة التي حدثت ووقعت خلال تلك الفترة المجيدة لدولتنا الإسلامية في عهدها المكي والمدني والتضحيات الجسيمة التي قدمها الجيل الأول لهذه الأمة منذ بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- وحتى هجرته الشريفة وتأسيس دولة عظيمة في سنوات قلائل لا تتجاوز العشر سنوات وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك نستقي منها ما يفيدنا وينفعنا في وضع استراتيجياتنا للدولة الحديثة القوية المناسبة لعصرنا، هل نعرف ونتذكر كيف بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الدولة القوية التي هزت عروش قيصر وقضت على أكاسرة الفرس، فلم تقم بعدها لهم قائمة ولن تقوم أبدا بوعد من الله سبحانه، هل فقهنا تلك الاستراتيجية النبوية العبقرية في سياسة الدولة ورقي مواطنيها، والعمل على النهوض بها بما يحفظ عليها كيانها وهويتها ودينها وأخلاقها، أم حال أجيالنا المظلومة والتي غيبت ظلما وعدوانا فجهلت حتى معرفة أسماء الأشهر العربية القمرية فضلا عن الأحداث التي قامت عليها شريعتنا وأحكامنا وعباداتنا وارتبطت بها حياتنا جميعها لطغيان عباد الغرب والاحتكام لقوانينه الوضعية وسنته الميلادية وأشهرها التي لا تمت لنا بصلة من قريب أو بعيد أو ماض أو حاضر أو مستقبل غير التبعية لأربابها وفرضها علينا قهرا، أن جميع أمم الأرض تفتخر بتاريخها وتوقيتها وخصوصيتها وهويتها، إلا نحن الذين فقدنا بوصلة وجودنا فأصبحنا عالة على الأمم نسترجي حتى أيامها ومواقيتها ومناسباتها وكأننا أمة لقيطة بين الأمم، والعياذ بالله ولولا شهر رمضان والحج لما عرفنا من نحن؟! والله المستعان!
استخلاف للإنسان
* الهجرة النبوية والسيرة العطرة: رؤية إلهية للاستخلاف الحقيقي للإنسان وكيفية عبوديته لله وحده على الأرض وفق شرعه ومنهجه سبحانه، ورسالة إلهية بتحقيق تلك الرؤية والانتقال بها من الضلال إلى الصلاح، ومن مناهج البشر إلى منهج الواحد الأحد الذي عدل خط التاريخ، وغير مجرى الحياة في العالم الإنساني، إن السيرة النبوية المطهرة.. هي التطبيق العملي لحقيقة الرسالة التي جاء بها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقلب بها موازين الحياة، فقد أخذت منه -صلى الله عليه وسلم- ومن أصحابه الكرام (رضي الله عنهم وأرضاهم) من الجهد والعمل الدؤوب ثلاثا وعشرين عاما من عمره الشريف بعد تكليفه بالرسالة على رأس الأربعين من عمره وهو ما تعورف عليه تاريخيا بالمرحلة المكية والمدنية، المرحلة المكية التي دامت 13 عاما كان هدفها إعادة هيكلة بناء شخصية الإنسان وتحرير وتنقية عقيدته من أدران الضلالات والأوثان وعقليته من الأوهام وشوائب الجاهلية وتقويم سلوكياته وأخلاقه، صحيح أن عدد المسلمين الأوائل في تلك الفترة لم تتجاوز المئات، ولكن النجاح الباهر الذي تحقق في تربيتهم أن جعلنا نتساءل: كيف رباهم الرسول (عليه الصلاة والسلام) حتى أصبحوا صفوة الصفوة من الخلق حتى وجد في هؤلاء المؤمنين أمثال أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب الذين عرفوا بفضلهم العلمي الغزير وقوتهم العملية ويقظة الضمير وصفات السمو الخلقي فكانوا قادة العالم جميعا، وكذلك مصعب بن عمير وجعفر بن أبي طالب وأبو عبيدة بن الجراح الذين امتازوا بالكفاءة العالية والدعوة الصادقة، فأسلم على أيديهم أهل الحبشة ويثرب ونجران بدعوتهم، وعبدالله بن مسعود وعبدالرحمن بن عوف ممن عرفوا برواياتهم التي احتوت على مئات من اللطائف العلمية، والزبير وطلحة وعمار بن ياسر وبلال ممن أنهكوا الظالمين بثباتهم واستقامتهم، والسكران وشماس وأم سلمة وأم حبيبة وخنيس الذين هاجروا وآثروا الإقامة في الحبشة مغتربين ولم يبالوا بالأهل وذي القربى والوطن في سبيل الدين، وغيرهم من السابقين الأولين الذين تميزوا بالسبق إلى فضل الدعوة وفق هدى ونور من الله، والعودة بعقيدتهم إلى فطرتها السوية بعد أن لوثتها المناهج الوضعية السائدة في بيئتهم الجاهلية آنذاك، ولا عجب، فقد كان مربيهم ومعلمهم وهاديهم النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم- ربّاهم على عينه، وأمرهم بالصبر والاحتساب وضبط النفس والمجاهدة في سبيل إعلاء دين الله -دين التوحيد الخالص- حتى استطاعوا تحمل أعباء الدعوة وبناء الدولة العصرية الإسلامية فيما بعد.
