رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الثامن عشر من ديسمبر كيوم تم اعتماده عالمياً للغة العربية، يطالعنا كتاب (اهتزازات الروح: عشرة بحوث في أدب العرب وفكرهم)، تهتز له الروح الذواقة وهي تسرح في أروقة اللغة العربية بين أدب وشعر وتجليات صوفية، تستمد السحر من حروفها ومعانيها وبيانها وعَروضها وبديعها وقوافيها وبلاغتها وتصاريفها، والتي شرفت بادئ ذي بدء بالوحي الذي خاطب به الله خلقه من خلالها.
ينتقي مؤلف الكتاب (أ.د. عيسى العاكوب)، أستاذ البلاغة والنقد في جامعة حلب، وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق، من تلك الأروقة ومن صميم فكر روّادها، عشرة بحوث، وجدها تحرص على تقديم معرفة جادة تقف على البيان الإبداعي الذي حظيت به أمة القرآن من خلال «الكلمة المجتهدة المخلصة»، وهو لذا، يجد تلك البحوث قد انبثقت من «مشكاة واحدة». يأتي العنوان الرهيف من روح الإبداعات الشعرية القديمة والحديثة التي جادت بها قريحة مبدعيها «فما كلمات الشاعر إلا بناته اللائي يشاء لهن أن يكنّ الأبهى والأجمل»، حسب تعبير المؤلف. لذا، فهو يدعو القارئ لأن يضبط اهتزازات روحه مع اهتزازات أرواح أولئك الشعراء المبدعين، وأن يختبر التحليق في فضاء التخليق، وهو يقرّ بأن مهمتي التخليق والإبداع التي تحدّها همة الشاعر الأرضي الترابي -مهما بلغت درجة تحليقه- لا تبلغ سماء الإبداع المترامية.
يبدأ المؤلف كتابه الصادر عن (دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع) بالبحث الأول (في آفاق المديح النبوي)، وبنبي الإسلام الذي حُق له أن يكون «المحبوب الخاص» لدى تابعيه، لينتقل إلى «المحب الخاص» الذي هو في هذا المقام ليس سوى (الشاعر العربي). ثم يتطرق إلى اللغة العربية التي استخدمها أهلها كأداة للتعبير عن المحبوب الخاص وعن حبه وفي مدحه، حتى ينتهي بموقفه ﷺ من المديح ومن الشعر ككل، الذي هو بالقطع الرأي الإسلامي. وبعد أن يروي المؤلف شغاف قلب كل مسلم بما جادت به الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً في مدح نبيها، كأسوة حسنة ينبغي أن تُحب وتُتّبع في كل ما أخذت به وفي كل ما ذرت، وكجزء خاص من الدين، وكشطر متمم للإيمان، يتناول ما جاء في مدحه على لسان أقوام لم يتبعوه لكنهم أحبوه حب مماثل لأتباعه. فهنالك الشاعر العربي المسيحي (جاك شمّاس) الذي قال: «أودعت طهرك في حدائق مقلتي، ووشمت مجدك في شغاف جنان، مهما مدحتك يا رسول فإن، فوق المديح وفوق كل بياني». وهناك الهندوسي (السير كيشان براساد شاد) رئيس وزراء ولاية حيدرأباد الهندية، الذي كتب بلغته الأوردية أبياتاً تولّى المؤلف ترجمتها من الترجمة الإنجليزية: «قد أكون كافراً أو صادق الإيمان، لكن ربي يدري من أكونه، وأنا أعلم أيضاً أنني الخادم، للمختار سلطان المدينة».
