رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جمعان عبدالله السعدي

مساحة إعلانية

مقالات

366

جمعان عبدالله السعدي

العنوسة والطلاق.. بين غلاء المهور وعبء الديون

12 أغسطس 2025 , 01:42ص

يواجه مجتمعنا اليوم أزمة اجتماعية صامتة لكنها آخذة في التفاقم، تتجلى في ارتفاع نسب العنوسة، وازدياد حالات الطلاق المبكر. والغريب في الأمر أن السبب لم يعد خفياً: إنه غلاء المهور والمغالاة في تكاليف الزواج. تحوّل الزواج - الذي جعله الله ميثاقًا غليظًا وسكنًا ورحمة - إلى عبء مالي كبير، يبدأ بمهر يتجاوز المائة ألف، ويُستكمل بحفل زفاف تتجاوز تكلفته أحيانًا نصف مليون ريال، وقد تصل إلى مليون عند احتساب الصالات، والفنادق، والهدايا، والمظاهر الاجتماعية التي لا تُرضي الله ولا تنفع العبد.

وقد قال النبي ﷺ: «أعظمُ النكاحِ بركةً أيسَرُه مؤونةً»

[رواه أحمد والبيهقي]

فأين البركة اليوم في زواج يبدأ بالقروض، ويستمر بالأقساط، وينتهي بالمحاكم؟

الشاب في مجتمعنا لا يعارض الزواج، بل يتمنّاه، لكنه يُجبر على الاقتراض ليبدأ حياته، فيقع في دوامة ديون قد تمتد لعشر سنوات أو أكثر. ثم يبدأ التقصير تجاه زوجته - لا عن تقصير في المحبة - ولكن لانشغاله بعبء السداد، فتراه متوترًا، مشغول البال، محدود الإنفاق. وحين تعتقد زوجته أنه بخيل أو غير مبالٍ، لا تعلم أن ما يُثقله هو دينٌ فُرض عليه من البداية. وفي المقابل، تنتظر الفتاة في بيت أهلها، وكل من يتقدم يُصاب بالصدمة من المتطلبات، فيتراجع رغم رغبته في الزواج والاستقرار. وهكذا، تتسع دائرة العنوسة، ويتأخر الاستقرار، ويضعف الترابط الأسري في مجتمعٍ يُفترض أن يكون أقرب إلى الرحمة والتيسير. ورغم أن الدولة لم تُقصّر - فقد وفّرت قاعات أفراح بأسعار رمزية، ورفعت قيمة قرض الزواج بدون فوائد للمواطنين في بداية مشوارهم الوظيفي - إلا أن كثيرًا من هذه المبادرات تصطدم بعادات المجتمع التي باتت تُكبّل الشباب وتُثقل كاهلهم. في حفلات الرجال، أصبحت التكلفة لا تقل عن 150 ألف ريال، ما بين كوفيهات، ومطاعم، وخرفان، وضيافة، وتصوير، وإنتاج، و”برستيج” اجتماعي.

أما في حفلات النساء، فبعض العائلات تشترط على العريس عدم إقامة العرس في قاعات الدولة التي وُفرت لتيسير الزواج، ويُلزم بإقامته في فندق فخم بأسعار باهظة، مما يرفع التكلفة إلى أكثر من 500 ألف ريال، فقط للفندق والتجهيزات. وقبل العرس، تتوالى المناسبات: «الخطوبة”، و”الملكة”، و”الحنّة”، و”التوزيعات”، حتى يجد الشاب نفسه قد أنفق كل ما يملك، بل وتديّن فوق ذلك، ليبدأ حياته الزوجية وجيبه فارغ. وقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يريد الزواج، فقال له النبي:

«التمس ولو خاتمًا من حديد” [رواه البخاري]

إشارة واضحة إلى أن الزواج ليس قائمًا على الكماليات، بل على البساطة والنية الصالحة.

قال تعالى:

«وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”

[النور: 32]

فكيف نردّ من وعده الله بالغنى؟! وكيف نحاربه بالمغالاة والتشدد؟!

لقد آن الأوان أن نُراجع عاداتنا، ونُحيي سُنّة التيسير، ونضع حدًا لهذا التفاخر الذي أفسد بيوتنا قبل أن تُبنى. فالمجتمع الذي يُصعّب الحلال، سيفتح باب الحرام، وسيُنتج جيلًا ممزقًا بين الأمنيات والواقع المؤلم.

الزواج شراكة، لا صفقة. ومسؤولية، لا مناسبة استعراضية. فإن بدأ بالدَين، فلا عجب إن انتهى بالطلاق. 

مساحة إعلانية