رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا أدري من صاغ رد الشركة المنشور يوم السبت الماضي، وهل هو على مستوى موظفي العلاقات العامة أو مستوى إدارة الشركة، ولكن أيا كان الرد، فهو اقتصر على نفي كل شيء باستثناء الدعم اللا محدود الذي يحصل عليه المشروع من سمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين، وحتى هذه النقطة لم يكد يجزم بها عندما قال: "ولعلنا نصيب إذا قلنا بأنه بدون دعم سمو الأمير وولي عهده الأمين..."
قبل أن أرد بالتفاصيل، انوه بأنه منذ نشر المقال وصلني العديد من الرسائل وتلقيت كثيرا من المكالمات تثني على المقال وكانت إحداها من الزميل أحمد الرميحي رئيس تحرير جريدة العرب، يحيلني الى موضوع نشرته "العرب" نقلاً عن الفايننشال تايمز البريطانية في 1 أبريل 2011، ذكرت فيه ارتفاع أسعار الشراء في اللؤلؤة، حيث تقول فيه الجريدة: "إن الشراء في الدوحة — يقصد اللؤلؤة — ليس صريحاً وواضحاً كما يقول سامي يوسف المدير الإداري في "بيتر هومز" للعقارات، اذ يقول: من بين المشاكل الأخرى هناك توصيل "قطر كوول" للتبريد وهو رسم إضافي يضاف عند اكتمال البناء لتوصيل الماء والتكييف والكهرباء، وقد دفع صديق لي 86 ألف ريال، الأمر الذي مثل صدمة له. وقد فاجأت التكاليف الخفية هيثر النويري وهي مواطنة أمريكية اشترت شقة في اللؤلؤة في عام 2007 بمبلغ 3 ملايين ريال قطري، حيث تقول "إن علينا دفع 7،300 ريال شهريا من أجل الصيانة، وهو ما لم يكن موجودا في الأوراق الأصلية". انتهى كلام الفايننشال تايمز.
وقد أثبت الرد ما قلته في مقالي السابق بأن الشركة المتحدة "أقل المتضررين وأقل المتحمسين لإيجاد حل لهذه المعضلة. وكان التعالي واضحاً في اتهام المستثمرين والمطورين بالفشل، وفي "أن استثمارات الشركة غير مسبوقة ومتميزة يتقاصر عنها اعتى تسونامي وينكسر أمامها ". مع أننا لم نلق كل اللوم على الشركة المتحدة ولكننا أبرزنا مشكلة نعتقد أن الجهود يجب أن تتضافر بين الشركة المتحدة والمطورين والمستثمرين للخروج بحلول وسط تعيد الحياة إلى الجزيرة.
وجاء رد الشركة نافياً لمسألة قيام الحكومة بشراء شبكة الكهرباء في الجزيرة، وكاد يثبتها عندما ذكر مبلغ الـ 1.4 بليون ريال وبأن الشركة لم تتسلم أي دفعات مقابل استملاك كهرماء للمحطات حتى اللحظة". وأنا أجزم بأن المخطط للمشروع كان في تسلُم وصلة الكهرباء الحكومية وشراء الطاقة على بوابة الجزيرة، على أن تقوم الشركة المتحدة بتوزيعها في الجزيرة وبيعها للسكان بمعرفتها وبأسعارها!!
وبعد أن تعثر المخطط لأسباب لا نريد أن نسترسل في ذكرها، استجدت الشركة الحكومة للتدخل وإنقاذها من ورطتها بأن قامت الدولة بشراء المحطات والخطوط في الجزيرة بالسعر المذكور. وأنا أعرف عن هذه الجزئية كما أعرف أن بيدي 10 أصابع.
مشكلة اللؤلؤة التي تتجنب الشركة إقرارها هي عزوف الناس عن الشراء في الجزيرة، ومن اشترى لغرض الاستثمار أو التطوير والبيع لاحقاً تورط في أسعار باتت أعلى من أسعار السوق. وما ذكرته عن ملاحظات المشاركين في معرض العقار السادس عن أسعار البيع وتكاليف ورسوم المعيشة في اللؤلؤة وما ذكرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية ما هو إلا إثبات لأمر مؤكد لا ينكره إلا مكابر.
