رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
شهدت تونس يوم الأربعاء 11 مايو الجاري عمليتين أمنيتين ضد الخلايا الإرهابية النائمة، الأولى في حي صنهاجي في معتمدية المنيلهة من ولاية أريانة (شمال شرقي البلاد) قرب العاصمة تونس، .
أما العملية الثانية، فقد حصلت في مدينة بن قردان التابعة لولاية تطاوين المحاذية للحدود الليبية، والتي حاول تنظيم «داعش» الإرهابي تحويلها في 7 مارس الماضي إلى إمارة له، .
وكانت مدينة بن قردان الواقعة في أقصى جنوب تونس، التي تعيش على التجارة والتهريب مع ليبيا، شهدت إضرابًا عامًا يوم الأربعاء الماضي، احتجاجًا على استمرار إغلاق السلطات الليبية معبر رأس الجدير الحدودي الرئيسي بين البلدين. وأغلقت المحال التجارية والمرافق العامة وصيدليات ومدارس ثانوية يجري طلابها امتحانات، في بن قردان التي يقطنها نحو 80 ألف ساكن، ونزل مئات من المحتجين إلى الشوارع بشكل غير منظم، وتجمع جزء منهم أمام مكتب «الاتحاد العام التونسي للشغل» (المركزية النقابية) الذي دعا إلى الإضراب العام.
ويعكس تنامي العمليات الإرهابية في المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر، وفي أحزمة الفقر في تونس العاصمة، إخفاق السياسة التنموية التي اتبعتها الحكومات التونسية المتعاقبة، سواء في عهد الديكتاتورية أو في مرحلة ما بعد الثورة، إذ كرست هذه السياسة التهميش في المناطق الحدودية وجعلتها سهلة الاختراق بسبب التهريب. كما أسهم قمع الحريات خاصة حرية التنظم في عهد النظام السابق في خلق مناخ عام من التصحر الفكري والثقافي والسياسي وأيضا الديني، الأمر الذي أسهم في وقوع نوع من الانفجار في تونس ما بعد الثورة، فالشباب الذي كان يرفض المشاركة في الحياة العامة ويعاني من الملاحقة في حال كان ناشطًا سياسيًا وجد نفسه ما بعد الثورة في مواجهة مشهد تونسي جديد فيه أكثر من مائة حزب سياسي وفيه أيضًا إرهابيون ينشطون أمام ناظري الدولة وهم تيّار «أنصار الشريعة» المصنّف كتنظيم إرهابي منذ أغسطس 2013 ومن فقد البوصلة من الشباب التونسي تم استقطابه وتحويله إلى إرهابي يجوب بسلاحه بؤر النزاعات المسلحة في المنطقة العربية.
ويعاني الشباب في تونس، لاسيَّما الذي لم يواصل تعليمه الجامعي، وأصبح عاطلًا عن العمل، من اضطرابات نفسية، ومن أزمات عائلية، الأمر الذي دفعه إلى الالتحاق بالتنظيمات الجهادية المتشددة، بحثًا عن المال، وتكريسًا لروح الانتقام. وها هي تونس اليوم تحصد ثمار السنوات الماضية، الانفلات والفوضى، لأن من هاجموا بن قردان وحاولوا احتلالها واستيطان الإرهاب فيها فجر 7 مارس الماضي هم هؤلاء الشباب الذين تم استقطابهم من محبطين ومن يعانون من اضطرابات نفسية ومن مشاكل أسرية واجتماعية فهم ليسوا أشخاصا أسوياء.
وتعيش تونس تحديات كبيرة اليوم في حربها ضد الإرهاب أمام تزايد عدد المقاتلين التونسيين الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية ببؤر التوتر، إضافة إلى انتشار الجريمة المنظمة في البلاد ومشاكل تهريب السلاح وتبييض الأموال وغيرها مما يتطلب توافر وسائل فعلية لمكافحة الإرهاب والجريمة وتجاوز الوضع الراهن.
وقد تكون الدولة تفطنت إلى هذه الثغرات وما استعداد وزارة الشؤون الدينية لإطلاق قناة دينية عمومية سوى دليل على وضع خطة شاملة لمكافحة الإرهاب. فالمعالجة الأمنية هي جزء من الحل. ومعالجة الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها الدولة هي الحل الأبرز لتجفيف منابع الإرهاب ومنع تفريخ الإرهابيين وتحصين المجتمع والأسرة. كما على الدولة الاهتمام بالظواهر الاجتماعية التي سهّلت اختراق المجتمع، فالعنف الأسري، والعنف بين الأزواج، والعنف بين المطلقين، كان ثغرة لاستقطاب ضحايا هذا العنف من أطفال ومراهقين وتحويلهم إلى إرهابيين.
لقد قامت الحكومة التونسية بتركيز جهاز استخبارات مستقل لجمع المعلومات المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية والخلايا النائمة، فبخلاف جهاز الاستعلامات العسكرية الموجود سابقا تم تركيز جهاز الإرشاد للأمن وخلية استخبارات للحرس تم ربطهم بقاعة العمليات ولكن تبقى المشكلة دائما في التنسيق بالنسبة للمعلومات ودراستها واختيار المعلومة المناسبة للعمليات الأمنية والاستباقية. فيجب أن يكون هناك تنسيق مع ضرورة دراسة كاملة للخلايا النائمة لأنه لا يمكن محاربتها إلا بالعمليات الاستباقية التي تأتي بناء على المعلومات المتوافرة والمعلومات المشتتة ليس لها أي قيمة لذلك وجب الربط على مستوى المخابرات والاستعلامات بالدول الإفريقية وغيرها.
فالمعلومات تأتي إلى تونس من المغرب العربي وأوروبا وكذلك الاستخبارات الأمريكية وعديد الدول التي تساعد تونس في هذا المجال وكذلك «الانتربول» ولكن الأفضل لو تم جمع مختلف هذه الأجهزة في مركز واحد يضم أفضل الكفاءات العسكرية لتجنب المفاجآت، فمثلا عملية بن قردان عملية معروفة ومنتظرة فقد قامت القوات العسكرية بتجهيز نفسها والمخطط كان موجودا ولكن حبذا لو تم القضاء عليها وهي في المهد لتجنب كل تلك الخسائر البشرية المهمة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8844
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5157
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4989
| 13 أكتوبر 2025