رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا نقبل أن تتحول واحة الحريات إلى ساحة للتناحر
لو حدثت خطوة إغلاق مكتب "الجزيرة" أو منع مراسليها، في أي عاصمة عربية لربما كان الأمر مفهوماً في كثير من جوانبه، لكن أن يحدث ذلك في الكويت، التي عرفت خلال عقود من الزمن بأنها راعية للحريات الإعلامية، وتتمتع بانفتاح كبير، وتتقبل الرأي الآخر بكل رحابة صدر.. فإن هذا هو المستغرب، ويمثل باعتقادي انتكاسة للحريات العامة، و"انقلاباً" على الإعلام الحر، وسعياً "لتكبيل" وسائل الإعلام غير المنضوية تحت "لواء" الحكومة، والساعية لنقل المشهد بكل جوانبه، سواء ما يخص الحكومة أم الأطراف المعارضة لها.. أيا كان عددهم أو نسبتهم، لأنهم في النهاية موجودون تحت قبة مجلس الأمة.
أتساءل هل قامت "الجزيرة" بمصادرة الرأي الرسمي من برامجها خلال تغطيتها للأحداث الأخيرة في الكويت الشقيقة؟.
نحن نعرف كيف تحرص "الجزيرة" على الاتصال بجميع الأطراف في أي أزمة كانت، أو لدى تغطيتها لأي حدث، ولم يسبق لهذه القناة أن انحازت لطرف دون الآخر، إلا انحيازها للحقوق العربية، والدفاع عنها، وإتاحة الفرصة أمام الشعوب العربية، التي لا تملك منبراً للتعبير عن آرائها بكل حرية وشفافية.. لماذا لم تقارع الحكومة الكويتية الحجة بالحجة مع معارضيها، والدفاع عن سياستها وخطواتها المتخذة من خلال الحوار والرأي، بدلاً من اتخاذ خطوات لا تليق أبداً بدولة مثل الكويت، التي ظلت تمثل واحة للحريات طوال العقود الماضية؟.
دول الخليج عرفت الديمقراطية من خلال الكويت الشقيقة منذ ستينيات القرن الماضي، وظلت التجربة الكويتية مرجعاً لكثير من الدول الخليجية والعربية، وبات الكثير من أبناء الخليج يتطلعون إلى التجربة الكويتية، ويعتبرونها نموذجاً يمكن أن تسري على بقية الدول الخليجية، لكن في الوضع الراهن فإن دول الخليج وشعوبها باتت تتوجس خيفة من هذه التجربة، التي تكاد تدخل نفقاً "مظلماً" على الصعيد الديمقراطي، في ظل غياب الحوار أو على أقل تقدير في ظل ضبابية العلاقة بين المؤسسة الحكومية وبين عدد من أعضاء مجلس الأمة، وهو أمر لا نريده للأشقاء في الكويت العزيزة، الذين يهمنا جداً ما يحدث هناك، ولا نرضى أبداً أن تتعرض لأي أذى، أو اضطراب في العلاقات الداخلية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما سيؤثر سلباً على التنمية داخل هذا البلد الخليجي الشقيق، وهو ما حدث بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية من إعاقة خطوات التنمية في معظم القطاعات، إن لم نقل جميعها، وهو أمر نحزن له ونأسى كثيراً، لأن أي تنمية في أي دولة خليجية، يعود نفعها في نهاية المطاف لجميع الدول الخليجية وشعوبها.
لغة الحوار هي التي ينبغي أن تسود وتهيمن على العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في دولة الكويت، كما ينبغي ألا يكتب عن الكويت أنها أقدمت على إغلاق وسيلة إعلام، أو سعت إلى تكميم الأفواه، أو عمدت إلى إغلاق الأبواب، في وقت لم يعد لسياسات المنع والإغلاق جدوى، في عالم بات التواصل فيه عبر وسائل الإعلام الحديث هو الأكثر، وهو الأسلوب المنتشر بصورة أوسع، كلما ضيق الخناق على وسائل الإعلام المتعارف عليها.
