رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حمد عبدالرحمن المانع

حمد عبدالرحمن المانع

مساحة إعلانية

مقالات

559

حمد عبدالرحمن المانع

الغضب وقود الخطيئة

17 سبتمبر 2011 , 12:00ص

لاشك أن الغضب متى ما ستقر واستنفذ جهدا وأهدر وقتاً لا يستحقهما فإن هذا مؤشر الاتصال السلبي السيئ لمفردات الخطأ وزرع الحقد طالما استمرت شلالات الغضب بالتدفق لتزيح مكامن الخير، ومن المعلوم بأنه ليس ثمة إنسان على ظهر هذه البسيطة يخلو من صفة الغضب، وتتباين حدته من شخص لآخر فتجد من هو سريع الغضب أو كما يقال عصبي ومن هو بطيء الغضب أو (وسيع صدر) كما يحلو للبعض أن يسميه، ومحور الارتكاز في هذه العملية هو التحكم بالمشاعر في حالة حدوث ما يستوجب الغضب، ومسألة التحكم هنا ترتبط بعوامل مؤثرة في هذا الجانب لعل أبرزها التمالك وهي أن يملك الإنسان نفسه في هذه الحالة لا أن تضيع منه ويفقدها، ولا يوجد على الإطلاق من يرغب في فقدان نفسه إلا أعمى البصيرة، وتحقيق التوازن في هذه الحالة لا يجلب الراحة فحسب، بل نبل الذات وسمو الأخلاق وصفاء الروح يحلقون معا في سماء صافية مؤثرين العفو عند المقدرة وكظم الغيظ وضاربين أروع الأمثلة في البعد الأخلاقي الذي تكسوه الرحمة انطلاقاً من مبدأ العفو عند المقدرة والتسامح في وقت الشدة، هذا المبدأ الجليل والنبيل ما برح مانحاً الفسحة لمن أساء وندم، ودائماً ما نسمع بأن فلاناً طيب القلب وحينما تُخلع عليه هذه الصفة، فإنها من واقع الاحتكاك مع الشخص الطيب، وغالباً ما يتم القياس في طيبة قلبه من عدمها في حالات الغضب، إذ إن الإناء ينضح في هذه المرحلة بالذات ليتضح ما فيه بجلاء مع الأخذ بالاعتبار إثر الخلوة مع النفس وفي هذا الوقت الحرج والحساس إذ من شأنه كبح جماح الميل إلى النبرة العدائية داخل النفس البشرية، وقطع الطريق على مؤذي البشرية في السر والعلن الشيطان اللعين، وإذا كنت تمارس التأديب مع أحبابك بأسلوب يقطع باليقين بأن غضبك لن يضرهم أو يسيء إليهم، فلماذا لا ينسحب هذا الأسلوب مع الآخرين؟ التأديب الذي لا يلحقه مضرة تمرير للإصلاح بمفهوم يعكس دماثة الخلق وبُعد النظر وسلامة الاعتقاد، ولما كانت هناك عوامل تسهم في تأجيج الخلاف وإثارة الشحناء والبغضاء بين الناس ففي مقابل ذلك ثمة عوامل تساهم في الوقوف سداً منيعاً صلباً، تتكسر عليه محاولات إبليس اللعين وأعوانه وتئدها في مهدها بل وتجهز على ملوثات الفكر وتقطع دابرها، ويرتكز هذا في المقام الأول على مخافة الله سبحانه وتعالى وسلك الطرق السهلة والميسرة في العيش الكريم الذي يحتويه الشرف والعزة ويكسوه السؤدد وتحفه العدالة من كل جانب منضوياً تحت لواء المحبة ومحاطاً بالوئام، الابتعاد عن الإساءة يتطلب الهدوء حينما يسوق الرزانة والرصانة كعناوين مؤثرة في سياق التعقل والتدبر متألقاً كأنه البدر يضيء كل ليلة ويسطع في سماء المودة ويزداد ضياءه لمعاناً وبريقاً كلما همس اللسان بكلمة جميلة رقيقة وكلما تم غض الطرف عن تجاوزات طفيفة حينها يسجل الاتزان حضوره في حلة بهية من الترفع والنقاء وهذه من صفات النبلاء، فحرى بنا أن نمسك بالهدوء قبل أن يفلتنا ونكبح جماح النفس قبل أن تهلكنا ونزيد في الخير نستشعر قبل أن نقرر ونتدبر قبل أن نتهور وليكن شعارنا (العفو عند المقدرة) والتسامح يسبق المعذرة

وسأختم حديثي بأبيات لشاعر عربي هو عويف القوافي الفزاري ويصور الشاعر موقفاً إنسانياً كريماً يدور حول تعرض أحد أعدائه لمحنة وإحساسه بالعطف عليه والإخلاص له ونصحه رغم العداوة التي تزول وقت الشدة وسيادة الروابط الإنسانية فهو يصور أرقه وحزنه عند بلوغه خبر الكارثة وسجن عدوه وانطلاقه لمساعدته بمجرد سماعه الخبر يقول الشاعر:

ذهب الرقاد فما يحس رقاد

مما شجاك(1) ونامت العواد(2)

خبر أتاني عن عيينه موجع

كادت عليه تصدع(3) الأكباد

بلغ النفوس بلاؤه فكأننا

موتى وفينا الروح والأجساد

يرجون عثرة جدنا ولو أنهم

لا يدفعون بنا المكاره بادوا(4)

لما أتاني عن عيينه أنه

أمسى عليه تظاهر الأقياد(5)

نخلت له نفسي(6) النصيحة أنه

عند الشدائد تذهب الأحقاد

شرح الكلمات

(1) شجاك: أحزنك (2) العواد: جمع عائد وهو الزائر للمريض الذي يهمه أمره.

(3) تصدع: تتمزق (4) بادوا: فنوا (5) تظاهر الأقياد: تتراكم القيود (6) نخلت له نفسي: أخلصت له.

مساحة إعلانية