رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الذكرى الثلاثين لمجزرة قتل وإبادة الصرب المتطرفين 8000 شاب وفتى مسلم في سربرنتشا في الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك بدم بارد في أبشع مجزرة دينية في أوروبا انتفض العالم بأسره ورفض تلك المجزرة المروعة وتعهد بعدم تكرارها وساقوا المجرمين المسؤولين عن تلك المجزرة البشعة وعلى رأسهم ميلوسوفيتش وكراديتش إلى المحاكمة!!
لكن الواضح بعد أكثر من ثلاثة عقود ومع استمرار المجازر اليومية في كل مدينة وشارع وحي في غزة النازفة والمحاصرة والمجوعة أن النظام العالمي وما يُعرف بالمجتمع الدولي المتحضر لم ولن يتعلموا تلك الدروس بل يمارسون نفاقهم لكون الضحايا من مجزرة سريبرينيتسا إلى مجازر غزة ليسوا من دينهم ومذهبهم وعرقهم!! وإلا لتوقفت مآسي حمامات الدم النازف للشهر الحادي والعشرين في أول مجزرة تنقل على الهواء مباشرة وأمام عيون العالم بأسره.
ما يفضح التناقض الصارخ بين مبادئ القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التي يتشدق بها العالم المتحضر ويطالب باحترامها بينما يشيح بأنظاره عن مجازر يومية راح ضحيتها حسب دراسة 10 % من سكان غزة المحاصرة والمدمرة ما يعادل 200 ألف بين شهيد ومصاب ومقعد ومفقود تحت ركام مباني غزة المدمرة. في سقوط أخلاقي يفتقد لأدنى مستوى من الإنسانية. لكون الجاني محصنا ومحميا من النظام نفسه الذي يمده بالسلاح والعتاد والدعم والاسناد والغطاء السياسي.
وإلا كيف نفسر أن نتنياهو المسؤول الأجنبي الوحيد الذي زار البيت الأبيض ثلاث مرات منذ شهر فبراير 2025-والتقي في زيارته الأخيرة الرئيس ترامب ثلاث مرات. وبرغم تأكيد ترامب قبل لقائه مع نتنياهو بأننا سنعلن عن التوصل لهدنة أثناء الزيارة التي امتدت لأيام. لكن نتنياهو حضر والتقى ترامب وقادة الحزبين في الكونغرس ووزير الخارجية والمبعوث ويتكوف ولم يُعقد مؤتمر صحفي ولم يعلن عن وقف إطلاق نار. بل أرسل وفدا إلى المفاوضات لا يملك صلاحيات مفتوحة-وقدموا خرائط تقضم 40% مناطق عازلة وبقاءهم في المحاور الرئيسية موراغ فيلادلفيا! وعرض مقترح حشر الفلسطينيين تسمى زورا «مدينة إنسانية» على انقاض مدينة رفح ينقلون مليوني فلسطيني ويحشرونهم في عملية تطهير عرقي تذكر بمراكز التطهير العرقي النازية في الحرب العالمية الثانية!! وتشجيع كما يطالب عتاة اليمين المتطرف بن غفير وسموترتش «الهجرة الطوعية» من غزة بدعم نتنياهو وصمت حلفائه؟!! وهكذا عدنا إلى المربع الأول بعد 21 شهرا من حرب الإبادة الدامية.
