رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

207

مها الغيث

أشياء في صدر عارف حجاوي 2 - 2

13 ديسمبر 2024 , 02:00ص

إنه كتاب «شق توأم سيامي» كما عرّف به كاتبه ابتداءً، وهو وإن امتلك «شهوة الحكي» كغيره -على حد قوله - ليس «بحكّاء»، غير أنه استغرق من عمره ثلاثين عاماً يحكي مع شاشة حاسوبه، حتى تجمّع لديه كمحصلة «حكي كثير» وصار من الأجدر نشره لا سيما وهو آخذ بنصيحة صديقين، إضافة إلى أنه لا يضمّن نفسه زمرة الكتّاب الذين يكتبون لأنفسهم غير آبهين بالنشر، بل إنه كما يقول في مقدمته: «ما كتبت شيئاً إلا تمنيت أن يجد طريقه إلى الناس حتى لو جرّ عليَّ ندماً». ولضخامة ما كتب، فقد اتفق والناشر على إصدار كتابين: أحدهما بعنوان (هكذا أكتب) الذي تم نشر مراجعته الأسبوع الماضي، وقد خصّه بأحاديث عن اللغة والإعلام والتعليم، والآخر بعنوان (هكذا أفكر) زاد عن سابقه بآراء وأفكار في مجالات أخرى، وهو الذي بين أيدينا!

ففي حديثه عن نفسه، يبدو الإعلامي (عارف حجاوي) متعدد الانتماءات وهو يعلن هويته كـ «إنسان عربي مسلم»، ففي حين يكون الإنسان في نظره «سوياً» حين يحمل بداخله عدة انتماءات، يكون البلد وحيد الدين والقومية واللسان «بلد غير طبيعي». أما حديثه في (أنا والناس) فيتطرق في أحد أجزائه إلى موهبة المرأة التي قد تُدفن في عقلها مقابل مهنتي الطهي والتكاثر بلا حساب، فبجانب (مدام كوري) التي نالت جائزة نوبل مرتان، الكثير من النساء العاكفات على أعقد التجارب في مختبرات حول العالم، فيصرّ مؤكداً: «المرأة تستطيع أكثر من الطبخ والرقص الشرقي». وفي (أفكار شتى) يفرّق الإعلامي بين المثقف والمفكر وهي ليست بعملية هيّنة! فبينما يكون المثقف ذلك الذي يحرص على جمع معلومات من ميادين جمة، أدبية وعلمية ودينية وسياسية، بآراء النقاد وتحليلات المحللين، ثم يخرج بين فينة وأخرى بجملة آراء تخصه، فإن المفكر - وهو كذلك يتصدى لمعلومات ولمختلف الآراء - فهو يهضمها لكن لا يعيد إنتاجها «بل يخلق من مجموعها ومن معايشته رؤية أصيلة».. إنه مستقل وذاك لا يزال تابعاً! ثم يجيب عن سؤال وُجه له حول شاعره المفضل وما لم يجربه في الأدب ومدى رضاه عن إنتاجه، فيقول: «أحسن الروايات عندي كتب التاريخ، وأحسن ما كتب عن تاريخنا كتبه غيرنا، لأننا نعيش حقبة الهزيمة ومنذ مئات السنين، فكتاباتنا لتاريخنا مليئة بالاعتذارية والتمجيد، أو بجلد الذات بلا رحمة! الآخرون يكتبون عنا بموضوعية أكثر». أما في (حديث الأدب) الذي عرض دواوين الشعر وهي تمد الإعلامي بأفكار جاهزة كلما فكّر في أمر ما، فيقول في (ماذا أتعلم من الشعر): «قد يمر ببالي صديق لي كان يحمد ربه أن ليست له أخوات، حتى لا يتعرض لهن أحد ولا يغازلهن أحد! ثم أتذكر الخنساء التي بكت أخويها صخراً ومعاوية بديوان شعرها كله فخلّدتهما». ثم يجول في أروقة غنّاء من الشعر العربي، فيتحسر على مآل بلاد العرب التي أصبح فيها الغني يرتحل، بينما كان الفقير يرتحل سابقاً لطلب الرزق، وقد كانت بلاد العرب آنذاك عزيزة غنية، فيورد بيتين في وجوب الارتحال من أجل تحسين الأحوال، هما: «إذا كنت في دار وضامك أهلها، وقلبك مشغوف بها فتغرب / فإن رسول الله لم يستقم له، بمكة أمر فاستقام بيثرب». لكنه يقول في (الله أصل وليس معه أصل) عن منطلقاته الفكرية التي تبدأ بإدراك الله، ثم الإسلام، فالقرآن: «كنت دائماً اسأل نفسي: (ماذا عندك من الإسلام؟) ومنذ بضع سنوات أخذت أجيب: (أنا من الناس الذين عندما يُنادى في يوم الحشر: (فليلحق كل بصاحبه)، أذهب إلى حوض محمد ﷺ وأقول: أنا معك)».

ثم يظهر الإعلامي متثائباً في حديثه (شيء عن المستقبل) حين ناكفه أحد القراء في عدم امتداحه الرئيس الراحل ياسر عرفات، فذكّره بـ «طقوس عبادة الفرد» التي مارسها العرب ردحاً من الزمان ثم كفروا بها، وضرب له مثلاً في جمال عبدالناصر وصدام حسين ومعمر القذافي، كـ «فيلم» حضره عدة مرات! يستمر في حديث المستقبل ليتطرق إلى حديث يخص في أغلبه فلسطين والفلسطينيين والقضية الفلسطينية. فيقول في (فلسطين صورة المستقبل): «نظر الإسرائيليون، الذين يتعايشون مع السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية، إلى الأمر كما يلي: لسنا مستعدين للتعامل مع قيادة تخرج من جيبها صائب عريقات يتحدث عن ضرورة العودة للتفاوض، ومن جيبها الآخر مروان البرغوثي يحث على استمرار الانتفاضة، ومن جيبها الثالث تحالفاً بين فتح وحماس تنكره السلطة وتغذيه في آن واحد. القيادة الفلسطينية في نظر إسرائيل غير مأمونة الجانب وليست صاحبة الكلمة الواحدة. الإسرائيليون يقارنون سلوكها دائما بسلوك الحكم في الأردن، مثلاً، ويدركون الفارق الشاسع».

وخير ما أختم به، إجابته في مقابلة أجريت معه عمّا يشغله هذه الأيام: «وفي كل الأيام.. فلسطين»، وماذا تعني له: «تعني فلسطين لي ما تعنيه الساق العرجاء للأعرج! بعضهم يولد في بلد حر، وبعضهم في بلد يقع تحت الاحتلال.. فلسطين قدري». وبدوري أختم وأقول: ليت شعري! إنها قدر كل العرب.. الشرفاء منهم وحدهم.

مساحة إعلانية