إغلاق مكتب "الجزيرة" ليس الحل بالنسبة للأزمة القائمة في الكويت، وليس هو الحل لحالة "التأزيم" القائمة بين طرفي النزاع، وللاشتباك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فـ "الجزيرة" لم تخلق هذا الاضطراب الحاصل في العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، هناك مشكلة قائمة يجب على العقلاء في الكويت الشقيقة الالتفات إليها، ووضع يدهم عليها، بصورة مباشرة، وعدم البحث عن "شماعة" لإلقاء الأسباب عليها، لأن ذلك سوف يفاقم المشكلة.
الكويت عزيزة علينا، واستقرارها وأمنها هو أمن للخليج كله، ورفاهية أهلنا وأحبتنا فيها رفاهية لنا في قطر، لذلك لابد من البحث عن أرضية مشتركة بين جميع الأطراف للتوصل إلى منطلقات لحل الإشكال القائم.. فلا يجوز أن تبقى الطاقات والقدرات في الكويت معطلة لأسباب في كثير من الأحيان شخصية.
أين تكمن المشكلة..؟ يجب الإجابة على هذا السؤال بكل صراحة، وشفافية، في حوار بنّاء وموضوعي، لا يستهدف أفراداً أو كتلاً أو مؤسسات، إنما يكون هدفه البحث ـ بجدية وإخلاص ـ عن مواضع الخطأ والقصور، والمرض إن صح التعبير.. والالتفات إلى البيت الداخلي الكويتي للوقوف على ما فيه من خلافات واختلافات، بعيداً عن عقلية من المنتصر..؟ فإذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فإن الكويت هي الخاسر الأكبر، ولا أعتقد أن أحداً من أبنائها يرضى بذلك، ونحن قبلهم لا نرضى بذلك، فالكويت بلدنا، نفرح لفرحها، ونتألم لألمها.
سياسة الإغلاق لا تزال هي المسيطرة على العقلية العربية، هروباً من البحث الحقيقي للمشكلة، وأنا أفترض أن الكويت قد تجاوزت ذلك، ولكن بخطوتها الأخيرة تضع علامات استفهام في مسيرة الحريات الإعلامية التي اشتهرت بها الكويت، ومن المؤكد أن إغلاق مكتب "الجزيرة" سيخصم من رصيدها الإيجابي في سلم الحريات.
يحز في النفس أن تنضم الكويت من جديد إلى قائمة الدول التي ما زالت سياسة الإغلاق والاستبعاد لكل من يخالفها الرأي، هي المسيطرة على توجهاتها، وسياساتها، وتعاملها مع الآخر. الكويت التي حققت في عام 2008 مركز الصدارة في قائمة الدول العربية الأكثر حرية إعلامية ـ وفق مؤشر حرية الصحافة العالمي ـ عمدت أمس إلى إغلاق مكتب قناة "الجزيرة"، بعد أن قامت الأخيرة بتغطية متوازنة للمشهد الكويتي الأخير، المتمثل بالاشتباك الحاصل بين الحكومة وعدد من نواب مجلس الأمة، وما تعرض له عدد من أولئك النواب من "ضرب" على أيدي قوات الأمن، في مشهد غير مألوف كويتياً.. وقيام "الجزيرة" باستضافة النائب مسلم البرَّاك "صوتياً" بعد أن منعت الكويت النقل الحي للحوار مع هذا النائب.. هذا العمل الإعلامي اعتبرته الكويت تدخلاً في شأنها، دفعها للإقدام على خطوة إغلاق مكتب "الجزيرة"، اعتقاداً من الحكومة الكويتية أنها بمثل هذه الخطوات يمكنها التعتيم على الأوضاع الداخلية "المتأزمة" بينها وبين مجلس الأمة، أياً كان المتسبب فيها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1221
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
795
| 10 ديسمبر 2025