رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد موفق زيدان

@ahmadmuaffaq

مساحة إعلانية

مقالات

1167

د. أحمد موفق زيدان

سوريا.. الجمهورية الثانية

17 يونيو 2025 , 02:00ص

في الثامن من ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي، كانت سوريا والعالم العربي والإنساني على موعد جديد في دمشق، عنوانه العريض «سوريا... الجمهورية الثانية»، ففي ذلك اليوم تنفّس السوريون والعرب والإنسانية جميعاً الصعداء، بعد أن كبت أنفاسهم جميعاً، ولعقود نظام سلطوي استبدادي، استقْوى بكل ما راكمه من إجرام داخلي وخارجي على مدى تاريخ حكمه، ومعه مليشيات طائفية، واحتلال خارجي، كل ذلك من أجل إلحاق الهزيمة بشعب صمم على الإطاحة به سلمياً، ثم دُفع دفعاً للرد على الحل العسكري والأمني للنظام، وعلى الرغم من فداحة فاتورة التضحيات التي دفعها الشعب السوري على مدى 14 عاماً إلاّ أنه أفلح أخيراً في الإطاحة به، وبحلفائه، لكنها إطاحة لم تكن للسوريين فقط، بعد أن ظهرت انعكاساتها وتداعياتها على المنطقة وما بعد المنطقة.

لا يزال السوريون يعيشون أجواء الفرح والسرور والبهجة، بدءاً من حالات الاستقبال التي تتم على مدار اليوم للمغتربين العائدين إلى مطار دمشق، بعد أن حُرموا دخول بلادهم لعقود مديدة، إذ إنه مع كل يوم تسمع عن قصص أغرب من الخيال تحكي من حرم العودة لخمسين عاماً أو أقل أو أكثر، ولكن مع هذا نشاهد الدبكات السورية والرقصات الشعبية والأهازيج وبوكيهات الورود التي تُسلم للعائدين الذين حرموا من زيارة بلدهم لعقود، ومثل هذه الاحتفالات تتكرر في ساحات المدن الكبيرة بشكل يومي، إذ إنه قلما يخلو يوم دون أفراح في ساحة السيف الدمشقي، ولعل مشاهد سائق الباص الحلبي الذي قفز من باصه الذي كان يقوده، منضماً إلى الفرقة الموسيقية التي كانت تغني وتعزف في الشارع تختصر ما يعيشه الشعب السوري من فرح وسرور بسقوط العصابة الأسدية، فلا أعتقد شخصياً مرّت علينا كسوريين فرحة طوال تاريخ سوريا القديم والحديث كهذه الفرحة.

في الجمهورية الثانية عاد الغرباء إلى أوطانهم، وخرج من كُتبت له الحياة من السجون إلى حريتهم، بعد أن قضى مئات الآلاف في سجون النظام، وعاد المهجرون في الخيام إلى بيوتهم، وإن كان معظمهم قد وجدها مدمرة خربة، ولكن مع هذا، فنصب الخيمة على أنقاض المنزل أكرم وأشرف من نصبها في أراض مستأجرة أو بعيدة عن الوطن الصغير.

في الجمهورية الثانية عادت سوريا إلى المجتمع الدولي، وعاد المجتمع الدولي إلى سوريا، برفع العقوبات التي تراكمت عليها منذ السبعينيات، مما حرم السوري أبسط حقوقه المالية في تحويل أمواله، فضلاً عن عقوبات كبلت كل سوريا اقتصادياً ومالياً وصناعياً وطبياً وإعلامياً وتجارياً وووو، ولذلك دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً لجثم عصابة مجرمة على صدره طوال هذه العقود.

لقد ودّع السوريون ومعهم العرب الجمهورية الأسدية التي أرادت أن يكون أساس بقائها في الحكم، هو زرع الفتن والتوتر والقلق، فتنفذ من خلالهما إلى التأثير على الساحات العربية والإسلامية والدولية، فساعة يستخدم النظام البائد الابتزاز بحق الدول العربية، وساعة يستخدم الإرهاب كما حصل مع عصابات بي كي كي ضد تركيا، وساعة يستخدم إرهاب التهجير من أجل إغراق تركيا والدول العربية، وحتى الغربية، بدفع الملايين إلى ترك بيوتهم، وإلاّ فالمصير القتل والبراميل المتفجرة والكيماوي، وساعة أخرى يستخدم الكبتاغون، مما جعل من دمشق عاصمة الكبتاغون في العالم، وأخيراً لجوؤه إلى استخدام الاحتلالات كحالة زعزعة للأمن العربي والإقليمي والدولي.

عاش العرب طوال تلك الفترة حالة ابتزاز مع عصابة تحكم في دمشق، فوجدوه مرضاً لا بد من التعايش معه، وهو ما حصل لعقود، حتى تمكن ثوار سوريا من اقتلاع سرطان، لطالما فتك بالشعب السوري وبالشعوب العربية والإنسانية، ليتعافى العالم كله من ذلك السرطان الذي لطالما دفع الكل ثمن وجوده، واليوم ونحن نعيش عهد الجمهورية الثانية، والتي تدعو العرب والمسلمين والعالم إلى الاستثمار في سوريا الجديدة، فتُشبك مع الجميع من أجل صالح السوريين والصالح العام، بعيداً عن لغة التسول والابتزاز التي كانت سمة النظام البائد، هذه الجمهورية الثانية هي التي تليق بالسوريين، وتليق بإخوانهم العرب، الذين يتقاطرون عليها يومياً، لدعمها والمساعدة في تعافيها.

سوريا الجمهورية الثانية هي سوريا التي طمح إليها المؤسسون، وهي سوريا التي استشهد من أجلها شهداء سوريا، منذ أول شهيد سقط على أيدي عصابات البعث في انقلاب الثامن من آذار المشؤوم من عام 1963، وحتى الثامن من ديسمبر الماضي، وسوريا اليوم في العهد الجديد هي سوريا الحقيقية التي ستظل ملاذاً حقيقياً للعرب، ومسانداً لهم في قضاياهم، وستكون مصدر دعم وتأييد ومساندة لا مصدر توتير وفتنة كما كان عليه الأمر في العهد البائد.

مساحة إعلانية