رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل ثمة ما يمكن للمرء أن يضيفه على صعيد الملاحم التي تكتب وتبث في الوقت الراهن على صعيد محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي ؟ إنني أطالع بحكم المهنة والرغبة في المعرفة ,معظم الصحف العربية المهمة وأتابع المحطات الفضائية التى تتمتع بسمعة إعلامية ومهنية , فضلا عن محطات الراديو الشهيرة خاصة في شقها الإخباري, ولكنى لم أعثر على نقطة البدء الضرورية فى المساعي الرامية لمحاربة هذه الآفة على حد التعبير الرسمي العربي – الإرهاب ,وملحقاتها وتوابعها من "داعش "وإخواتها والتي تطرق إليها الدكتور محمد الرميحي المفكر العربي الكويتي في مقاله أمس الأول بصحيفة الشرق الأوسط , والمتمثلة في محاور التعليم والإعلام والعمل, وأضيف إليها محور الدين أو الوسائط الدينية التي نتعامل من خلالها في المنطقة, والتي أسهمت في تقديري فى تقديم مفاهيم مغلوطة عن الإسلام والشريعة وأحكامها وكيفية التعاطي مع أنماط الحياة بتجلياتها المختلفة ,الأمر الذي أدخل تصورات خاطئة لدى الأذهان عن الجهاد والتعامل مع الحاكم والنخبة الحاكمة والآخر سواء كان مقيما معنا من أقليات دينية أو طائفية أو إثنية أو في العالم من حضارات وثقافات أخرى . وثمة محور مهم يتمثل فى منحه الأهمية يتمثل في البعد الفكري والقانوني والثقافي , وهو ما تطرق إليه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وهو يشرح للصحفيين مضمون القرار الذي أصدره وزراء الخارجية العرب فى ختام دورتهم ال142 بالقاهرة تحت عنوان حماية الأمن القومي العربي والتصدي للتنظيمات المتطرفة ومن بينها ما يسمى بتنظيم "داعش". إن المواجهة العسكرية والأمنية المتمثلة في إطلاق تحالف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف وداعش بالذات ,أمر لا بأس به خاصة أن الدول العربية غير قادرة بوضعيتها الراهنة على بناء شكل من أشكال التحالف العسكري الذي يكون بمقدوره التعامل مع التحديات المختلفة, وفي مقدمتها تحدى نشوء تنظيمات متطرفة باتت تعمل في العلن وتسيطر على مساحات جغرافية تزيد عن مساحة بريطانيا تمتد من حلب في سوريا إلى الأنبار في العراق , وتلك معضلة في حد ذاتها في حاجة إلى مراجعة والنظر جديا تجاوزها, بيد أن الأمر يتطلب الخروج من حالة الترهل التي تسود النظام الإقليمي العربي في المرحلة الراهنة فى ضوء سلسلة الاضطرابات غير المسبوقة والانقسامات الحادة داخل أقطاره وحالة الانشغال بالمعارك الداخلية المسيطرة على معظم الجيوش العربية ,وبل تفكك بعض أهم هذه الجيوش مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا, وإن كان الجيش المصري قد نجا بحول الله تعالى من حالة استهداف ممنهجة بفعل تماسك قيادته والدعم الشعبي الذي يحظى به في مواجهة حالات الاستهداف سواء من الداخل أو من الخارج . ومن البديهي ألا تكون مواجهة الإرهاب والتطرف والتشدد الذي تفاقمت حدته في المنطقة سريعة المردود, ولكن يمكن الحصول على نتائج مطمئنة إذا ما سارعت النخب الحاكمة بجدية باتجاه إحداث تغييرات جوهرية وحقيقية في بنية النظم السياسية وإنهاء حالة الاستبداد التي ما زالت سائدة على الرغم من اندلاع ثورات الربيع العربي, وقادت في بعض الأحيان إلى نوع من انسداد الأفق مما أدى إلى تراجع شعبي في مساندة هذه الثورات خاصة أنها لم تفض إلى خلاصات تنقذ المواطن العادي من معضلاته الحياتية اليومية, التي تكالبت عليه وبشكل خاص على صعيد ارتفاع أسعار المنتجات والسلع بكل أنواعها , والمضي قدما في تطبيق برامج حقيقية وفعالة وعاجلة للعدالة الاجتماعية ,فما طرح منها حتى اللحظة لا يتجاوز الشعارات والبيانات والتصورات ,بينما الواقع يشهد عكس ما يعلن ,فالمناطق المهشمة ما زالت تكابد مشكلاتها الحادة والتي أسهمت بشكل أو بآخر, في تزويد التطرف والإرهاب والتشدد بوقوده البشرى في محاولة للانتقام من النظم غير العادلة . هذا على المدى القصير, أما على المدى المتوسط والطويل فإن الأمر يستوجب سلسلة من الخطوات التي أتمنى على الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية بحكم ما يمتلكه من خبرة سياسية وقانونية وفكرية, أن يضعها في الاعتبار وهو يعد لتفعيل القرار الخاصة بحماية الأمن القومي العربي وأوجزها فيما يلي: أولا: إعلان المقاطعة الكاملة مع النظام التعليمي السائد