رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جزمت جل التحليلات، وكذلك معظم خبراء الشأن التركي في المنطقة وخارجها، أن الاستحقاق الرئاسي التركي سيكتب نهاية تاريخ أردوغان السياسي الذي مكث في السلطة عشرين عاما بالتمام. وذلك على خلفية أمرين رئيسيين، وبعض الأمور الفرعية، وهما، توحد المعارضة خلف المرشح كليجدار أوغلو لإسقاط أردوغان. والثاني، هو التدهور الكبير الذى يعاني منه الاقتصاد التركي، لاسيما الليرة التركية منذ ثلاثة أعوام تقريبا.
فضلا عن ذلك، ثمة أمور أخرى، ومنها، اشتياق الناخب التركي للتغيير، التعامل الحكومي غير المرضي مع كارثة الزلازل، تدهور العلاقات الخارجية لتركيا... وغيرها. ومع ذلك، حقق أردوغان المفاجأة بحصده نحو 49.34 % من أصوات الناخبين. بينما حصد منافسه القوي كليجدار أوغلو نحو 44.90 %. ليتنافس الرجلان في جولة إعادة آخر مايو، فرص أردوغان للفوز فيها أوفر بكثير. لاستبيان أسباب تحقيق أردوغان للمفاجأة، ينبغي توضيح حقيقتين رئيسيتين: أولاهما، هي طبيعة النظام السياسي التركي، إذ هو نظام متجذرة فيه العلمانية بشكل راسخ، ديمقراطي على نحو كبير جدا. ولعل نتيجة الاستحقاق الرئاسي خير دليل على ذلك، حيث لم تتقدم المعارضة بتظلمات رسمية تشكك في نتائج الانتخابات، ولم تمارس الحكومة ضغوطا، أو تلاعبات للتأثير على الناخب والمعارضة. والثاني، هو طبيعة الناخب التركي، إذ في أغلبه الأعظم- أي بقطع النظر عن انتمائه الفكري أو القومي - يعنيه أولا وأخيراً الاقتصاد ولقمة العيش.
وقد جاءت نتيجة الجولة الأولى من الاستحقاق الرئاسي لتترجم عمليا ما سبق، وتفند معها بعض الأساطير والمغالطات الشائعة عن تركيا ونظامها السياسي والاقتصادي. إذ عكست نتيجة الاستحقاق تراجعا محدودا في ثقة الناخب التركي في سياسات أردوغان الاقتصادية، وفى مستقبل الاقتصاد التركي عامة تحت قيادة أردوغان.
وفي صدد ذلك، يمكننا القول، إن غالبا ما تحدث مقاربات غير علمية أو دقيقة بين الاقتصاد التركي، واقتصادات بعض الدول التي تعاني من انهيار كبير. إذ رغم تراجع الاقتصاد التركي، والتدهور الحاد في الليرة التركية. لكن ما يتم عدم الإشارة إليه كثيرا، أو يتم التغاضي عنه، هو قوة الاقتصاد التركي في حد ذاته، ودواعمه الصلبة الراسخة لاسيما قاعدته الصناعية الضخمة، والتي ساهم أردوغان بصورة كبيرة على مدار ثلاثة عقود في توسيعها وتعزيزها. والتي لا تزال تترجم - رغم أزمة الاقتصاد التركي - في صادرات تركية تناهز مليارات الدولارات، بالتوازي مع عائدات ضخمة جراء السياحة التركية النشطة.
وعلى الجانب الآخر، ما يتم تجاهله أيضا، هو برامج الضمانات الاجتماعية والصحية السخية جدا التي يتلقاها الناخب التركي من حكومة أردوغان. بالإضافة إلى الزيادات المتوالية في الرواتب، وتوفير فرص العمل، وتوسيع قاعدة الإسكان الاجتماعي للمحدودين.
واستنادا إلى هذه الحقائق، تتبدد لدينا بعض الأساطير الشائعة، وتأتي على رأسها، أسطورة الحاضنة الإسلامية المحافظة القوية الداعمة لأردوغان. لا شك أن أردوغان وحزبه يتمتع بشعبية لدى الأوساط المحافظة في تركيا، لكنها ليست بالضخمة كما يصور البعض، ويعنى معظمها في المقام الأول الأداء والتحسن الاقتصادي.
علاوة على ذلك، هناك بعض الشخصيات والتيارات السياسية المحافظة التي تزيد شعبيتها عند تلك الأوساط المحافظة شعبية أردوغان. فضلا عن ذلك، أن النظام التركي- كما أسلفنا - يعمل وفق أسس علمانية راسخة يحترمها الجميع، وفي مناسبات لا تحصى أقر أردوغان شخصيا وعلنا أنه إسلامي يعمل في نظام علماني يستوعب الجميع. وربما قد نسينا أن أردوغان قد فاز في معركته الانتخابية الأولى عام 2002، ببرنامج انتخابي يتوعد بالتحسن الاقتصادي واحترام العلمانية، بعد عقود سوداء عاشتها تركيا جراء انقلابات عسكرية متتالية وفساد حاد، وانهيار اقتصادي تام.
ومع إقرارنا أن العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم وسيزال على المدى المتوسط، لنجاح أردوغان أو غيره. إلا أن ثمة بعض الإنجازات الأخرى التي تحسب لأردوغان، والتي يجب قراءتها من منظور الناخب التركي، وليس من عدسات غربية.
ويأتي من أهمها، نجاح أردوغان في تعزيز وزن تركيا على المستوى العالمي والإقليمي والجيوسياسى أيضا. إذ ما نحسبه مناكفات تركية متهورة مع حلف الناتو وأوروبا وبعض الدول الإقليمية، يحسب الناخب التركي باعتزاز، وباعتباره أيضا حرصا وسعيا واقعيا من دولته على تأمين مصالحها وصيانة أمنها، وتعزيز هوية وكرامة تركيا. إذ إن أردوغان بسياساته قد ناطح الكبار مثل فرنسا في شرق المتوسط، والولايات المتحدة في شمال سوريا.
علاوة على ذلك، لدى أردوغان مواقف صارمة فيما يتعلق بقضية جزيرة قبرص، ومحاربة التمرد الكردي وحركاته المسلحة، وتعد تلك قضايا قومية حاسمة للأتراك. وزد على ذلك، تمكن أردوغان من تحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية، إذ إن تغولها يثير مخاوف الأتراك بصورة كبيرة لاسيما مناصري العلمانية والليبراليين والاشتراكيين وتعيد ذاكرة سوداء لتركيا، وتهدم بالأساس أركان العلمانية الراسخة التي وضعها أتاتورك.
ملخص القول، تحقيق أردوغان المفاجأة يكمن ببساطة في استمرار ثقة قطاع عريض من الأتراك في سياسات أردوغان الاقتصادية - التي أدخلت تركيا إلى نادي العشرين الكبار - والمكاسب التي يتحصلون عليها جراء ذلك. إلى جانب، الرضا العام عن سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، أي المحافظة على أسس العلمانية، وتعزيز مكانة تركيا خارجيا. وبطبيعة الحال، يبدو جليا أن تكتل المعارضة لن يتمكن من تقديم بدائل مقنعة.
إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد
330
| 02 أكتوبر 2025
اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد
189
| 02 أكتوبر 2025
في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد
165
| 02 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6021
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4470
| 29 سبتمبر 2025