والواقع أن تلك المواقف المتطرفة تصطدم كليا مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع حركة حماس والاتفاق الذي تم التوصل إليه في يناير وخرقه نتنياهو واستأنف الحرب في مارس الماضي.. وقد وافقت حماس على مقترح هدنة 60 يوما في المرحلة الأولى من الصفقة. وطالبت بضمانات واضحة بوقف الحرب بشكل كامل وعدم العودة لاستئناف الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بالكامل، ورفض اشتراط أن تكون المرحلة الثانية رهينة تفاوض جديد بعد الهدنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا لم يعلن عن هدنة وقف إطلاق النار كما كان متوقعا أثناء زيارة نتنياهو ولقاءاته مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض كما كان متوقعا؟
السبب عدم ممارسة ترامب الضغوط المتوقعة منه على نتنياهو الذي يبقى رهينة لليمين المتطرف في ائتلافه الذي يعارض بشدة أي صفقة تنهي الحرب والانسحاب من غزة وإطلاق سراح الأسرى دون تدمير قدرات حماس وطرد قياداتها وحتى إعادة الاستيطان في غزة. وبرغم موافقة المؤسسة العسكرية والاستخبارات الإسرائيلية على الخطة والخرائط التي قدمها الوسيطان القطري والأمريكي، لكن نتنياهو يتمنع ويرفض المصادقة والإعلان عن الهدنة في شراء للوقت حتى يخرج الكنيست في عطلته الصيفية ولا يتم حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة!! وهذا يتناقض مع مطالب حركة حماس ومقترح الوسطاء بالانسحاب الكلي وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة لشعب وتتفشى فيه المجاعة والأمراض.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين ووثائق، في تحليل كيف يطيل نتنياهو حرب غزة ليبقى في السلطة!!وأشارت غلبت على قرارات نتنياهو في حرب غـزة اعتبارات سياسية وشخصية. وتعمد ابطاء المفاوضات تحت ضغط اليمين ائتلافه، وواصل الحرب رغم تحذيرات الجنرالات. كما انتهك نتنياهو الهدنة في مارس الماضي خارقا اتفاق الهدنة بعد تنفيذ المرحلة الأولى من ثلاث مراحل تم الاتفاق عليها بوساطة أمريكية-قطرية-مصرية، وذلك للحفاظ على ائتلافه بعد اتفاق وقف إطــلاق النار في يناير 2025 قبل بدء رئاسة ترامب.
واضح لم تحقق زيارة نتنياهو ولقاءاته مع الرئيس ترامب النتائج المطلوبة حول هدنة الستين يوما. لإصرار نتنياهو الذي خرب الاتفاقات السابقة لإصراره غير الواقعي على نزع سلاح حماس وتدمير قدراتها وإطلاق سراح جميع الأسرى وهو غير ممكن تحقيقه وخاصة بعد نفاد جميع بنك الأهداف ضد حماس وتحول الحرب منذ أشهر لحرب استنزاف وقتل الأبرياء واصطياد الجوعى في مراكز توزيع المساعدات حيث استشهد حوالي 800 من المدنيين الجوعى الأبرياء ونجاح المقاومة بتكبيد العدو خسائر كبيرة بتفخيخ المباني المدمرة واستهداف دباباتهم وعربات نقل الجنود بقذائف تحرق الجنود داخلها وتدمر المباني على رؤوس جيش الاحتلال!!.
وكان لافتا ظهور انشقاقات أمريكية وأوروبية ضاقوا ذرعا بجرائم الاحتلال وخرق الاتفاقيات. وخاصة داخل تحالف الرئيس ترامب لاستمرار الدعم اللامحدود لحرب غزة!! علقت النائبة الجمهورية حليفة ترامب وعضو حركة ميغا مارجوري غرين «غير منطقي تمويلنا إسرائيل التي تملك واحدة من أقوى الترسانات العسكرية في الشرق الأوسط، بما في ذلك أسلحة نووية غير خاضعة للتفتيش الدولي. علينا قطع 500 مليون دولار إضافية من المساعدات الأمريكية لإسرائيل».
لذلك تستمر المآسي ويبقى العجز عن لجم نتنياهو ومتطرفي حكومته سيد الموقف!!
تعددت نماذج القيادة عبر الأزمان ولكن لسنا بحاجة للرجوع إلى النماذج الغربية للقيادة، فلدينا أعظم مرجع للقيادة يحتذى... اقرأ المزيد
174
| 03 أكتوبر 2025
ليس واحدا أو اثنين أو ثلاثة، بل أربعة دفعة واحدة استشهدوا مع أبناء عمومتهم والجيران، قُصف المنزل على... اقرأ المزيد
120
| 03 أكتوبر 2025
في مشهد تربوي يؤكد حضور اللغة العربية كهوية وانتماء، دشّنت مدرسة الوكرة الإعدادية للبنات يوم الخميس 25 سبتمبر... اقرأ المزيد
198
| 03 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4548
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3387
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1350
| 28 سبتمبر 2025