فى المنطقة العربية بشقه المدني و الديني ,فكلاهما عبر المناهج الشديدة التخلف والتي تنحاز إلى الماضي وتخاصم الحداثة والوسطية ,فضلا عن الاعتماد على كتب قديمة خاصة فى بعض الجامعات الإسلامية تطرح مفاهيم تتناقض بالأساس مع جوهر الدين الذي يهدف إلى بناء الإنسان المسلم المتسامح القادر على التفاعل مع الآخر المستوعب لثقافة الاختلاف والذي لا يرمى غيره بالكفر إذا ما أبدى رؤية معارضة لسياقه الديني أو حتى السياسي ,مثلما شهدنا وما زلنا نشهده حتى اللحظة الراهنة ,. وهو ما يستوجب المسارعة بإعداد إستراتيجية عربية لما بات يطلق عليه بتغيير الخطاب الديني والذي أضحى بالفعل مستغرقا فى ماضويته وتهافته على الهوامش والفرعيات وتجنب التفاعل مع مفردات الواقع , فالمرء يستمع في خطب الجمعة وفى معظم البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية إلى قضايا ومحاور وموضوعات غير صالحة بالمرة لزماننا ,بل تجاوزها العلماء المجددون على مدى تاريخ الإسلام , وهو ما يجعلني أطالب الدكتور نبيل العربي بتخصيص مؤتمر لهذه القضية خاصة أن الأمة زاخرة بعلماء ومفكرين إسلاميين قادرين على القيام بعبء هذه الإستراتيجية المطلوبة بإلحاح فضلا عن الإشراف على تطبيقها ولكن لم تمنح لهم الفرصة طوال العقود الأربعة المنصرمة , والتي صعد فيها الخطاب التكفيرى والسطحى والهامشي والذي لا يبني وطنا أو يصوغ مسار أمة. ثانيا : البدء في الدعوة لمؤتمر يضم رموز الفكر والثقافة والإعلام الذين يتسمون بالاستنارة والرؤية القومية المدافعة عن مصالح الأمة, لتحديد المفاهيم التي ما زالت غير واضحة تجاه الإرهاب والتطرف والتشدد ثم تحديد الخطوات التي يتعين أن تبدأها على الفور أجهزة الإعلام والثقافة المؤثرة , فضلا عن النخب الفكرية من خلال إستراتيجية واضحة القسمات وقريبة في لغتها ومضمونها من أذهان البسطاء ,لتفتح أمامهم آفاقا مغايرة وتقربهم من جوهر الدين وتغرس فيهم منظومة التسامح وعدم الكراهية للآخر أو المختلف معه ,وتوضح أن الأوطان لا تبنى إلا وفق قاعدة المواطنة والمساواة بين كل المواطنين , وأنه لا سيادة إلا للقانون ولا مجال لاحتكار سلطة من هذا الفريق أو ذاك والتي يجب أن يطالها الفائز في صناديق الاقتراع وفق محددات الشفافية والنزاهة والمراقبة الشعبية, بمنأى عن تدخل السلطات التنفيذية ,أو ما يسمى بأجهزة الدولة العميقة التي نجحت في إجهاض قيم وطروحات ثورات الربيع العربي, إما لصالح قوى عتيدة لم تكن راغبة فى التغيير بالأساس, أو لصالح تنظيمات متطرفة قفزت على المشهد الوطني, وتسعى إلى فرض هيمنتها وتمددها بقوة الأمر الواقع أو بغطرسة الشعور بامتلاكها أدوات وعتاد عسكري أتيح لها من مخازن الجيوش العربية التى أسقطت أو أهدرت قواها. ثالثا : بناء منظومة قيمية قانونية بالأساس تقوم على مبدأ العدل, وهو مبدأ غائب في أغلب الدول العربية فالإحكام تصدر اتساقا مع رغبات السلطة الحاكمة أيا كانت, وفى ذلك إهدار واضح وبين لهذا المبدأ وتطبيق المساواة عند تنفيذ القوانين بين كافة المواطنين على الرغم من اختلاف هوياتهم الدينية أو العرقية , ولاشك أن ذلك يتطلب إعادة النظر في مجمل المنظومة التشريعية القائمة وبعضها ما زال يعود الى زمن الخلافة العثمانية ,فبدت مترهلة وموغلة فى قدمها وعجزها عن مواكبة الزمن الراهن بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية , فضلا عن القضاء على ما يسمى بالبطيء في إجراءات التقاضي والتي قد تمتد فترات زمنية طويلة للغاية, مما يفقد الحكم العادل بهاءه عندما يجيء متأخرا عشرات السنوات ويكون بعض أطراف القضايا قد ذهبوا إلى رحمة الله سبحانه وتعالى . *صحفي عربي من مصر
إدراك وفهم عميقان لمعنى وحقيقة يوم القيامة، اليوم الذي تنقطع فيه كل الصلات والوشائج والعلاقات التي كانت بين... اقرأ المزيد
27
| 16 أكتوبر 2025
• فرحة التأهّل إلى كأس العالم هي فرحة بطعم خاص، بطعم استضافة كأس العالم 2022، ذلك الحدث التاريخي... اقرأ المزيد
66
| 16 أكتوبر 2025
في زمنٍ سريعٍ يركض بنا دون توقف، نعتقد أحيانًا أن ما نقوله أو نفعله يمرّ بلا أثر. غير... اقرأ المزيد
42
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9027
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6534
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5700
| 14 أكتوبر 2025