رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

246

إبراهيم عبد المجيد

هل هناك نفي في الإبداع؟

17 يوليو 2025 , 03:00ص

هذا العنوان هو سؤال قفز إليْ وأنا أرى كثيرا من التعليقات من كتاب أو مريدين لهم على أعمال من سبقوهم بأنه انتهى زمنها، لقد شمل الأمر أحيانا نجيب محفوظ. أحيلكم إلى واقعة قديمة تُنسب إلى لينين مفجر الثورة البلشفية في روسيا، التي بعدها بدأ ما سُميَ بالواقعية الاشتراكية في الكتابة، حدث أن سمع لينين بأن هناك من يرى أعمال دوستويفسكي غير مناسبة للعصر الجديد. أعمال دوستويفسكي طبعا كانت معنية بتجليات النفس البشرية في شرورها وخيالاتها، بينما الواقعية الاشتراكية تحدد الإبداع بقيمته الأخلاقية والسياسية المباشرة. بإيجاز تدين الأغنياء لصالح الفقراء. قال لينين كلمة شهيرة إنه في الإبداع لا يوجد «نفي» لكن يوجد «نسخ»، والنسخ هنا ليس إعادة الكتابة لما سبق، لكن استلهامه والبناء عليه بشكل جديد.

 مات لينين وجاء ستالين ومعه الواقعية الاشتراكية بشكل حاسم مما كان سببا في هروب بعض الكتاب إلى أوروبا أو انتحار بعضهم.

 تاريخ الإبداع هو تاريخ تطور الأشكال الأدبية قبل مضمونها. المضمون في الطرقات لكن كيف تكتب أو ترسم هو السؤال. أقرب الأمثلة تجدها في الفنون التشكيلية، فالتأثيرية أو السيريالية أو التكعيبية أو ما تشاء، هي تجليات لرؤية الفنانين للعالم. لكنها أبدا لم تكن نهائية وإلا كنا وقفنا عند مدرسة واحدة. الأمر نفسه في الأدب. المدرسة العجائبية أو الواقعية السحرية الأقرب إلى القارئ الآن، والتي انتشرت في العالم مع جابرييل جارثيا ماركيز وخورخي لويس بورخيس وغيرهم، تجد لها أصولا في ألف ليلة وليلة ولقد اعترفوا هم بتأثرهم بها. الخيال لم يفارق الإنسان في كل ابداعه، لكن هنا صار أساسيا كما كان في ألف ليلة وليلة، وإن اختلف المكان والزمان. نجيب محفوظ الذي يرى البعض أنهم تجاوزوه، أقام في مصر خيمة للرواية وكيف تجلت عبر التاريخ. لقد مرت الرواية في العالم بمرحلة تاريخية ثم كلاسيكية ثم رومانتيكية ثم واقعية حتى وصلت إلى العجائبية والحداثة ففعل نجيب محفوظ هذا كله وحده منذ رواياته التاريخية الأولى، ثم الواقعية كالثلاثية، ثم العجائبية والحداثة التي تجلت ببراعة في «أولاد حارتنا» أو «الحرافيش». أنت تقرأ مستمتعا الآن روايات لتشالز ديكنز ودوستويوفسكي وغيرهما رغم اختلاف مدارسهم الأدبية، لأن الخلود يأتي من شكل الكتابة الجديد، وموضوعاتها المتمردة على ما استقرت عليه الأفكار العادية من علاقات بين البشر وبعضهم، والبشر والسُلطة،. 

في الخمسينيات في مصر ظهر نقاد يروجون للواقعية الاشتراكية مثل محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس وكانا من أقطاب الحركة الماركسية. دخلا في جدل عنيف مع طه حسين والعقاد باعتبارهما يشجعان الأدب البورجوازي. تابعهما عدد كبير من المبدعين كتبوا قصصا وروايات تتسم بالروح الاشتراكية. ظهر بينهم يوسف إدريس يكتب عن هموم الانسان التي تبدو صغيرة لكنها تصنع روحه. نشر أولى مجموعاته القصصية بعنوان» أرخص ليالي» مع مقدمة لطه حسين الذي لم يغير العنوان ليجعله صحيحا لغويا» أرخص ليالٍ». ملأ يوسف ادريس فضاء البلاد، وتقريبا اختفى من ساروا على درب الكتابة الهادفة المباشرة التي تقسم الناس بين يمين ويسار. محمود العالم نفسه فيما بعد كتب كتابا رائعا عن نجيب محفوظ أخذ فيه الشكل الفني المساحة الأكبر، هو «كتاب تأملات في عالم نجيب محفوظ». أدرك محمود العالم أنه في الأدب لا يوجد نفي. ولعل من يقللون من شأن محفوظ أو غيره الآن يدركون، العالم حقا يمضي إلى الأمام ويتسع لكن لا ينفي أعمال أصحاب المواهب العظيمة.

مساحة إعلانية