رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مما ميز مهرجان انطلاقة حماس يوم الثلاثاء الماضي أن عدد الحاضرين المحتفين فيه لم يجتمع لأي حركة أو تنظيم أو فعالية من قبل ، فقد كانوا مد البصر في ساحة الكتيبة الخضراء والساحات والطرقات حواليها .. وسواء كانوا - كما حزرهم البعض - ثلاثمائة ألف أو أقل أو أكثر فهم فوق أي تشكيك في عددهم وكثرتهم وأكبر من أي اتهام في نيتهم وغاياتهم وولائهم لها وصدقهم معها .. يجتمع هؤلاء لها ويحتفون بها وهي المحاصرة التي لا تملك لهم نوالا ولا مطمعا ، فوق أنها لا تستطيع حشدهم بالقوة أو بالتخويف فذلك ليس من شيم الشعب الفلسطيني أولا ولا هو من أدوات حماس ثانيا ، ولو أرادته لما استطاعته بهذا الحشد والجمع ثالثا ..
ما يجب أن يفهمه خصوم حماس وأعداؤها ( وأن لا يغيب عن قادتها ومنتسبيها وأجيالها ) أن فشل مساعيهم ومحاولاتهم لصرف الشعب الفلسطيني والرأي العام عنها وعن المقاومة قد باءت بالفشل الفاضح والمريع .. سببه ليس عجزهم عن صياغة الإشاعات ونحت الاتهامات وما أكثرها وما أجرأهم وأقدرهم عليها ! ولا قلة الموازنات والأجهزة المرصودة لذلك وما أعظمها وأخطرها وأوفرها عندهم ! ولا قدرة قادة حماس على صياغة الشعارات البلاغية والتعبيرية المؤثرة التي يدافعون بها عن أنفسهم وحركتهم مع توفر الحد الأدنى منها ! ليس هذا كله هو ميدان صراعها معهم ولا هو سبب سبقها لهم .. ولكن لأنها اختارت لنفسها سبيل ذات الشوكة ، وتجهمت طريق الابتلاءات والمصابرة الذي استثقله واستعظمه الآخرون من حواليها .. ولأنها استرخصت في سبيله التضحيات وكواكب الشهداء من قادتها ورموزها قبل منتسبيها ومواليها .. ذلك ما لا يستطيعون المنافسة فيه ، ولا طمسه ، ولا الإشاعة عليه .. لذلك يمكن القطع باليقين أن كل الإشاعات عليها ما دامت تصدر عن ذات المنطلقات ومهما استمرت أو تكاثرت أو دعمت فستبوء بالفشل دائما ، ما يعني أن حماس ستكون آمنة من كل ما يحيكون لها ويتآمرون به عليها ؛ لأنها حماس بذاتها ومنهاجها وتاريخها وليس فقط لقدراتها وسمعتها ، وقد قال الله تعالى عن أسلاف هؤلاء الحاقدين من الكفار والمنافقين إذ يمكرون بالمؤمنين ويحاولون أن يطفئوا نور الله فيفشلون ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) الأنفال 36 .. وقال ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة 32.
لقد عرفت حماس منذ كانت زهرة في بستان جماعة الإخوان المسلمين أن الاحتلال الصهيوني شر سرطاني لا تنفع معه الحلول الوسط ، وأن الصراع معه صراع وجود وكليات لا خلافا على حدود وتفاصيل ، لقد قرأت في القرآن الكريم قصة بقرة بني إسرائيل التي طلبها موسى فقاموا يسألون ويتعنتون ويتشدقون بالأسئلة التي لا تعني شيئا ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) فعلمت أن التسوية والمفاوضات مع هؤلاء لن تجدي نفعا ولن تكون إلا هراء وتغطية على الاحتلال وتمريرا للمؤامرة ولم تلتفت إليها ولم تعول عليها .. وفهمت أن أمريكا هي العدو أو كالعدو تماما لا يرتكن إليها ولا يرتجى خير عندها في قليل ولا في كثير .. وفهمت سنن التدافع وطبائع الاستبداد فواجهتها بما يفلها ويكسر حدها حتى أفشلت أعظم جيش احتلالي مدعم بكل أسباب القوة ومعد لكسر جيوش مجتمعة فأهانته ومرغت كرامته في العار والشنار .. رأى الشعب الفلسطيني ذلك فوجدها واقعية واعية ووجد رؤيتها الأصوب ونظرتها الأبعد ورجعت له بعض نفسه واتزنت بين ناظريه المعادلة التي خلاصتها ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) ..
لقد عرفت حماس أن الأقوال وحدها لا تكفي ، وأن التعويل على عبارات الشجب والاستنكار والاحتجاج والمناشدة مع العطالة والبطالة لا تجدي ولا يمكن أن تثمر إلا استغفالا وتخديرا للشعوب وهو ما يجب أن لا تنزلق إليه لأن وعي شعبها وتأجج ثورته هي الحصانة والضمانة لتفعيله واستثمار إمكاناته فقللت الكلام وأكثرت الفعل ، وأعدت وخططت وكانت عينها على غد أكثر مما هي على اليوم وعلى ما يجب أن يكون أكثر مما تحصل وكان حتى الآن .. لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس تصنع حدا من التوازن النوعي في ردع العدو جعل قادتها يلتقون ويجتمعون في مناسبات علنية عديدة دون أن يجرؤ العدو على استهدافهم أو إثارة غضبهم ؛ وهو الذي يحسب حساب غدراته وفجراته قادة وزعماء وجيوش مؤللة ومجحفلة على بعد آلاف الأميال ..
لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس سلطة لا كالسلطة التي عرفها أو كالسلطات التي سمع عنها .. تبيع الوطن والتحرير والقضية بمصالح فلان وامتيازات علان وابنه أو أخيه .. لقد رأى الشعب الفلسطيني قادة حماس وقد ملكوا السلطة وجرت بين أيديهم المقدرات ؛ رآهم في دينهم والتزامهم وفي فقرهم واحتياجهم وفي تواضعهم وبساطتهم كما كانوا قبل السلطة أيام الشظف والسجون والمطاردة .. لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس تبدع في تجاوز الأسباب الظاهرة وتكاد تصافح الخوارق والكرامات .. أليس فوق الأسباب الظاهرة أن كيان العدو بكل ما أوتي وما جهز به من قوة ومن توافر الأسباب وحشد الأتباع والأنصار يعجز عن حسم معركته معها بل عن دخول عشرات الأمتار أمام شبابها وفتيانها الأشبه بالمدنيين منهم إلى العسكريين .. ثم يلوذ أمام العالم كله والتاريخ كله بالخزي والعار ؛ وهو الذي اعتاد أن يحسم حروبه على جيوش جرارة في أيام وربما في ساعات مؤللة ومجحفلة ؟ أليس فوق الأسباب الظاهرة أن تنتهج حماس سليكة المقاومة والثورة في زمن الاستسلام والهزيمة واللطم ، ثم تلتزم المبادئ وتتمسك بالثوابت لا تحيد عنها ولا تستعفي منها في حين أن غيرها من المتمكنين والمتوسعين يعانون التهرؤ وصاروا يساومون على كل شيء وصار التميع السياسي والخيانة الوطنية والكذب عندهم ذكاء وواقعية وفذلكة ؟ أليس فوق الأسباب أن تنتهج حماس نهيجة إسلامية صريحة محضة في زمن صار فيه الإسلام تهمة وصارت دعواه قرينة للظلامية والرجعية وسببا للاستهداف والذم بكل نقيصة ثم يلتف الناس من كل الملل والأجناس حولها على مغرم لا مغنم ويؤازرونها ويدارئون ضعفهم ويؤسهم بها ؟ أليس فوق الأسباب أن تتمكن من إعادة القضية إلى بعديها الإسلامي والعربي وأن تعيد للمعركة رايتها وشعارها بعد طول بعاد صفوا من النعرات وخلوا من الجاهليات والتغريبيات والتشريقيات بيضاء ناصعة ثم تنجح في إحباط مكر كثير وكيد مرير واصلت على حوكه نظم ومنظمات وبذل عليه السخي من الموازنات وجيرت له الكثير من السياسات ؟ أليس فوق الأسباب الظاهرة أن يكون الإسلام أيديولوجيتها ومنطلقها ومنطقها ونحلة سلوكها ثم تستطيع إيجاد ما تلتقي عليه مع المخالفين والمناكفين ، وأن تتجنب الصراعات الأيديولوجية معهم بل تدشن وحدة مواقفية معهم في زمن يعج بالصراعات والاتجاهات داخل الحزب الواحد والاتجاه الواحد وتتقاسم الأوطان وفق تحيزاتها وتزايحاتها ؟
البعض يخطئ إذ يظن أن حماس ولدت يوم 14 / 12 / 1987 وينسى أنها بالمعنى الإسلامي هي وليدة التاريخ الإسلامي كله من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها في الخصوص الفلسطيني وريثة ثورة القسام وفرحان السعدي في ثلاثينيات القرن الماضي وثورة عبد القادر الحسيني في الأربعينيات وأنها بالمعنى الحركي والتنظيمي والعضوي هي وليدة جماعة " الإخوان المسلمون " الذين قاتلوا في أواخر الأربعينيات وشهد لبطولاتهم وصدق جهادهم خصومهم قبل أصدقائهم إذ ذاك .. بل إن منظمة فتح ذاتها يمكن اعتبارها إنجازا حمساويا بالمضمون الإخواني للكلمة إذا أدركنا أن معظم قادتها قد درجوا في هذه الدعوة ونهلوا من رؤيتها وانطلقوا من ساحتها - وإن اختلفت بهم السبل بعد ذلك - ! وحماس هي الإخوان المسلمون في أواخر الستينيات الذين تجسدوا فيما سمى بمعسكرات الشيوخ في أغوار الأردن والذين كان ياسر عرفات يفاخر بعملياتهم ويعير بها أتباعه إذ يقول لهم : هكذا فلتكن العمليات وإلا فلا كانت !! أما ذلك اليوم من عام 87 فما هو إلا يوم انطلاقتها بهذا الاسم المحدد .. ولم يكن يوم وجودها من عدم أو بعد أن لم تكن ..
آخر القول : حماس هي التجسيد الواقعي لقول الله تعالى في سورة الصافات ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) وهي التجسيد العملي لعظمة الشعب الفلسطيني وعنفوانه .. وما وفقت إليه فيما مضى حري أن توفق إليه فيما يأتي إن ظلت على ما عهدناها .. وهذا الظن بها والحري أن تحرص عليه وأن تعتز به ..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1248
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025