تربية الأجيال
والملاحظ أن المرحلة المكية تساوي في زمننا الفترة التأسيسية لتربية وتعليم الأجيال التي نحتاجها لبناء الأوطان، هذه الأجيال المستقبلية لبناء الوطن للأسف أضعنا تربيتها وانحدرنا بها إلى الجهل بدينها وعلمها ولغتها والتغريب بالبعد عن هويتها بسبب تجاربنا الفاشلة ومناهجنا الضعيفة الملفقة من هنا وهناك التي لا تسمن ولا تغني من جوع في جميع مراحلنا التعليمية من الحضانة وحتى الجامعة، والتي انتهجت عن عمد بحجة التطوير والتنوير والتغيير الضحالة العلمية والعجمية اللغوية، ومن أراد إنقاذهم من ذلك التخبط والتشتت الواقع عليهم ألقى بفلذات كبده إلى المدارس الأجنبية وهذا همٌّ آخر، فكأنما استجار بالنار من الرمضاء، إننا نمارس الوأد الخفي لعقيدة أجيالنا والمسخ الفكري للغتهم وهويتهم، سنوات أعتبرها سنوات التيه لأجيالنا، وما أحرانا أن نعود لتاريخنا ونقدم هجرتنا النبوية بسيرتها المحمدية في مناهجنا العلمية والتخصصية، فإنها منهج حياة ثبت نجاحها، إن التحدي الحقيقي لوجودنا هو (أن نكون أو لا نكون) وهذا يحتاج تكاتف جميع أبناء الوطن المخلصين لا المتسلقين والصادقين لا المنافقين والمستجلبين لوضع مناهج حقيقية صادقة مستمدة من دستورنا المقدس (قرآننا وسنة نبينا) أولا، ثم معارف وعلوم عصرنا النافعة لأجيالنا حتى نستطيع بناء دولة حديثة على أسس عصرية كما كانت دولة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عهدها المدني خلال سنواتها العشر (10) بمؤسساتها العديدة والعظيمة، تلك المرحلة التي أنشأت لنا المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة والمصلحون قديما ولم تتحقق إلا على يده الشريفة -صلى الله عليه وسلم- بفضل هذا المنهج الرباني وبهؤلاء الصفوة النجيبة من البشر الذين اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ونشر رسالته ودعوته وتطبيق منهجه وتأسيس دولة الحرية والإخاء والعدل والمساواة، فكانت التنمية الحقيقية للمجتمع بالمصطلح الحديث بعد أن عمل على إعداد الكوادر البشرية إعدادا متميزا خلال ثلاث عشرة سنة فاقتدوا بهديه وساروا على نهجه فدانت لهم الدنيا وأصبحوا سادتها وقادتها بعد أن كانوا رعاة على سفوح جبال مكة أو كانوا خوة أعداء يهلكون بعضهم بعضا بالثارات والعداوات في يثرب فألف الله تعالى بينهم بفضل هذا الدين ونبيه فأصبحوا إخوانا متحابين متآلفين وصدق الله (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) وليس هذا فحسب بل استقبلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بكل حب وافتخار وآووه ونصروه واتبعوا الحق الذي أنزل معه وفرحوا بالمسلمين المهاجرين وشاركوهم بالأموال والبيوت وآثروهم على أنفسهم إنهم الأنصار الذين وصفهم القرآن بصفات يندر وجودها إلا من سار على هديهم في حب الله ورسوله ودينه وأصحابه أصبحت خصائصهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة (الذين آمنوا يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حاجة ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة) وقال النبي فيهم (اللهم أحب الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) فما أحوجنا إلى هذه الألفة بين أبناء هذا الوطن الواحد بعد أن استفحلت العصبية القبلية البغيضة بينهم ولم تكن موجودة في السابق، وبين أبناء الأمة التي مزقتها المذهبية والطائفية والحزبية فمزقتهم كل ممزق وجعلتهم أحاديث الأمم ومحل سخريتها واستهزائها فتهافتت عليها من كل حدب وصوب كما تتهافت الأكلة إلى قصعتها كما جاء في حديث الصادق المصدوق (تتهافت عليكم الأمم كما تتهافت الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة يا رسول الله، قال: بل أنت كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، فما أحوجنا إلى إعادة هذه الألفة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة من جديد، وما ذلك على الله بعزيز إذا فقهنا ذكرى الهجرة النبوية والسيرة النبوية الشريفة وما تحمله من خير للبشرية إذا فقهنا تاريخنا واستخلصنا العبر والدروس من أحداثها وعدنا إلى سيرة نبينا العطرة في تربيتنا وتعليمنا لأجيالنا وصياغتها من جديد بما يناسب زمنهم وعصرهم في الأعوام القادمة بإذن الله فإننا يجب أن نربيهم لزمان غير زماننا ونهيئهم لمستقبل غير حاضرنا يحفظ عليهم عقيدتهم الصحيحة وعزتهم وهويتهم، فهل من مشمر من قادتنا الكرام لنيل هذا الشرف العظيم، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وهدأت غزة، وهذا ما كان مهما لدى الملايين من شعوب وربما حكومات العالم الذين عاشوا عامين من الدمار... اقرأ المزيد
123
| 15 أكتوبر 2025
من نواحي المسؤولية القانونية عمن يتحمل إعمار غزة هو من تسبب بدمارها مباشرة ومن عاونه في ذلك وقدم... اقرأ المزيد
96
| 15 أكتوبر 2025
مشاهد العائدين إلى الشمال وإلى أحياء غزة القديمة تحمل مزيجًا مُربكًا من الفرح الحذر، والحِداد، والخوف، والذهول أمام... اقرأ المزيد
144
| 15 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8853
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5385
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4992
| 13 أكتوبر 2025