رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت النظرة السائدة بين الإسلاميين عامة والسلفيين منهم على وجه الخصوص أن الديمقراطية بمفهومها الغربي لا تتفق مع الإسلام ، وبالتالي فإن القبول بها أو الدعوة اليها يعد خروجا على قواعد الإسلام ، صحيح أن بعض علماء المسلمين - من غير السلفيين - كان لهم رأي آخر؛ حيث رأوا أن الأمة الإسلامية لايمكن أن تجتمع على غير الإسلام ومفاهيمه وبالتالي فإن الانتخابات لايمكن أن تأتي بمن يخالف الإسلام ويفرض قواعد تخالفه وبالتالي فقد رأى هؤلاء أن الديمقراطية لاتخالف الإسلام وبالتالي لم يمانعوا في التعاطي معها ودعوا الآخرين لذلك لكي لايتركوا الساحة الإسلامية لغير الإسلاميين ، وجاءت أحداث الربيع العربي فانخرط غالبية السلفيين في لعبة الديمقراطية ما عدا المتطرفين منهم حيث استمر هؤلاء على رأيهم.
لعبة الديمقراطية كان يمارسها الليبراليون والعلمانيون، وكانوا يملؤون الدنيا ضجيجا وهم يتحدثون عن الحريات العامة وحقوق الانسان وكذلك حقوق المرأة وكيف يجب أن يقفوا مدافعين عن هذه المثل بكل قوة حتى لو افتدوها بأرواحهم ، وكانوا في الوقت نفسه ينتقدون (الإسلاميين) المتعصبين الذين يحاربون الحريات وخاصة حرية المرأة، وكانوا يطالبونهم بممارسة الديمقراطية والانخراط في الحياة المدنية والدخول في الأحزاب مثل غيرهم كي لايكونوا شاذين عن عصرهم ومتطلباته!!
وجاءت أحداث الربيع العربي لتثبت أن الغالبية العظمى من دعاة الديمقراطية سقطوا سقوطا مريعا من أول اختبار، ولتثبت - أيضا - أنهم من ألد أعداء الديمقراطية ومن أكثر الناس حربا عليها!! ولم يكن هذا في بلد واحد بل في كل بلد عربي مارس الانتخابات حتى لو كانت انتخابات بلدية أو جامعية ليست بذات قيمة!!
في الجزائر وفي عام 1992م فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات فوزا كاسحا وكان مقتضى العرف الذيمقراطي أن يبارك الجزائريون هذا الفوز وينظروا ماذا ستفعل الجبهة، فإن أحسنت أعادوا انتخابها وإن أساءت انتخبوا غيرها ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل سارع الجيش فانقلب على الرئيس الشاذلي وألغى الانتخابات وأدخل قادة الجبهة السجون، ومع هذا فقد ادعوا أنهم إنما عزلوا الرئيس ولم يلغوا المسار الديمقراطي وزادوا على إفكهم بأن الجبهة هي من عطلت الديمقراطية ولهذا سارعوا بحلها وسجن زعمائها وحظر جميع أنشطتها!!
هذا الإجراء الظالم استفز مجموعة من أنصار الجبهة فأسسوا الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حارب الدولة قرابة العشر سنوات وقد قتل في هذه الحرب قرابة المائتي الف وخسرت الدولة مليارات الدولارات.
بطبيعة الحال ليبراليو الجزائروعلمانيوها لم يقفوا مع الديمقراطية التي تعلموها من فرنسا التي توصف بأنها أم الديمقراطيات في العالم بل وقفوا ضدها لأنها لم تأت بهم وشجعوا على محاربة أنصار الجبهة ووصفوهم بأبشع الصفات وكل ذنب هؤلاء أن الشعب وثق بهم واختارهم ولم يثق بأولئك وابتعد عنهم!!
وتكررت الصورة مع حماس التي فازت في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة مراقبين دوليين ، ولأن الآخرين ما كانوا يتوقعون أبدا هذه النتيجة فقد رفضوها وحاربوا حماس بصورة كبيرة أدت الى انقسام الشعب الفلسطيني وإضعافة وتسلط الإسرائيليين عليه ، ومازال هذا الانقسام الى اليوم !! وأيضا تكرر موقف العلمانيين والليبراليين من الانتخابات فهي مرفوضة لأنها لم تأت بهم ، أما الوطن ووحدته فهو آخر اهتماماتهم فالمهم أن يصلوا إلى السلطة!!