أما البحث الثاني (كلثوم بن عمر العتابي)، فينقل فيه عن الشاعر الحلبي الذي أتقن الفارسية وترجم عنها، رؤيته العامة للشعر والأدب، حيث قال: «الألفاظ أجساد، والمعاني أرواح، وإنّما تراها بعيون القلوب، فإذا قدّمت مؤخّراً أو أخّرت منها مقدّماً أفسدت الصورة وغيّرت المعنى، كما لو حُوّل رأس إلى موضع يد، أو يد إلى موضع رجل، تحوّلت الخلقة، وتغيرت الحلية». ثم يتحدث في الثالث عن (المدرسة الشعرية الشامية في عصر سيف الدولة الحمداني)، ويتناول في الرابع (آفاق الأدب المؤدب) سيرة (أبو العلاء المعري) كعالم وكمعلم للغة العربية والحكمة الإيمانية، وكتابه (الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ) الذي خصّه لعلوم اللغة العربية، من ناحية المعجم والأساليب، والنحو والصرف، والعروض والقوافي، ليختم بالدروس الإيمانية المستخلصة منه. ثم يأتي البحث الخامس (الهداية النبوية وآفاق رؤيتها) على أفق الحضارة وأفق الرشاد وأفق العالم قبل الهدي النبوي وبعده، وأفق الإعراض عن نور هديه، ومن ثم السادس (هكذا فلنغن للحب) الذي يتناول عملية التخليق الشعري من خلال قصيدة لشاعر إماراتي، ومن بعده السابع (أهو الحب الذي يفجر ينابيع الفن) في نفس المضمون، حتى ينتقل للثامن (ضغط هاجس الإبداع في ديوان ذات البدع) فيخصّ به شاعر موريتاني ويكشف عن «الجد في تطلّب الإبداع والتخليق عند هذا الشاعر»، وللشعر كأداة في تجلية العالم الباطن.
ثم يختتم المؤلف ببحث (الشكر: مفهوماً أخلاقياً في التصوف الإسلامي: الدلالة والمنظورات) حيث يخصّ التاسع منه بـ (فضاء ما قبل التصوف) والعاشر بـ (فضاء التصوف). فيعرض في التاسع المفهوم العام للجانب الصوفي والأخلاقي، وحقيقة الشكر، ومكانته في اللغة العربية، والمنظور العربي له قبل الإسلام، يليه المنظورين القرآني والحديثي، في حين يعرض في العاشر -مستعيناً بالمراجع العربية والفارسية والإنجليزية- قيمة الشكر من منظور صوفي عرفاني، لا سيما لدى الإمام أبو حامد الغزالي، ومكانته في جملة حكايات وأقوال عدد آخر من أعلام التصوف.
ختاماً، ومع أن الكتاب جاء متخصصاً بشكل ما، فهو كفيل بأن يثير كل بواعث العز والإعجاب لدى كل من أنعم الله عليه بلسان ناطق للغة الضاد، وكما قال أمير شعراء العرب: «إن الذي ملأ اللغات محاسناً.. جعل الجمال وسره في الضاد».
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام... اقرأ المزيد
351
| 24 سبتمبر 2025
حين نتأمل في تاريخ المؤسسات والمنظمات، ندرك أن ما يسمى بالفوضى لم تكن يومًا نقيضاً تاماً للنظام، بل... اقرأ المزيد
156
| 24 سبتمبر 2025
ما الذي يجعل إسرائيل حتى هذه اللحظة لا تستجيب لنداءات ومطالبات ومواقف دول كثيرة كان يمكن أن تلزمها... اقرأ المزيد
114
| 24 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2121
| 22 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير القذائف، يعلو صوت الإنسانية من غزة ليقول: “نحن هنا… ما زلنا نحلم”، إنها معاناة تُدوّنها الجدران المهدمة والبيوت التي غابت عنها الضحكات، لكن بقي فيها صدى الأمل. أهل غزة يواجهون الألم بالثبات، والدمار بالصبر، والفقدان بالإيمان بأن الغد سيكون أفضل. ورغم أن المعاناة تحاصرهم من كل جانب، فإنهم يرسلون أصواتهم إلى العالم ليُذكّرونا أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الظلم لا يمكن أن يخمد شعلة الحياة. إن بناء الأوطان لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعلم والمعرفة، وبالأمل الذي يُنير دروب المظلومين، فكما يقف أبناء غزة اليوم متحدّين رغم قسوة الظروف، فإن غدهم سيُصنع