رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الساعة الخامسة صباحاً يرن جرس المنبه ليُحدث في عقلي اهتزازاً مزعجاً، أستيقظ من النوم لأتخلص من بقايا أحلامي البالية، فتتشبث بي وسادتي لتمنعني من الرحيل، أتصارع معها بعينين شبه مغلقتين وحاجبين غاضبين فأطرحها صريعة، تتناثر على خريطة ملامحي مياه صالحة للشرب بها نسبة أملاح لا يُستهان بها، لأعيد الكرّة مرّات عدة حتى أستفيق من غفلتي الناعسة، ثم ألتقط لوجهي انعكاساً بمرآتي، من أنا؟ ما اسمي هذا اليوم؟ لا أعرف ، أنا مجرد كائن بشري يسير على الأرض بطريقة عكسية.
انتهيت من المرآة و دوران شريط تنبؤاتي أمام ناظري وردود أفعالي المتوقعة لهذا اليوم، أدخل إلى المطبخ، ثم أتناول رغيفاً ساخناً، وأحتسي فنجاناً من القهوة، حتى لا يتبقى به سوى مقبضه فأدّخر التهامه إلى اليوم الذي يليه، ثم أسير على الهواء هرولةً، وأهرول زحفاً حتى أكون في منتصف وقتي، أمتلك عقارب وأرقاماً، أقلاماً وحروفاً، غيوماً وأمطاراً، رعداً وبرقاً، ولكنني لا أملك أنهاراً.
كنت في هذا اليوم أرى ما لا يراه أحد، لا ألمح سوى ظلي الوحيد، شمس باردة أشعر بها وقد اخترقت أشعتها زجاج الصالة ذات اللون السكرّي، رائحة العود الكمبودي تضوع في أرجاء منزلي وتتصاعد في الفراغ، راديو والدتي الجلدي مُعلّق على الحائط المتوّجع من انغراس المسمار به، تتراقص الستارة المخشوشنة بفعل نسمات الهواء ذات البرودة القارسة ملوم ذيلها المنسدل متحركاً بإغواء على أغنية محمد عبده ...
" تذكٌر .. صوتك يناديني ...
تذكر ... تذكر ...
تذكر الحلم الصَغير ...
وجدار من طين وحصير ...
وقمَرا ورا الليل الضرير ...
على الغَدير ...
لاهَبٌت النسمَة تكسر ... "
يا لهذا الصباح الغريب، أبحث عن صدى لصوتي، لا يسير معي إلا ظلي، ويختبئ خلف ظهري الصمت وتجمدّني لسعات البرد، ربما هذا الصباح لي لا يعيش به أحد سواي وصديقي الظل الذي غالباً ما أشعر بانكساره فأقسو عليه، ثم أمارس معه تناقضاتي فأحزن عليه كثيراً، تارةً أنعته بأنه عدوي الجميل وتارةً أخرى بصديقي العطوف، وهو يراني بعينين ماكرتين وابتسامة يعلوها حزن.
خرجت من باب منزلي حتى داهمتني رائحة المطر، وتلقيت صفعة من ذلك الهواء البارد، فوضعت فوق رأسي شوارع وبشراً ومنازل وأفكاراً ترافقني، وأنا أمتطي سيارتي وأشتم خليطا من رائحة المحرّكات وبقايا المطر، نظرت إلى ساعتي وهي تشير إلى السادسة والنصف صباحاً، شعرت بشوق إلى كوب آخر من القهوة ليعيدني إلى صوابي، فلا يزال الوقت مبكرّاً.
ذهبت إلى أحد المقاهي التي تطل على بحر كورنيش الدوحة، جميع من في المقهى هم أنا وظلي وطاولة لم يرتكن عليها سوى رجل واحد، وأما بقية الطاولات فإنها تفتقد البشر في هذا الصباح اليتيم، سحبت كوبي الممتلئ بالقهوة واندفعت إلى خارج المقهى وقد اكتظت السماء بغيوم رمادية وهطل المطر من جديد.
اقتربت من مكان عملي، وقد اختلفت أشكال قطرات الغيث وكأنما قناديل تضحك وتنزل إلى مبنى الوزارة، مظلاّت تهبط وبها بشر أعينهم لامعة، وكانت تحفهم السيمفونية التاسعة لبيتهوفن يتمايلون على لحنها وهم يتهافتون أمام الباب، أدلفت من باب سيارتي وبيدي قهوتي وعيني متسمرّة على " برشوتات " تهبط في كل مكان، يحيطون بالوزارة ويطوقونها ويركضون على سطحها، تعلوها بعض الأدخنة ومدفعيات تكسر السور، دخلت لأبحث عن إجابة فوجدت علامات الاستفهام تتساقط على رأسي، هؤلاء اقتحموا وزارتي! حطموا أبواب المكاتب فرحين، سرقوا أقلامي وأحرقوا أوراقي، اعتقلوا طموحي وطموح من هم حولي.
لم أعرفهم جيداً، من هؤلاء؟ صوت لراديو آخر في أحد الممرات يتناقل خبر ذلك الاحتلال وصوت المذيع يصدح بالمكان، تتخلل أخباره بعض الفواصل لأغانٍ وطنية وأشعار حماسية، ولازلت لم أفهم ما الذي يحدث حولي، إلا بعد أن أُطلقت رصاصة في رأس طموحي من أسلحة جنود الاحتلال، وانتثرت أشلاء القهوة وأنا أنتظر دوري ليتم انتشال جثة آمالي وجثث الموظفين الشهداء، لم أكن أعلم إلا بعد وفاة طموحي بأن وزارتي قد أاحتلت من قبل مسؤولين جدد لم يولدوا يوماً في وزارتي، لم أكن أعلم أن سعادته يعشق رائحة الغربان! لم أكن أرغب مشاهدة هؤلاء الأغراب وهم يأمرون وينهون وأبناء ذلك المكان ما بين نفي وتهميش واعتقال، لم أكن أعلم ذلك إلا بعد حين وقفت عند باب أحدهم، لم يُفتح الباب لي إلى الآن، فاكتفيت بإخراج الناجين من تحت الأنقاض، فأؤازرهم وأذرف دمعاً بذرف دموعهم، ولا تزال "البرشوتات" تهبط، ولا زلنا نُضطهد! وسعادته " مستأنس ... الله يديم عليه الوناسة ويا فرحتي فيه".
نهاية المعركة:
عدت إلى المنزل وأنا عبارة عن مكعبّات صغيرة مُتفرقة، لم أجد من يلم أجزائي، وبهدوء مستميت أخرجت بعض الشظايا من قلبي الذي تحول إلى مُكعب متوقد، فأطفأته بعضاً من شذرات دموعي التائهة، ثم وجدتني وحيدة، أغلقت كل المنافذ التي رمتني بشرر، جلسنا معاً أنا ومكعباتي في أحد أركان غرفتي دونما ظلي الذي استشهد هناك، دقيقة صمت على روحه الطاهرة، ثم استمعنا إلى آخر الأغنية:
" ريانَة العُود ... نادي ...
نادي الليَالي تعُود ..
بشوق الهَوى ... بوعُود ...
بوجهي اللي ضيعته زَمَان ...
في عُيُونك السٌود ...
يا الضحكة العَذبة ...
عَنك الصٌبر ... كِذبه ...
وفيك العُمر موعود"...
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5244
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
2358
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1962
| 05 أكتوبر 2025