وفي مصر انكشف موقف الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين فقد ضرب هؤلاء بالديمقراطية والمبادئ عرض الحائط بل إن تذكيرهم بها أصبح جريمة منكرة! السيد مرسي فاز في انتخابات نزيهة باعترافهم، وكان من مستلزمات الديمقراطية أن يمارس سلطاته المدة القانونية ثم يترك الأمر للشعب إن شاء اختاره وإن شاء عزله عن طريق الانتخابات ولكن هؤلاء لم يطيقوا صبرا وقد رأوا أن السلطة ذهبت لغيرهم وأن الشعب لا يثق بهم فاخترعوا حكاية سلطة الشارع وماهي كذلك لمن يعقل ولكنها سلطة القوة وشهوة الحكم، وفي هذه التجربة سقطت النخبة!! سقوطا مدويا وغير مسبوق في أي مكان آخر، وقد استنكر الدكتور سيف عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة ورئيس المركز القومي للبحوث السياسية والاستراتيجية موقف النخبة المثقفة في مصر التي تحولت - حسب قوله- من نخبة محنطة إلى نخبة منحطة لأنها لم ترفض سياسات الانقلابيين التي أدت الى سفك الدماء وعودة الدولة البوليسية والاعتقالات العشوائية وضرب المتظاهرين وتكميم الأفواه وهم الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الحريات وحقوق الانسان في عهد الرئيس مرسي.
معظم الليبراليين والعلمانيين صفقوا كثيرا لتكميم الأفواه وسجن وقتل الآلاف، بل أنهم شاهدوا كما شاهد العالم صورة تلك الفتاة ذات الثماني عشرة عاما وهي تلد في السجن وكانت مقيدة بالأصفاد إلى سريرها وكل جريمتها أنها شاركت في مظاهرة يقول الدستور أنه يسمح بها ومع بشاعة المنظر لم ينكر أولئك القوم ولاذوا بالصمت المعيب!!
بالمقابل نجد أن الإسلاميين مارسوا الديمقراطية وطبقوها بصورة لايمكن مقارنتها أبدا بما فعله الآخرون ؛ ففي تونس فازت حركة النهضة بالأغلبية ولما رأت أن مدعي الديمقراطية لم يقبلوا بنتيجة الانتخابات ذهبوا الى مسألة التوافق وكانوا أكثر مرونة من الليبراليين ومن على شاكلتهم فتنازلوا عن كثير من الحقوق التي اكتسبوها للطرف الآخر، وبدا واضحا أنهم أكثر حرصا على أمن وطنهم ومواطنيهم، وكانت تنازلاتهم سببا في إجهاض ما كان يخطط لبلدهم ، وهذا الفعل سيحسب لهم وسيكون علامة فارقة لصالح الإسلاميين الذين مثلوا الفعل الديمقراطي وأكثر منه على أفضل وجه وأكمله.
وفي الكويت نجد شيئا مشابها وإن كان بدرجة أقل وذلك في انتخابات مجلس الأمة الذي كان الإسلاميون على تنوع تياراتهم يفوزون بغالبية مقاعده ، ومع نزاهة الانتخابات إلا أن أصحاب التيارات الأخرى كانوا يجهدون أنفسهم في البحث عن أسباب واهية لا قيمة لها يجعلونها سببا في فوز الإسلاميين!!
الشئ الذي يحاول العلمانيون ومن لف لفهم تجاهله وإغماض أعينهم عنه أن الاسلام هو الدين الذي يؤمن به العرب وأنهم بالتالي سيرشحون من يرونه محققا لمقتضيات ما يؤمنون به وبالتالي فلن يرشحوا من يحارب دينهم أو يهزأ به أو يستنقصه أو يتخذ من الفساد بكل أنواعه منهجا له أو يضع يده مع أعداء دينهم ولهذا استبعدهم في كل البلاد العربية التي جرت فيها انتخابات حرة ونزيهة ولهذا جن جنونهم فاختاروا الانتخابات الأخرى التي ينجحون فيها بالنسبة المعروفة سلفا وهي ٩٩٪ حتى لو جاءت على بحر من الدماء وحتى لو قادت البلاد الى معظم أنواع التخلف والتمزق والتبعية للآخرين .
التشدق بالشعارات لا يكفي وحده فالكلام الأجوف يسقط في أول اختبار، والشعوب ماعادت جاهلة ينطلي عليها معسول الكلام ولو كان العلمانيون والليبراليون يدركون ذلك لترددوا كثيرا في اتخاذ مواقف مخزية لا تتفق مع المبادئ التي يتشدقون بها كما لا تتفق مع أبسط المبادئ الإنسانية، أما الإسلاميون فمازالوا ناجحين في تجربتهم وآمل أن يستمروا على مواقفهم.
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي، ويخفق عالياً فوق جميع السواري، على إيقاعات «العرضة»، وأهازيجها الوطنية،... اقرأ المزيد
144
| 18 ديسمبر 2025
وللوطن جمال
نعم للوطن جمال بما تحمله كلمة الجمال من معانٍ ومساحات وأفراح وأشواق، إنها فطرة فطر الله تعالى الإنسان... اقرأ المزيد
138
| 18 ديسمبر 2025
اختتمت قبل أيام في الدوحة، النسخة التاسعة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في... اقرأ المزيد
90
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
756
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
717
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
648
| 12 ديسمبر 2025