وجاء تبجح الشركة في الرد على هذه الجزئية في أن "الرسوم والمصاريف والتكاليف تقل عن كثير من المشاريع المماثلة، وذلك لأن الشركة المتحدة للتنمية تدعمها من حر مالها"!! ونحن نعرف أن مشاريع كثيرة مشابهة في دبي تدفع فيها رسوم أقل من اللؤلؤة. ولكن لا ندري ما مقصد الشركة من "أنها تدعمها من حر مالها"!! أليس هو مال مساهمي الشركة وما حققته الشركة من أرباح بلغت 515 مليون ريال في عام 2009 و617 مليون ريال في عام 2010 والسنوات السابقة، وهي أرباح جاءت من عمليات البيع في الجزيرة ودفع قيمتها المستثمرون والمطورون والملاك؟!! وهل للشركة أموال من مصادر أخرى غير "حر مالها"!! أفيدونا أفادكم الله.
أما ما ذكره الرد بشأن الرسوم التي لا تتعدى الـ 6 ريالات شهرياً على المتر المربع التي تحصلها الشركة، فهذه الرسوم ليست آخر المطاف بالنسبه للملاك، فهناك تكاليف سنوية تقارب 150 ريالا للمتر المربع، تدفع لما يسمى بـ "اتحاد الملاك" الذي تفرض الشركة المتحدة قيامه في كل برج لصيانته والحفاظ عليه. وإن كان هذا الاتحاد يتألف من الملاك لكنه في النهايه يستوجب دفعات مفروضة وملزمة ولا مهرب منها بغض النظرعن مَن المستفيد!. وحسب علمنا فإن اتحاد الملاك الذي تشير إليه "المتحدة" في ردها، اتحاد على الورق فقط، ولم نستطع الوصول إلى أي شخص يتحدث باسم هذا الاتحاد بالرغم من تحدثنا الى العديد من المطورين والمستثمرين والملاك.
وفي ذات الجزئية المتعلقة بالرسوم والمصاريف، سأختار 3 تعليقات من ملاك نشروا تعليقاتهم في موقع Arabian Business.com في يوليو 2009، رداً على اتهامات نفتها شركة قطر كوول — شركة مملوكة 51% من الشركة المتحدة — بشأن ارتفاع تكلفة توصيل التكييف التي تراوحت بين 50،000 و 146،000 ريال. يقول كاتب المقال الكس دلمر مورغن: "يبدو الأمر أشبه بمقولة "انه ليس خطئي". فشركة قطر كوول تلقي باللوم على المطورين، والمطورون يلقون باللوم على قطر كوول، والضحية هم الملاك. ويطالب كيفن مكدونلد بتدخل الحكومة القطرية لإنقاذ المشروع بقوله: "الشركة المتحدة ستخنق المشروع، اللؤلؤة ستموت موتة بطيئة. فالطلب من المالك دفع 150،000 ريال لتوصيل الخدمات المختلفة ليس إلا ابتزازا". والأهم ماقاله آخر على نفس الموقع: "لدي سؤال واحد أود أن أوجهه للشركة المتحدة والمطورين الآخرين وشركة قطر كوول ألا وهو: أتدرون من الذي بمقدوره أن يعمل على إنجاح مشاريعكم أو إفشالها؟ الجواب ببساطة هو العميل". والسؤال الآن: كم عدد العملاء الراضين وغير الراضين عن الوضع والأسعار في الجزيرة؟
كما قلت، فقد غاب عن أصحاب الرد المقصد الأساسي من المقال وهو عزوف الناس عن الشراء أو السكن في الجزيرة للأسباب التي ذكرتها. فالمشروع ليس جزيرة ذكية وأنظمة بيئية فقط وإنما حياة وتعايش طالما سوقت لها الشركة في إعلاناتها وتصريحاتها وموقعها الإلكتروني. فالترويج للجزيرة كان في أنه سيقطنها 41 ألف نسمة حال انتهاء المشروع في 2011. ونحن نعلم أن أول القاطنين سكن الجزيرة في 2009. والسؤال الآن: كم عدد قاطني الجزيرة اليوم مقارنة بالمتوقع؟ وأرجو ألا يأتي الجواب أن هذا ليس من شأنكم وأنكم غير مسؤولين عن عدم سكنى الوحدات التي بيعت.