بالعلم الذي يفتح الأبواب، وبالأمل الذي يزرع في قلوبهم شجرة حياة جديدة. وبالأمل والعلم… تُبنى الأوطان ويُصنع غد أفضل، لتبقى غزة رمزًا للصمود، ورسالة أملٍ تتجاوز الألم. “صوت بين الركام” في أحد أزقة غزة الضيقة، جلست ليان الطفلة ذات التسعة أعوام بين أنقاض بيتها المهدّم. كانت تمسك بكتابٍ نجح والدها في إخراجه من تحت الركام، وقال لها وهو يربت على كتفها: “البيوت تُبنى من جديد يا ليان، لكن العقول لا تُهدم… والعلم هو ما سيبني غدك وغد وطنك.” نظرت ليان إلى السماء الملبّدة بالدخان، ثم ابتسمت رغم دمعة علقت بعينيها: “سأدرس يا أبي… حتى لو قرأت على ضوء شمعة، وحتى لو جلست بين الحجارة». مرّت ساعات، وكان الليل ثقيلاً، لكن صوت ليان وهي تقرأ دروسها وسط الخراب كان يعلو على صمت الدمار. سمعها الجيران وقال أحدهم: “انظروا… حتى بين الركام، يولد الأمل». وهكذا، في قلب غزة الجريحة، تعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بالأمل الذي يسكن القلوب، وبالعلم الذي يصنع الغد الأفضل. تلك قصة خيالية، أما القصة الحقيقية فهي للمعلمة إسراء أبو مصطفى فصل بديل على أنقاض بيتها • بعد أن دمّر القصف منزل المعلمة إسراء أبو مصطفى في خان يونس، قررت ألا تسمح للدمار أن يُبيد تعليم الأطفال. • قامت بتأسيس فصل دراسي مؤقت، تحت خيمة، على ركام بيتها، تجمع فيه الأطفال من الروضة إلى الصف السادس. • الطلاب يأتون ليلاً ونهارًا رغم الدمار من حولهم، ليحافظوا على روتينهم الدراسي وشعورهم بأن الحياة تستمر، وأنّ التعليم ليس رفاهية بل حقّ يجب أن يُمارَس. كلمة ختامية حين يتكسّر الحجر وتنهار الجدران، يبقى العلم هو الجدار الأخير الذي يحمي الإنسان من السقوط. في غزة، بين الركام والدخان، لا تُطفأ شمعة الأمل، ولا ينطفئ صوت المعرفة. ليان الصغيرة التي تقرأ على ضوء شمعة، والمعلمة إسراء التي حوّلت أنقاض بيتها إلى فصل دراسي، هما صورتان ناصعتان لوطنٍ ينهض رغم الجراح. إن الرسالة التي يبعثها أبناء غزة إلى العالم واضحة: قد يدمّر العدوان البيوت، لكنه لا يستطيع أن يدمّر العقول. وقد يسلبون الأرض، لكنهم لن يسلبوا الحلم. فالعلم هو السلاح الأقوى، والأمل هو الزاد الأبقى. ومع كل طفل يفتح كتابًا، وكل معلم يصرّ على التعليم، تُزرع بذرة لغدٍ أفضل، تُبنى به الأوطان وتنتصر به الحياة أخيرا.. “قد تهدم القنابل البيوت، لكنها لا تهدم العقول. في غزة، يولد الأمل من بين الركام، ويصنع العلم غدًا لا يُهزم.
774
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تأسست الجمهورية التركية على يد جنود سابقين. ومع ذلك، كان مصطفى كمال أتاتورك يرفض تدخل الجيش في السياسة، وطالب الضباط الراغبين في ممارسة السياسة بخلع زيهم العسكري. ورغم ذلك، تم تنفيذ سياسات التحديث الغربية ضمن النظام الأحادي الحزبية العلماني الذي أنشأه أتاتورك، بمساندة الجيش. بعد الحرب العالمية الثانية، في أول انتخابات عام 1945، فاز حزب الشعب الجمهوري (CHP) الذي أسسه أتاتورك بالانتخابات بطريقة مشكوك فيها، لكن في انتخابات عام 1950، حقق حزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس فوزًا كبيرًا تحت شعار «يكفي، الكلمة للشعب»، وتولى السلطة. ومن جهته، أتاح الحزب حرية التعليم الديني وعودة الأذان باللغة العربية، مع التركيز على تعزيز الديمقراطية والتواصل مع المواطنين. وبدأت تركيا، التي كانت تعاني تحت حكم الحزب الواحد، تشهد تحسنًا اقتصاديًا وسياسيًا وراحة نسبيّة لشعبها. أجرت حكومة مندريس إصلاحات اقتصادية مهمة، إذ ركزت على إدخال الميكنة في الزراعة لزيادة الإنتاج، وبدأت خطوات