رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الذين يكتبون عن المصالحة الفلسطينية هذه الأيام غالبا لا يخرجون عن ثلاثة محاور ؛ التشكيك في قدرتها على تجاوز الانقسام، أو استقراء وتحديد ما أدى إليها من دوافع لدى أحد الطرفين أو كليهما، أو تلمس محددات موقف كل منهما وثوابته التي – في نظرهم - الكاتبين - لا يجوز التنازل عنها.. أما الخلاصة المتوصل إليها من كل ذلك فهي لا تخرج في الأغلب عن إلقاء ظلال اليأس على كل شيء ومحاولة تقرير أن الطرفين أو أحدهما (حسب موقع وقناعات وانتماءات كل كاتب) إنما يناور على الآخر ويتملص من المسؤولية الوطنية والأخلاقية عما ينتظره من (فشل حتمي) والخلاصة أيضا أن الكثير من الكاتبين بوأوا أنفسهم مكانة المعلم الأكاديمي أو المرشد الروحي للمتصالحين فراحوا يقررون ما هو من حقهم وما ليس من حقهم أن يفعلوه أو يقولوه أو يقرروه.. أما لم هذا المنحى في الكتابة؟ فالأسباب كثيرة ولعل أقربها أن الكتابة بلغة الانطباعات والوعظيات والأخلاقيات هي الأسهل ومفرداتها هي الأكثر والأوفر..
العدو – قادته وكتابه – تحدثوا أيضا عن المصالحة الفلسطينية ولكنهم عكسوا الاهتمام وبدلا من الحديث التحليلي والتحكمي فيما سبقها راحوا يتناولونها من جهة مخاطرها على الشأن الصهيوني كله، واستتباع كيفية مواجهة مترتباتها، وكأنهم يصوغون خطط عمل.. وهذا هو الذي أجده أجدى وأنفع للكاتبين عن المصالحة من طرفنا.. فهي مفترق إستراتيجي على الصعيد الوطني الفلسطيني والقومي العربي والديني الإسلامي، وإن فوات الفرصة التي صنعتها هذه المصالحة لهو القاصمة التي (ما لها من فواق) نسأل الله العافية..
المطلوب الآن هو إنجاح المصالحة وإنجاؤها مما يحضر العدو لها وما يملكه فعليا من أدوات قريبة وبعيدة للعبث بها وتخريبها.. وبتعبير آخر (ومع كل الاحترام والتقدير والتواضع أمام من يكتب وما يكتب) إن الطرفين المتصالحين يواجهان اليوم تحديات نوعية وتاريخية تتطلب ثقافة واستعلاء استثنائيا على الخصوصية الذاتية والحزبية وبالتالي فهم بحاجة إلى من يقدم لهما نصحا عمليا ومهنيا وتشجيعا جديا وأفكارا إبداعية وخبرات وتجارب عالمية تفكك رموز ومصطلحات ووقائع هذا الانقسام الذي ألقى بظلاله وبعقابيله الثقيلة على كل شيء، وهما بحاجة لترسم إستراتيجية ما بعد التوقيع على المصالحة أكثر من حاجتهما لمن يزيد همومهما أو يصنع أو يضع جبهة معنوية ضاغطة فوقهما..
في هذا السياق أقول: إن السياسة ليست فن الممكن فقط ولكنها فن صناعة الممكن، وفن التحايل على غير الممكن وتطويعه أو بعضه ليكون ممكنا ؛ والسياسة أيضا ليست الجمود على قوالب جاهزة من التفكير الأحادي الاتجاه الذي يأخذ تتابعا نمطيا ولكنها تحرك وتحريك للهوامش واستثمار للفرص واستشراف للمدى.. وعليه فإن ترقية الحوار والسيطرة على الخلافات مسألة ليست سهلة ولا تحكمها المواقف المسبقة فقط أو النيات الطيبة أو اللغة العاطفية أو سلوك المخاجلات والترجيات ؛ ولكنها عمليات فنية وقدرات ذهنية تصل أحيانا لأن تكون مسائل رياضية تصوغها وتنضجها خبرات ومؤهلات مهنية.. هذه هي السياسة وهذا هو العمل السياسي ؛ أما الحنكة السياسية لقائد ما فليست في علو صوته، ولا في قدرته على التملص من المواقف، ولا في رفع سقوفه إلى غير الممكن، ولا في الضغط على الطرف الآخر إلى حد اللامنطق واللاتصالح، ولا في مجاراة الأتباع والسير مع التيار واختيار الأسهل.. ولكنها صنع انعطافات التاريخ التي تحمل كل ذلك وشيئا من نقائضه على أساس التضحية بالقليل لأجل الكثير وعلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، والمقايضة بين الخيارات.. وقديما قال الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه في مسألة بعينها " إننا نشتري بعض ديننا ببعض ".
فإذا كنا نتكلم عن حوار ليس أمامنا إلا أن ننجحه.. فإن على المتحاورين أن يمتلكوا من الشجاعة الأدبية والنظرة الكلية للأمور وميزان الترجيح الوطني والثوري ومهنية العمل ما يتجاوزون به اعتبارات الفصيل والحزب والشخص والمصالح واللحظة السيئة بإبداع فارق للأسف لم نعتد نحن العرب عليه وبالأخص في هذه الفترة المتردية من ثقافتنا المختلطة ومن إشكالاتنا الفكرية والسلوكية –
وأقول تحديدا لا تعميما: إن سر النجاح الذي يجب أن ترقى إليه حوارات ما بعد توقيع المصالحة هو أن يتخلى كل طرف عن اشتراط أن يتطابق معه الآخر على كل شيء أو أن يتنازل له عن كل مكتسباته (أو ما يتوهم أنها مكتسباته)، وسره أيضا أن يتخلى كل طرف عن فكرة أن ملفا واحدا يساوي كل الملفات وأن عدم تحقيق اختراق فيه يعني الفشل الكامل وأن تذهب المصالحة كلها إلى الجحيم..
