رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما يشهده العالم هذه الأيام من نزاعات وخلافات وأزمات وحروب يعكس الوضع اللا أخلاقي الذي يسيطر على العلاقات بين الدول والمجتمعات. الأخطر في هذا الموضوع هو تواطؤ عدة مؤسسات في الدولة على الشر والتضليل والتشويه والتعتيم وفبركة الرأي العام محليا ودوليا حتى يصبح يؤمن بالأكاذيب وبالوضع الذي يعيش فيه. وتأتي المنظومة الإعلامية على رأس المؤسسات التي تسعى إلى "شرعنة" الوضع البائس الذي يعيشه العالم. فالحرب الاقتصادية الأخيرة التي شنتها أمريكا على تركيا تعتبر عينة من البلطجة والغطرسة التي تفرضها الدول العظمى في قانون الغاب حيث يأكل السمك الكبير السمك الصغير ويبقى الإعلام كمنظومة تابعة للأقوى ومنظومة تؤمن بالأقوى تقدم صورة فوتوغرافية لواقع خال من الأخلاق والقيم الإنسانية لا تجرؤ وسائل الإعلام على شرح وتفسير آلياته، بل تتفنن في وضعه في "أطر" وبراويز للمحافظة على الوضع الراهن والمدح والتسبيح "للنجاحات" و"الإنجازات". ما هو دور الإعلام يا ترى؟ هل هو تجنب الحروب والأزمات والمكائد أم نشر ثقافة الوئام والمحبة والتضامن والأمن والأمان؟؟؟
فساد الإعلام يعني فساد المجتمع، فالإعلام هو منبر الحقيقة ومنبر الآراء والأفكار والوسيلة التي تطرح قضايا ومشاكل الأمة بكل شفافية وجرأة من أجل استقصاء الواقع وتصحيح الأخطاء والتجاوزات لمصلحة المجتمع بأسره. ففساد الإعلام يعني شلل أو فساد قطاع استراتيجي في المجتمع، قطاع هو ركيزة الديمقراطية والحكم الراشد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا فساد النظام الإعلامي في الوطن العربي؟ وما هي أسباب عدم فعاليته ومصداقيته؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و"كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. هناك من يرى كذلك أنه إذا فسد المجتمع فسد الإعلام. فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وديمقراطية. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. فالحرية تؤخذ ولا تعطى والإعلام هو نضال يومي مستمر من أجل الكشف عن الحقيقة وإرساء الديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون إعلام حر ومستقل وفعال.
الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام العربي وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع العربي تعاني من مشاكل وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي يعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع الممول والإعلان ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة. فهناك من يطالب هذه الأيام بإلغاء وزارات الإعلام وأن نهاية الإعلام الحكومي أصبحت أمرا يفرض نفسه في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي والرقمي وعصر الانترنت. لكن هل إلغاء وزارات الإعلام سيحل مشاكل الإعلام العربي؟ ويجعل منه إعلاما فعالا وقويا، إعلاما مستقلا قادرا على النقد والاستقصاء وكشف العيوب وإشراك الجماهير في صناعة القرارات وتحديد مصيرها؟ الإعلام العربي مسئول على تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. لكن دعنا نتوقف عن هذه الأسئلة حتى نفهم جيدا لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهاجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الإستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي.
السلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر إليه على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي.
التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إعلام فاعل يؤمن بالمسئولية والديمقراطية.
قطر والسعودية.. تكامل لخير البلدين والمنطقة
تولي القيادة في دولة قطر وفي المملكة العربية السعودية أولوية استثنائية للعلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين الشقيقين، إذ... اقرأ المزيد
51
| 05 ديسمبر 2025
كأس العرب 2025 روعة التنظيم وعمق الرسالة وتميز قطري جديد
شهدت بطولة كأس العرب 2025 التي تقام في قطر هذا العام مستوى غير مسبوق من التميّز، بدءًا من... اقرأ المزيد
75
| 05 ديسمبر 2025
الرقمنة والتحول الرقمي في قطر.. إنجازات وتحديات
تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في أواسط تلك العشرية أشتغل خبيرا إعلاميا لدى سعادة الدكتور جمعة... اقرأ المزيد
63
| 05 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2571
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1533
| 02 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1281
| 04 ديسمبر 2025