جاء في رد الشركة تساؤل يلقي باللوم والفشل على الشركات والمستثمرين: لماذا نجح البعض وفشل آخرون في تسويق مشاريعهم؟ والتساؤل لا يحتاج الى "اينشتاين" ليجيب عنه. من نجح كان قد اشترى المتر بـ 7،000 ريال وسوقه بـ 10،000 ريال، ومن فشل كان اشترى المتر بـ 17،000 ريال ولم يستطع تسويقه بـ 17،001 ريال بعد ان ضربت الازمة العقارية السوق وهوت بالأسعار إلى أدنى بكثير من سعر الشراء. فهل هذا يحتاج الى تساؤل من الشركة حتى تفهمة!!
ثم — عذرا — أيها المتحدة، لماذا فشلت شركات لديها خبرة عقارية كبيرة أدارت وسوقت بنجاح الكثير من المشاريع في قطر ودول الخليج وفشلت في اللؤلؤة فقط؟! ودعنا نقر افتراضا أن الشركات والمستثمرين فشلوا في التسويق كما تقولون، هل تستطيع الشركة المتحدة أن ترينا مهاراتها في التسويق وتقوم بالتسويق نيابة عن الفاشلين الآن، وبالأسعار التي اشترى بها الكثير من المستثمرين والملاك. وهل يمكنها التنازل عن الـ 2.5% من قيمة إعادة البيع للآخرين لتحسن من العائد الاقتصادي لعمليات بيع الوحدات مع أن هذا لا يكلفها أي درهم إضافي.
وفي ختام خطابها تدعونا الشركة لزيارة مواقع العمل في الجزيرة، وتتمنى علينا في ردها أن نتأكد من معلوماتنا قبل النشر، وأن "ليس كل ما يلمع ذهباً ". وهذه حقيقة لا نختلف عليها، ونذكرها ايضاً بأن ليس كل ما في البحر لؤلؤاً. وإذا كانت لنا زيارة للجزيرة، فليس لمواقع العمل أو مشاهدة عمارات خاوية، بل للاطلاع على ملفات الشركة ودفاترها حتى نتأكد إذا ما كانت معلوماتنا التي نشرناها صحيحة أم خاطئة. وإذا كانت صحيحة فتأكيدها للمساهمين حق لهم، واذا كانت خاطئة لهم منا اعتذار ينشر على مقدار الصفحة يصحح المفاهيم المذكورة وجزئياتها.
وكلمة أخيرة لمن يهمه الأمر، مشروع اللؤلؤة مشروع وطني في المقام الأول كونه فريداً من نوعه في قطر وواجهتها الحضارية الجديدة. فالجزيرة ليست عمارات ووحدات سكنية وممشى تجاريا فقط، بل يجب أن تموج بحركة تعج بالحياة من سكان ومرتادين لهذا الصرح المميز. ومن قصر النظر الادعاء بأن المشروع بألف خير كما تدعي الشركة المتحدة، في حين أن هناك عددا من القضايا المتشابكة في المحاكم بين المتحدة والمطورين والملاك، وما زالت مئات الوحدات تنتظر سكانها. الوضع يحتاج إلى دراسة ومراجعة للخروج بأفضل الحلول وأنسبها. وليست الملامة كلها على المتحدة، ولكنها ليست في حل من أنها جزء من المشكلة. وإذا أردنا الخير لهذا المشروع فعلى الأطراف كلها أن تضحي من أجله. وإذا خطا المطورون والمستثمرون خطوة في اتجاه حل وسط، فعلى المتحدة أن تخطو خطوتين. فنجاح المشروع أو فشله يقعان في المقام الأول على عاتقها.