وأقول تحديدا أيضا: العثرة في أي ملف يجب أن تكون متوقعة ويجب بالتالي التحضر لتفهمها ثم لتجاوزها.. أما كيف؟ فهنا مربط الفرس – كما يقولون – وهنا تطلب الحكمة وتمتحن الحنكة.. وليس بالصخب والحرد والتهديد ولا بالشكوى للرأي العام ولا باستعراض القوة ولا بالجمود على المواقف وتحميل كل طرف للآخر مسؤولية البحث عن مخرج ولا بتحكيم نظرية الفشل ومنطق " إما هذا أو لا شيء سواه "؟
وأقول أيضا: كم من فشل تحول في فترة أخرى أو ضمن سياق آخر لنجاح؟ وكم من أزمة أمكن حلها وتفكيك رموزها بترحيلها لمحاولة أو محاولات أخرى أو بتجزئتها والتعامل معها كأجزاء ومقايضات أو بتحريك المساعي والمقاربات لها أو بتحجيمها؟ المصالحة ذاتها ألم تكن قبل توقيعها بأسابيع بل بأيام.. بعيدة المنال؟ ثم ها هي قد تحققت!
فإن جئنا للواقع أو ذهبنا إلى التاريخ فلنا من كل ذلك عبرة! وإن شئنا فمن السيرة المطهرة القدوة والنبراس - هذا يقال لحماس وأيضا لفتح –: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترط على كل من يتفاوض معهم أو يتعاون معهم أن يطابقوه في كل شيء وعلى كل شيء؟ ألم يتحالف مع بني ضمرة في أول العهد المدني وهم كفار؟ فإن كان ذلك أول العهد المدني حيث الاحتياج ؛ فقد فعل مثله مع خزاعة آخر العهد؟ وإن قيل: ذلك تحالف على غير برنامج سياسي وعلى غير الأرض الواحدة والمشروع الواحد ولا يقتضي تفاعلات يومية وتفصيلات إثارية! أقول: لقد أقام صلى الله عليه وسلم في المدينة مشروعا سياسيا متكاملا مع اليهود بفئاتهم وقبائلهم احتوى عشرات البنود التي شملت كل نواحي الحياة اليومية السلمية منها والحربية والداخلية منها والخارجية والسياسية منها والاقتصادية ومسائل التسليح والعلاقات (ولولا أن اليهود نقضوا ما نقض لهم عهدا ولا مس لهم شرطا)!!
وإذا جئنا للغة الواقعية السياسية التي يفهمها ويتعامل بها الطرفان فإلى حماس أقول وبها أبدأ: هل كل ملفاتكم مع تنظيم الأحرار وكتائب أبو الريش وحزب الله وغيرهم.. هل كلها متفق ومتطابق عليها؟ وعندما اخترتم أو عرضتم على فتح والجهاد والشعبية.. المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية بعد الانتخابات هل كانت كل العقد معهم محلولة؟
وإلى فتح أقول وبذات اللسان: من أولى بصبركم وطول نفسكم ؛ العدو أم إخوانكم في حماس؟ وإذا كنتم على خلاف مع حماس في البرنامج أو المصالح الذاتية ؛ أليس الخلاف مع العدو خلاف دين ودنيا؟ وكم مرة تعطلت بين أيديكم – معه - ملفات واشتغلتم بغيرها؟ وكم ملف أنجزتم نصفه أو ثلثه وبقي الباقي؟ أليس كل ملفات الوضع النهائي قد اتفقتم على تأخيرها خمس سنوات يوم اتفاق غزة وأريحا؟ ثم صبرتم على تأخيرها عمليا وفعليا منذ ال93 لثماني عشرة سنة حتى الآن؟ وإذا صحت مقولة " خذ وطالب " التي طالما وكثيرا ما كررتموها لتسويق اتفاق " غزة وأريحا أولا " واعتبرتموها حنكة وحكمة فلماذا لا تصلح ولا تصح مع الأهل والأخ والجار والقريب وشريك الدم والعرض والوطن؟
آخر القول: الحوار الفلسطيني بحاجة لأن يرقى من العاطفية إلى العقلانية، ومن قصر النفس إلى طوله، ومن ثنائية النجاح والفشل، وثنائية إما معي أو ضدي إلى إمكانية ما بين النجاح والفشل، وإلى وحدانية (الدم اللي ما بصير ميه)، أما المصالحة فيجب أن ترقى لتكون أكثر من تكتيك وتحريك إلى أن تكون هدفا حقيقيا.. وأما الكاتبون فهذا ميدانهم للإبداع وهو محكهم.. لينتقلوا بنا من الحديث عن النيات المطلوبة لإنجاح المصالحة إلى الفنيات والمهارات التي لا يستغني عنها عامل في السياسة فضلا عن أن يكون قائدا وتلقى عليه مسؤوليات تاريخية بهذا الحجم..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1131
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
945
| 16 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
729
| 22 ديسمبر 2025