واضحة نحو التصنيع. كما أولت اهتمامًا بتشييد الطرق، وتوسعة الموانئ، وبناء السدود، مما أسهم في تعزيز البنية التحتية ودفع عجلة التنمية. وفي المدن، توفرت فرص عمل جديدة، وتحسنت خدمات الصحة والتعليم، وهو ما ساعد على تشجيع الهجرة من القرى إلى المراكز الحضرية. أصبح مندريس أكثر انفتاحًا في سياسته الخارجية، فعمل في ظل أجواء الحرب الباردة على توطيد علاقاته بالولايات المتحدة والغرب لمواجهة الخطر السوفييتي، وأرسل قوات تركية للمشاركة في الحرب الكورية من أجل تمهيد الطريق لانضمام بلاده إلى حلف الناتو. وفي الوقت ذاته سعى لتعزيز الروابط مع الدول الإسلامية، فقام بزيارات إلى لبنان والأردن والعراق وليبيا. كما ساهم بشكل فعال في تأسيس حلف بغداد لتقوية علاقات تركيا بدول المنطقة ودعم الاستقرار الإقليمي. وإلى جانب ذلك، دعم كفاح الجزائر من أجل الاستقلال عبر إرسال أسلحة سرية عن طريق ليبيا. واصل عدنان مندريس تحقيق الانتصارات في الانتخابات المتعاقبة، الأمر الذي أثار قلق النخب الأيديولوجية الموالية للغرب بشأن مستقبل النظام ومصالحهم السياسية. ومع إدراك حزب الشعب الجمهوري والجيش استحالة الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لجأوا بدعم من الغرب إلى تنفيذ انقلاب عسكري أطاح بحكم مندريس. وقد شكّل انقلاب 27 مايو 1960 محطة فارقة في التاريخ السياسي للجمهورية التركية، حيث ترك بصمات عميقة على مستقبلها السياسي والاقتصادي، وأرسى نظام الوصاية العسكرية الذي مهد لتدخل الجيش في الحياة السياسية بشكل دوري كل عقد تقريبًا. في أكتوبر 1961، جرى إعدام مندريس واثنين من وزرائه بعد محاكمة صورية، مما ترك أثرًا عميقًا في الحياة السياسية. ورغم عودة البلاد لاحقًا إلى المسار الديمقراطي، فإن مؤسسات الوصاية والنخب الأيديولوجية المعيّنة حافظت على موقع متفوق فوق الإرادة الشعبية والقيادات المنتخبة. وعلى الرغم من أن دستور 1961 تضمّن نصوصًا ذات طابع ليبرالي، إلا أنه كان خاضعًا للوصاية، ومنع قيام حكومة مدنية قوية. وقد زرع انقلاب 1960 خوف الإعدام في نفوس القادة المدنيين، وهو ما جعل شخصيات سياسية مثل سليمان دميريل ونجم الدين أربكان تعيش حالة دائمة من القلق. وفي هذا المناخ، برزت حكومات ائتلافية ضعيفة لم تتمكن من فرض إرادتها ولا من معالجة مشكلات المواطنين. بعد عام 1960، سعت الحكومات المنتخبة إلى التقدّم من خلال تبني اقتصاد مُخطط. وقد تعزّز دور الدولة في الإنتاج والتوظيف عبر المؤسسات الاقتصادية، غير أن هذا النموذج لم يحقق نجاحًا كبيرًا بسبب ضعف الإنتاجية وانعدام القدرة على المنافسة. وبما أن القطاع الخاص كان ضعيفًا جدًا، تأخر الانتقال إلى اقتصاد السوق الحرة وبالتالي إلى التصنيع. ومع حلول سبعينيات القرن الماضي، ظهرت بوضوح مشكلات البطالة المتزايدة وتفاقم الديون الخارجية، وهو ما شكّل دليلاً على الآثار السلبية طويلة المدى التي تركها انقلاب 1960 على الاقتصاد. منذ انقلاب عام 1960، تحول الجيش إلى لاعب أساسي في رسم ملامح الحياة السياسية في تركيا، حيث احتكر توجيه السياسات ومنع المدنيين من التأثير في تحديد أولويات الأمن والسياسة الخارجية حتى وصول أردوغان. كما استندت المؤسسة العسكرية إلى ذريعة الإرهاب والتهديدات الخارجية لتكريس وصايتها، وضمان استحواذها على النصيب الأكبر من ميزانية الدولة. وقد حاولت القوات المسلحة عرقلة صعود أردوغان في عامي 2007 و2016 عبر تدخلات عسكرية، غير أنه استطاع، بفضل الدعم الشعبي المرتكز على مشروع الديمقراطية والتنمية، أن يضع حدًا نهائيًا لهيمنة الجيش على السياسة.
702
| 22 سبتمبر 2025