رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أثار التعميم الصادر من وزارة التعليم والتعليم العالي رقم (13) المؤرخ في 3 مارس الماضي والموجه إلى مديري ومديرات المدارس بالدولة جدلاً واسعاً في صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، والكل يدلو بدلوه من زاويته الخاصة، سواء المتخصص القانوني أو المعلم صاحب العلاقة بالموضوع، وللخوض في هذا الموضوع لابد بداية أن نقدم كل الشكر والتقدير لوزارة التعليم والتعليم العالي لحرصها الشديد على توفير بيئة مدرسية صحية وآمنة للطلبة ومنتسبي المدارس بالدولة، وأنا لست من المعتادين على توجيه الانتقاد للوزارات والمؤسسات الحكومية والمسؤولين في هذه المؤسسات، وكلنا كنّا مسؤولين ونجلس على هذه الكراسي ويجرحنا الانتقاد مهما كان الغرض منه، وهناك طرق وأساليب لتوصيل المقترحات البناءة إلى أي جهة خدمية بالدولة يجب أن نتبعها للمصلحة العامة بدلاً من التشهير في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة.
التعميم الصادر من وزارة التعليم رغم ما أثاره من جدل واسع فهو تعميم إداري داخلي لا يأخذ صفة القرار الذي يدخل مراتب التشريعات القانونية المعروفة، والغرض منه هو حث الموظف على التطعيم، وجاء في التعميم أنه لن يتم السماح بدخول أي موظف للمدرسة إلا بعد التأكد من أحد الاشتراطات الثلاثة، وهي: وجود الإطار الذهبي وختم أخذ اللقاح عند إبراز الحالة الصحية لتطبيق احتراز، أو إبراز بطاقة تطعيم كوفيد - 19، أو إحضار ما يثبت قيام الموظف بعمل فحص كوفيد - 19 بشكل أسبوعي، وهذا الإجراء يعتبر حرصاً من الوزارة الموقرة على المحافظة على أبنائنا الطلاب من التعرض لأي إصابات من هذا الوباء، وتشكر عليه الوزارة الموقرة، ولكن الجدل الواسع حول التعميم جاء في الفقرة التي تلت هذه الاشتراطات، وهو أن يتم احتساب الإجازة المرضية الممنوحة للموظف سواء المصاب بالفيروس أو تم الحجر عليه (إجازة بدون راتب).
نحن مع الوزارة في البحث عن الجزاء المناسب أو العقاب بسبب إهمال الموظف أو تخلفه عن أخذ اللقاح بدون عذر مقبول، من خلال تقديمه إلى لجنة تحقيق لتتخذ بشأنه القرار المناسب، ولكن من صاغ هذا التعميم لم يوفق في تحديد الجزاء أو العقاب المناسب لإهمال الموظف حتى لا يكون هذا الجزاء مخالفاً للقانون، حيث ورد في القانون رقم 15 لسنة 2016م بشأن إصدار قانون الموارد البشرية المدنية في الفصل التاسع منه، أن الإجازة المرضية من ضمن الإجازات الممنوحة لموظف الدولة، وتحسب الإجازات المنصوص عليها في هذه المادة ضمن مدة الخدمة الفعلية للموظف، وإذا تجاوز مجموع مدد الإجازة بدون راتب سنة، فلا تحسب المدة الزائدة ضمن مدة الخدمة الفعلية للموظف، باستثناء الإجازات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون،..........)، كما نصت المادة (68) من نفس القانون أن (على الجهة الطبية المختصة أن تمنح الموظف المصاب بمرض معدٍ، حتى إذا لم يمنعه ذلك من القيام بالعمل، إجازة مرضية إلى أن يصدر تقرير منها بشفائه، كما يجب عليها إبلاغ الجهة الحكومية التابع لها الموظف بعدم السماح له بمزاولة عمله طوال هذه الفترة.......)، والقاعدة القانونية أن القانون يأتي في مرتبة أعلى من القرارات والتعميمات الإدارية، ولا يحق لأي تشريع أدنى أن يخالف التشريع الأعلى بأي حال من الأحوال. وبالتالي لا يجوز لأي تشريع قانوني أن يخالف القانون الأعلى منه، وبما أن التعميم هو أقل درجة من قانون الموارد البشرية فإنه لا يجوز له أن يخالف أي نص تشريعي في القانون حتى لو كان هذا الإجراء جزائياً أو عقابياً أو تحفيزياً أو غيره، والقاعدة القانونية تقول (العام يظل على عمومه والمطلق يظل على إطلاقه لا يخصصه أو يقيّده إلا بنص من ذات الأداة التشريعية (القانون) أو أداة تشريعية أعلى (الدستور).
كسرة أخيرة
كلنا نقدر أن البلاد والعالم كله يمر بحالة استثنائية وطارئة تتطلب اتخاذ قرارات طارئة وخارجة عن القانون المعمول به في الدولة، ولكن يتطلب اتخاذ أي إجراء في هذا الصدد إصدار تشريع قانوني بديل أو مؤقت، وكان الأجدى أن تصدر وزارة التعليم والتعليم العالي تعميماً أو قراراً يلزم كل موظف خالف أو أهمل في أخذ اللقاح بإحالته إلى لجنة تحقيق بعد انتهاء مدة الحجر أو مدة الشفاء من الوباء، وللجنة التحقيق أن تتخذ أي جزاء أو عقاب مناسب بعد الاستماع إلى مبررات الموظف في أسباب عدم أخذه اللقاح أو مخالفته التعليمات الصادرة في هذا الشأن.
الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية
إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد
330
| 02 أكتوبر 2025
اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد
189
| 02 أكتوبر 2025
في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد
165
| 02 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6021
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4470
| 29 سبتمبر 2025