رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

شيخة حمد

مساحة إعلانية

مقالات

1024

شيخة حمد

الوحش أسفل السرير

18 أغسطس 2022 , 01:00ص

 

"أخلاقهم؟! إنها مزحة سيئة، تسقط في أول بادرة من المتاعب، إنهم فقط جيدون طالما يَسمح العالم لهم بذلك."

ابدأ مقالتي هذه من مقولة للجوكر في أحد أفلامه وهي ببساطة تعبر عن حقيقة البعض الذين لا يستطيعون أن يكونوا انعكاساً لوعود الوفاء التي يطلقونها يمنةً وشمالاً، ناهيك عن كم الكلام الذي يتلفظون به للتعبير عن مصداقيتهم ومثالية تصرفاتهم. وللأسف يُعتبر الكائن البشري أقل الكائنات وفاء وشراً في هذا الكون، لقد تجاوز العقرب والأفعى في هذا الصدد، فلن ترى في حياتك كائنا يصيب بالضرر كائنا آخر من نفس جلدته إلا الإنسان.

تقول اوبرا وينفري في أحد لقاءاتها "حين يريك أحدهم حقيقته صدقه من المرة الأولى، لماذا عليه أن يريك حقيقته ٢٩ مرة قبل أن تفهم؟ لماذا لا تفهمه من المرة الأولى؟".

وهي مقولة في حقيقة الأمر ليست لها ولكنها نصيحة من صديقتها الدكتورة مايا انجلو، تعقيباً على قصة أوبرا مع صديقها الحميم الذي كان يتغيب عنها كثيراً فتظل تنتظره طوال أيام وأسابيع بجانب الهاتف عله يتصل ويخبرها أنه سيأتي، الغريب في الموضوع أنها لم تكن تستخدم الهاتف خوفاً من اتصاله لها في تلك الدقيقة التي يكون الخط مشغولاً. بل تجاوز الأمر الي أنها كانت لا تُخرج كيس القمامة خلال نهاية الأسابيع خوفاً من أن يتصل وهي في الخارج، ولم تكن تفتح صنبور الماء في الحمام لكي تتمكن من سماع الهاتف حين يرن. حين تنظر للوراء لطبيعة العلاقة التي ينتظر فيها أحد الطرفين الآخر طوال الوقت تكتشف أن الطرف الأول قد أخبرك من البداية أنه لن يكون متواجداً فماذا لم تفهم هذا الأمر من المرة الأولى؟!"

فنحن نرى الطرف الاخر كما نحبه أن يكون، ولا نراه على ماهيته الحقيقية ونتطلع لرفع توقعاتنا في أغلب علاقاتنا الاجتماعية، وفي الغالب نتوهم بأن الصفات المرغوبة موجودة في ذلك الشخص ولكن هي لم تكن موجودة بالاساس، وانما هذا ما تمنينا أن نجده.

حين كنا صغاراً كنا نخاف كثيراً من الوحش أسفل السرير، فنحاول عدم النظر في ذلك الاتجاه، ننام ونصحو متجاهلين أنه قد ينقض علينا لحظة نزولنا من السرير. نُمضي طفولتنا معتقدين أن الوحوش تقطن في أماكن معينة وما أن نبتعد عنها أو ما أن نفعل الأمور التي قالها لنا والدانا فإننا بذلك نقي أنفسنا منها، وتمضي الأيام والسنوات التي نكبر معها ونواجه في حياتنا مختلف الأمور والعلاقات العائلية والمدرسية، فنرى صفات جديدة في الناس مختلفة عن تلك التي عرفناها في المنزل، نرى تشكل وتنوع الأشخاص بتنوع المواقف. فهنالك من يخبرك أنه لا يستطيع أن يفعل هذا وذاك وما أن يُوضع في موقف يستدعي أن يكذب أو يغش تجده حاضراً. تُصاب لحظتها بالدهشة عن السبب الكامن خلف هذا التغير والتصرف وحقيقة الأمر أنه لا توجد أسباب، فالحياة التي نعيشها لا تأتي بكتيب تعليمات يخبرك أنك إن فعلت كذا سيحصل كذا، وأن فلان حين يخون أو يغش في عمله فهو مضطر ومُجبر، في حقيقة الأمر لا توجد أمور تفرض على أحدنا دون أن نكون متقبلين وجودها ١٠٠٪. فالكائن البشري يتمتع بعقل يميزه عن كافة الكائنات الأخرى وهو من خلاله يعلم أنه ما أن يفعل شيئا فعواقب الفعل من خير وشر في يده.

وأعتقد أننا لا نكبر إلا حين نتوقف عن البحث عن الوحوش أسفل السرير بل سنجدهم حولنا وأمامنا، نتعلم كيفية مواجهتهم، وتقبل وجودهم في هذا العالم.

مساحة إعلانية