رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تصدرت إدارة ترامب الجديدة عناوين الأخبار، وخاصة بعد تعيين الملياردير إيلون ماسك لشغل منصب رئيس إدارة كفاءة الحكومة، ويبدو عازمًا على تقليص عدد الموظفين والبيروقراطية. وقد حازت هذه الخطوة بالفعل على ردود فعل سلبية، ليس فقط من قبل المعارضين السياسيين والموظفين المدنيين، ولكن أيضًا من رؤساء الإدارات الفيدرالية التي عينها ترامب نفسه. ولكن هل هناك ما يبرر تقليص أعداد الموظفين الحكوميين، وأعداد اللوائح التنظيمية، في الولايات المتحدة وفي أغلب بلدان العالم؟ ففي العديد من مؤسسات القطاع العام قد يكون هناك ميل إلى زيادة اللوائح التنظيمية، والمتطلبات غير المعقولة بسبب الالتزام النظري بالقوانين، وأحيانًا يدعم هذا التوجه الشركات الاستشارية التي تضم مستشارين يكسبون عيشهم من المساعدة في الامتثال لتلك اللوائح.
وقد يؤيد قِلة من الناس عدم فرض أي قيود تنظيمية، نظرًا لأن ذلك قد يؤدي إلى كوارث بيئية مثل تسميم الشواطئ بالنفايات السامة أو ارتفاع معدلات الحوادث على الطرق. ولكن حتى الأشخاص الذين يؤيدون بشدة فرض القيود التنظيمية يدركون أن كثرة القوانين، وخاصة إذا كانت تتضمن تعبئة استمارات غير ضرورية، لا تضر بالإنتاجية فحسب، بل إنها قد تتسبب كذلك في حدوث نتائج عكسية. فقد تعني زيادة الوقت الذي يقضيه الناس في تعبئة الاستمارات تقليص الوقت الذي يخصصونه للأمور التشغيلية، بما في ذلك السلامة وغيرها من جوانب العمل المسؤول. كما تتضرر مصداقية القيود التنظيمية مع كل قاعدة غير ضرورية، أو عندما لا يكون الأساس المنطقي لتطبيقها واضحًا، أو لا يغطي جميع الحالات.
ولكن من ناحية أخرى، قد تتسبب الجهود الرامية إلى الحد من البيروقراطية وتحسين الكفاءة في حدوث نتائج عكسية أيضًا. وتنبع الكفاءة الحقيقية من الاحتفاظ بالأشخاص والتدابير الضرورية فقط. وهنا يكون قرب المسؤولين مما يحدث في الواقع مهم، وعدم الاعتماد على التقارير أو المستشارين فقط.
وبالنسبة للقوانين، يتعين أن يكون هناك مستوى مثالي، وأساس واضح ومفهوم جيدًا لكل قانون يجب على الشركات والمواطنين الالتزام به. وفي الغالب، يحقق المسؤولون في قطر ذلك، حيث تبدو ردود فعل العملاء على الخدمات الحكومية في قطر إيجابية بشكل عام، ولكن هناك بعض الشكاوى حول الوقت الذي تستغرقه بسبب البيروقراطية، وتأثيرها على سير الأعمال، وعدم وجود تواصل حقيقي سريع بين بعض الجهات الحكومية. وقد يتطلب التقدم بطلبات الحصول على تراخيص البناء في قطر، ومتطلبات الدفاع المدني، وتأسيس شركة، قضاء وقت طويل في تعبئة الاستمارات ونماذج الطلبات، ولا يكون الأساس المنطقي لكل عملية واضحًا دائمًا، وبعض الموافقات الحكومية تأخذ وقتاً طويلاً دون أي سبب مقنع، مما يضر الأعمال ونمو الاقتصاد. ويشترط على العديد من الشركات أن يكون لديها معدات نقاط البيع حتى وإن لم تكن لديها معاملات للبيع بالتجزئة. وقد يؤدي إلغاء بعض هذه القواعد إلى مساعدة قادة الأعمال في التركيز على الامتثال للقواعد التي تعتبر أساسية بوضوح. وأيضاً تحرير القطاع المصرفي في قطر من القوانين والتنظيمات الصارمة ضروري لتعزيز المنافسة، والابتكار، وجذب الاستثمارات، وتحفيز الاقتصاد المحلي.
وهناك طريقتان يمكن أن تساهما في الحد من البيروقراطية المفرطة وهما بنود انقضاء الصلاحية، ومبدأ «الامتثال أو التفسير». ويتمثل بند الانقضاء في تاريخ انتهاء صلاحية القاعدة التنظيمية: فبعد خمس سنوات على سبيل المثال، تصبح القاعدة غير سارية ويجب تقديم الحجة لإعادة تطبيقها. ويمكن أن يساعد هذا الأمر في منع تراكم القواعد التنظيمية التي تصبح عتيقة وغير ذات صلة. فعلى سبيل المثال، تم إقرار بعض القوانين في قطر في تسعينيات القرن العشرين ولا تزال مطبقة إلى الآن. ويُستخدم نهج «الامتثال أو التفسير» في بعض قواعد حوكمة الشركات: فقد تنحرف الشركة عن اتباع ممارسة موصى بها بشكل قانوني، ولكن من المتوقع منها أن توضح السبب وراء ذلك. ويجسد هذا مفهوم فهم وتفسير الأساس المنطقي لممارسة معينة، ويتجنب الإجراءات العقابية في حالة حدوث الانتهاكات البسيطة. وقد لا تكون مثل هذه الأساليب مناسبة لتدابير السلامة الأساسية، ولكنها قد تكون فعالة في سياقات أخرى. استجابةً للتحديات الاقتصادية الحالية، يمكن أن يسهم تعيين ‹قيصر الكفاءة›، تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، في تسريع الإصلاحات الحكومية، والحد من البيروقراطية، وتحسين كفاءة الأداء الإداري، مما يسهم في تحسين بيئة الأعمال وتحفيز التنمية الاقتصادية لتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي ودعم نمو القطاع الخاص.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @Fahadbadar
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8838
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
4998
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4830
| 13 أكتوبر 2025