رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا تعترف الدول الكبرى بأخطائها وإنما تفترض أن سلوكها معياري لا يلحقه أي نقص، ولهذا لم تقبل وزيرة الخارجية الأمريكية أن تعبر عن الأسف إزاء موقف بلدها تجاه النظام المصري السابق. فخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعها ونظيرها المصري وفي إجابتها على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة آسفة على الدعم الذي قدمته إلى نظام الرئيس مبارك، الذي قام ولسنوات طويلة باضطهاد وقمع معارضيه، بما في هؤلاء الرئيس محمد مرسي نفسه والذي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية قد فرغت للتو من لقائه، قالت وزيرة الخارجية إن الولايات المتحدة كانت مثابرة في جهودها لنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وإنهاء العمل بقانون الطوارئ والإفراج عن المسجونين السياسيين ولكن العيب من وجهة نظرها كان في النظام المصري السابق الذي رفض التجاوب مع النصائح الأمريكية. وهكذا فضلت أمريكا عبر ممثلتها الدبلوماسية الأولى أن تراوغ وأن تعيد تفسير التاريخ بدلا من أن تضع الأمور في نصابها الصحيح.
أما الحقيقة التي لم تجرؤ وزيرة الخارجية الأمريكية على التصريح بها، فهي أن الولايات المتحدة ليست سوى دولة براجماتية كبرى، تقوم سياستها على البحث عن أنظمة قادرة على توفير الاستقرار الذي تحتاجه مصالحها، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأنظمة أنظمة استبدادية أو ديمقراطية، كما يستوي أن تكون الطريقة التي يتحقق بها هذا الاستقرار هي القمع أو الانتخابات. وبناء على ذلك كان تاريخ الولايات المتحدة في المنطقة هو تاريخ من عدم الاتساق بين ما يتم رفعه من شعارات وما يتم فعله على أرض الواقع، وبين المناداة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لجميع الأمم وبين دعم أكثر الأنظمة قمعية طالما كان ذلك في مصلحة الولايات المتحدة.
ورغم أن أمريكا تمتلك من القوة ما يعفيها من عبء التظاهر بما لا تنوي الالتزام به، إلا أن مشكلة الولايات المتحدة الأزلية أنها كانت دوما حريصة على توفير غطاء أخلاقي لأفعالها، الأمر الذي أسهم في بلورة تناقضها على نحو أوضح، حيث كانت أمريكا، في معظم الأحيان، على استعداد لمقايضة حريات الشعوب مقابل الحصول على مصالحها (والتي تتضمن استمرار تدفق النفط، التوصل إلى تسوية تريح بها حليفتها إسرائيل من عبء مواجهة المقاومة الفلسطينية، مواجهة فوضى ما بعد غزو العراق، ومواجهة خطر قيام ثورة إسلامية على غرار الثورة الإيرانية). ولهذا كان الأمريكيون يركزون على دعم الاستقرار في الدول الحليفة وعلى دمجها في الأسواق العالمية، بأكثر مما يهتمون بمقدار الدعم الشعبي الذي تحوزه، فلم تكن تقارير حقوق الإنسان في هذه الدول بخافية على الإدارة الأمريكية، ولكن محصلة سياستها كانت تصب في مصلحة دعم خطط الحكومات المستبدة في سحق المعارضة والحيلولة دون وصولها إلى السلطة بكافة الطرق.
وحتى في الحالات التي حاولت الإدارات الأمريكية فيها أن تترجم شعاراتها بخصوص الديمقراطية بشكل فعلي، فإنها كانت تركز في برامجها لدعم الديمقراطية على الجوانب التنموية مثل التعليم والصحة وتمكين المرأة، فيما تتجاهل المناطق التي قد تتضمن صداما بينها وبين الأنظمة الحليفة لها، مثل الاعتراض على ما يضعه حلفاؤها من قيود على تشكيل أحزاب قادرة على المنافسة الانتخابية الحقيقية. بل إنه يمكن القول إن الإدارات الأمريكية وإن كانت أكدت كثيرا على أهمية الانتخابات وشفافيتها، فإنها كانت نادرا ما تعلق على الاتهامات بالتزوير التي كان المدونون يقدمون أدلة حية عليها. الاتساق إذن كان دائما العنصر المفقود في الخطاب والممارسة الأمريكيين، فأمريكا التي تروج لنفسها على أنها حامية حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم كانت مضطرة دوما أن تأتي من الأفعال والسياسات ما يتناقض مع ما تتبناه أو تدعيه من قيم. لذا يبدو غريبا أن تؤكد وزيرة الخارجية الأمريكية أن مواقف بلادها كانت متسقة، أو أنها قامت بما كان ينبغي عليها القيام به.
غير أن سياسات أمريكا غير المتسقة قد أوقعتها أخيرا في ورطة كبيرة، فلأول مرة تقابل سياستها البراجماتية بمعارضة كثير من التيارات "الليبرالية والعلمانية" التي كانت تعتبر الأقرب أيدولوجيا ومصلحيا للولايات المتحدة. فقد تبين لهذه التيارات أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك الجرأة الكافية لتأييدها حتى لا تغضب حائزي السلطة الجدد، وأن الإدارة الأمريكية بعد أن اكتشفت عدم قدرة هذا التيارات على مواجهة الإسلام السياسي والانتصار عليه عبر صناديق الانتخابات سارعت بالتعامل مع الأمر الواقع وقبلت بوجود ممثل لجماعة الإخوان في الحكم، ضاربة بعرض الحائط وعودها لحلفائها، وتاركة إياهم ليلاقوا مصيرهم بعد أن أيقنت استحالة تمكنهم من تجسير الفجوة التي تفصلهم عن جموع الجماهير المصرية. الأمر الذي ترتب عليه خروج هؤلاء في مظاهرات ضد زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية بوصفها تصب من وجهة نظرهم في اتجاه دعم شرعية الإخوان كما تمثل ضغطا على العسكر لتسليم السلطة إليهم، الأمر الذي يوحي أن أمريكا تجني الآن ثمرة سياستها المتناقضة التي مارستها في المنطقة لأكثر من سبعة عقود متتالية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7890
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6672
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3462
| 12 أكتوبر 2025