رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جاء الخطاب السامي لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في دور الانعقاد الثالث والأربعين لمجلس الشورى شاملاً وجامعاً لما يجيش في قلوب القطريين المخلصين ، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
ولعل أهم ما يمكن التوقف عنده في ذاك الخطاب الشامل هو إشارة سمو الأمير الواضحة إلى "الحرص على المراجعة، على ضوء تقييم النتائج على أرض الواقع"، وهذا شأن الدول الناجحة التي لا تضع الخطط أو تصدر القرارات وتدعها في معية الأقدار!. لأن الظروف قد تختلف عند تطبيق الخطط أوتنفيذ القرارات، ولا بد وأن تساير تلك الخطط والقرارات متابعات تقديرية، تقف عند شكل ومستوى النتائج، ومدى قربها من الأهداف، تلافياً للأخطاء أو حلاً للمعوقات التي تعترض المسيرة. فدوماً، يظل التقويم من الأسس العلمية الناجحة لاختبار الخطط وتقييمها، في أي مجال وليس في مجالات التنمية فحسب. وبرأينا المتواضع، فإن إشارة سموه إلى هذه النقطة في بداية الخطاب، إنما هو توجيه واضح لمدى حرص القيادة على أهمية المراجعة، وتصحيح بعض الهنات إن وجدت.
وهي في ذات الوقت استكمال لخطوات إستراتيجية التنمية 2011-2016. ولم تفت سموه الإشارة الواضحة – وبكل شفافية – إلى أن بعض الجهات لم تستوف خططها التنفيذية، وهذا أيضاً مؤشر يُحسب للقيادة ، ويُنبه تلك الجهات إلى ضرورة القيام بأدوارها أسوة بالجهات التي "حققت بدايات إيجابية". وبحكم المسؤولية والرؤية الصائبة، حدد سموه نموذج التعامل مع الخطط التي تضعها الدولة، "إن الخطط لا توضع فقط لغرض إتمام الإجراء شكلياً، فهي توضع لتُطبّق"، وفي هذا توجيه أيضاً للجهات المعنية بضرورة تنفيذ أهداف الخطط التي تضعها، لأن المحاسبة ستكون حاضرة، و
" يجب أن تعتاد مؤسساتنا بدورها على احترام الخطة الموضوعة والمحاسبة بناء عليها وعلى أهدافها". ذلك أن الأشخاص يرحلون، والوجوه تتغير، لكن الخطط والمشاريع تنمو وتكبر، ولا بد أن ترتبط الخطط بخطة الدولة الشاملة، كي تسير في النهج الذي اختطته الحكومة، حتى وإن غادر المسؤول كرسيه.
هذا حديث من أحاديث الشفافية لم تعتدهُ الأدبيات السياسية في العالم العربي، الذي أدمنَ مواطنوه التهليل والتكبير لحرق المراحل، وللتضليل الإعلامي والسياسي.
كما أدمنَ العديد من حكامه كلامَ الإشادة والإطراء والمبالغات والبعد عن الواقع، حتى اكتشفت الشعوب زيفَ كل تلك "الحماسيات" التي زادت الإنسان فقراً، وزادت البلدان تخلفاً.
نحن نعتقد أن خطاب سمو الأمير الشامل، وإن تطرَّق إلى الجوار الإقليمي وتعزيز علاقة دولة قطر مع الأشقاء في مجلس التعاون، "وتعميق أواصر الأخوة بيننا مقدمة أولويات سياستنا الخارجية" وهي إشارة واضحة لواقع الحال "الملتبس" – ولن نخجل من ذكره – بين بعض دول مجلس التعاون وبين دولة قطر، استناداً إلى سحب بعض السفراء، وتداعيات ذلك على مسيرة المجلس، إلا أن سموه وضع النقاط فوق الحروف وحسم مسألة العلاقة مع دول مجلس التعاون.
ونحن نؤمن بأن مجلس التعاون يجب أن "يُغيّر اتجاه البوصلة"، لأن العالم قد تغيّر، وأن سياسات الدول الأعضاء في المجلس لا يجب أن تكون نسخاً من بعضها، بل إن النظام الأساسي للمجلس لا يُلغي سيادات الدول. كما أن التطورات العالمية المتلاحقة تحتم أن تكون لكل دولة استقلالية في القرار، بل إن الممارسة على أرض الواقع أثبتت أن العديد من قرارات القمم الخليجية لا يتم الالتزام بها من قبل جميع دول المجلس!؟. ولا أدل على ذلك من تأخير تطبيق الاتفاقية الأمنية لأكثر من 30 عاماً، وكذلك تطبيق جميع بنود الاتفاقية الاقتصاية!؟. إن بريطانيا – على سبيل المثال- لم تلتزم بالعملة الأوروبية الموحدة، فلم تتم مقاطعتها، كما أن فرنسا طالبت باستثاء ثقافي في اتفاقية (الجات) لحماية مواطنيها من "تغوّل" الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الأمريكي، رغم عضويتها في حلف الناتو وفي التحالفات السياسية والعسكرية الأوروبية الأمريكية.
كما أن وجود قيادات شابة في مجلس التعاون تحتّم ذاك التغيّر، سواء في طريقة التفكير أم في أسلوب المواجهة والشفافية، الذي يجب أن يسود المداولات والنقاشات، وأيضاَ طرق صياغة القرارات، بحيث تكون ذات دلالة واضحة وتصيب عين الهدف.
أوضح سمو الأمير موقف دولة قطر من الإرهاب؛ ورفض الدولة التطرف الديني "الذي يُسيء للدين والمجتمع" ، والنأي بالمجتمع عن تلك الممارسات المرفوضة "فلا نريد لأنفسنا ولأبنائنا أن يعيشوا في ظل مثل هذه الأفكار والممارسات"!. وتلك إشارة لماحة لكل الذين يستغلون الدين، ويلتحفونه شعاراً لتنفيذ أفكارهم الهدامة، للتغريز بالشباب، وإثنائهم عن القيام بدورهم الحضاري في التعلم وخدمة بلدانهم، والزجِّ بهم في أتون اليأس أو التواكل أو رفض نعمة الحياة من أجل الاصطفاف مع جيوش الظلام، وترويع الآمنين الذين يبنون أوطانهم، أو (قتل النفس التي حرّم الله)! وهذا موقف يسجل لسمو الأمير، بعد ازدياد موجات الظلام والتجهيل في العالم العربي، وازدياد موجة التشنج في الخطاب الديني، والعنف في الممارسة باسم الدين.
ولقد تطرق سموه إلى الأوضاع السياسية في بعض البلدان العربية مثل اليمن، فلسطين، ليبيا، العراق، مختتماً خطابه الكريم بالإشارة إلى "بناء دولة المؤسسات والقانون لا بد له من إطار دستوري وتشريعي يقوم ذلك البناء على أساسه"، وهو أمر لا بد منه كي يتم اكتمال المنظومة التشريعية التي تساهم في أداء مؤسسات الدولة، وتحفظ حقوق المواطنين.
خطاب نعتزُّ به، ويشكل نهجاً قويماً لمؤسسات الدولة، وخارطة طريق نحو قطر المستقبل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4785
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3411
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2865
| 16 أكتوبر 2025