رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

426

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

إما أن نرسم خطتنا بأيدينا.. أو يكتبها الآخرون لنا

13 أغسطس 2025 , 12:12ص

في زمن تتساقط فيه الأقنعة، لم نعد بحاجة إلى عدسات مكبّرة لنرى زيف المبادئ التي طالما تباهى بها الغرب كحقوق الإنسان، وحرية الشعوب، وحماية المرأة والطفل، وحرية التعبير، والديموقراطية، كانت شعارات يلوّحون بها في وجوهنا كالأعلام البيضاء، حتى إذا حانت ساعة الحقيقة، ذابت كما يذوب الملح في الماء، لنكتشف أنها مجرد أدوات فرض الهيمنة ومسح الهوية.

في حرب الإبادة الأخيرة، لم تكتفِ القوى الغربية وخصوصًا أمريكا بالصمت، بل انحازت علنًا إلى الجلاد، ولم تكترث لا ببيانات التنديد ولا بخطب الاستنكار، بل نسفت بانحيازها الفج ما تبقى من قرارات الأمم المتحدة، وكأن القانون الدولي كُتب لغيرنا، عند هذه اللحظة يصبح استمرارنا في الدوران داخل فلكهم مخاطرة بمستقبلنا، لا مجرّد خطأ في الحسابات.

اقتصاداتنا الخليجية تحاول منذ سنوات أن تفطم نفسها عن النفط، وهو جهد يستحق الإشادة، لكن ما دام الفطام يتم تحت سقف السوق العالمي الذي يكتب الغرب قوانينه، فالمولود الجديد لن يخرج من بيت الطاعة، نعم نحن نبني أبراج الطاقة المتجددة والمراكز المالية، لكن على خرائط مرسومة في عواصمهم، وبأدوات تحمل بصماتهم وتروج لأجنداتهم.

والسؤال هنا: هل نبني مستقبلنا ككتلة عربية على قواعد من مصالح شعوبنا وتطلعاتها، أم أننا نكتفي بتغيير المظهر الخارجي للتبعية بينما يظل جوهرها كما هو؟ إن التنمية الحقيقية ليست أرقامًا على الورق نتباهى بها على صفحات الصحف وفي نشرات الأخبار، بل قدرة على صياغة القرار الاقتصادي بعيدًا عن ضغط الأسواق وأهواء العواصم الكبرى.

وفي السياسة، لنفتح أبوابًا على الشرق، ونصافح الصين وروسيا وآسيا الوسطى، ونلوّح بعضويتنا في منظمة شنغهاي، لكن يدنا الأخرى ما زالت تمسك بحبال التحالف الغربي، هذه سياسة «التحوط» التي تبقينا واقفين على الحبل المشدود، دون أن يتوقع الآخر خطوتنا التالية.

إن الهيمنة الأخطر ليست في البورصات ولا في القواعد العسكرية، بل في المدارس والشاشات، هي ثقافة تُستورد بالجملة، تصوغ ذائقة أجيالنا، وتكتب قصصهم بلغات الآخرين وثقافتهم، هنا تُخاض المعركة التي لا تُسمع فيها المدافع، لكنها قد تحسم مصير الشعوب، وإذا كانت الجيوش تحمي الحدود، فإن الثقافة تحمي الهوية، ومن يخسر هويته يصبح تابعًا حتى لو امتلك الثروة والسلاح.

قد نكون ككتلة عربية، أو خليجية على أقل تقدير، بحاجة إلى بيان مبادئ، ليس للاستهلاك الإعلامي، بل كعقد وطني إقليمي مكتوب يتبنى الآتي:

أولًا - اقتصاد إنتاجي سيادي، يزرع غذاءه ويصنع دواءه ويبتكر تقنياته.

ثانيًا - دبلوماسية متعددة المحاور، لا تسمح بابتزازنا من محور واحد.

ثالثًا - قوة ناعمة أخلاقية، تجعل من حضورنا في العالم علامة جودة لا علامة تبعية.

رابعًا - سيادة معرفية وثقافية، تحمي عقولنا قبل أن تحمي حدودنا.

إذًا هي ليست دعوة للتمرد ولا للصدام، ولكن، إن كانت الأرض التي نقف عليها قد زُرعت بألغام الهيمنة، فليس أمامنا إلا أن نرسم خريطتنا بأيدينا، ونزرع فيها بذور السيادة لمستقبل أفضل، لقد آن أوان أن نخرج من دائرة «تطبيع الهيمنة» إلى فضاء «إدارة الاستقلال»، فالتحرر لا يعني إدارة ظهرنا للعالم، بل أن نمد أيدينا إليه ونحن واقفون على أقدامنا، لا جاثون على رُكبنا، إن التاريخ لا يرحم المترددين، والفرص لا تنتظر من يتلكأ في منتصف الطريق.

مساحة إعلانية