نشرت "الشرق" في عددها الصادر يوم الأحد الماضي 10 أبريل 2011 ردا من شركة المتحدة للتنمية على مقالي المنشور في ذات الجريدة يوم 3 أبريل تحت عنوان "تسونامي جزيرة اللؤلؤة".. وجاء الرد خاليا من أي إقرار بأن هناك أي مشكلة في جزيرة اللؤلؤة، وبالعتب على كاتب المقال في إبراز وجهة نظر واحدة "بُنيت على القيل والقال وضرب الأمثال" وعدم الرجوع لسماع رأي الشركة المتحدة، وأننا نسبنا الكلام إلى مجهولين وغاب عنهم أن خطابهم جاء من مجهول بدون اسم أو توقيع.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التوطين أو التقطير ليس مجرد رقم أو نسبة أو شعار يوضع على الوظائف بأسماء قطرية، بل هو مشروع وطني استراتيجي شامل يهدف إلى بناء مستقبل مستقر ومزدهر للبلاد وأجيالها، تقوده الكفاءات الوطنية في مختلف مجالات الحياة والخدمات اليومية. إنها استراتيجية طموحة تؤمن بقدرات الشباب وتفتح أمامهم آفاق الإبداع الوظيفي في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على وجه الخصوص. ولكي ينجح هذا المسار، لا بد أن يقوم على ركائز أساسية: “التخصصية” في اختيار الكوادر المناسبة لتلبية احتياجات سوق العمل، و“التدريب” الذي يصقل المواهب، و“التأهيل” الذي يرسخ الخبرات، و“التشجيع” الذي يعزز الثقة بالنفس، إضافة إلى “المتابعة والإرشاد” لضمان استمرارية الأداء وتحقيق الأهداف. فالمطلوب ليس فقط إعداد موظف ماهر، بل صناعة جيل قادر على المنافسة بما يمتلكه من مهارات عملية وفنية وإبداعية وقيادية، وحتى أخلاقية. ومع ذلك، ما زالت بعض المؤسسات، خصوصًا في القطاع الخاص، تعاني من ضعف في توظيف الكوادر الوطنية المؤهلة. التحدي الحقيقي لا يكمن في غياب الكفاءات، بل في ضعف البيئات الحاضنة ورفضها لاستيعاب هذه الطاقات. من هنا، يصبح من الضروري أن تستثمر الشركات في الكوادر الوطنية، وأن تجعل هدف التوطين من أولويات مجالس إدارتها، مع إلزام الرؤساء التنفيذيين بوضعه ضمن أهدافهم الاستراتيجية (Vision) ومنحهم الدعم الكافي لتحقيق هذا الهدف. ولا يقتصر التوطين على الموظفين فحسب؛ إذ شملت التشريعات الأخيرة إشراك المتقاعدين القطريين الأكفاء القادرين على العطاء، باعتبارهم رصيدًا وطنيًا لا يستهان به من الخبرات العملية. هؤلاء يشكلون قيمة مضافة للشركات، خصوصًا في القطاع الخاص، بما يقدمونه من استشارات وخبرات تراكمية تقلل من الحاجة إلى الخبراء الأجانب والمكاتب الاستشارية المكلفة. إنهم بمثابة عامل محفّز (Catalyst) قادر على تدريب الأجيال ونقل المعرفة دون أن يشكلوا عبئًا ماليًا إضافيًا على المؤسسات. وفي هذا السياق، جاء صدور القرار الأميري السامي رقم (27) لسنة 2025 بإنشاء جائزة قطر للتوطين في القطاع الخاص ليشكل دفعة إضافية ومحفزًا قويًا لتشجيع المؤسسات على تعزيز جهودها في استقطاب الكفاءات الوطنية، وإبراز دورها في دعم التنمية المستدامة من خلال التوطين الفعّال. وتبرز تجربة قطر للطاقة (QatarEnergy) كنموذج ملهم لنجاح عملية التوطين. فقد تمكنت، رغم الصعوبات في بداياتها منذ انطلاقة الخطة الوطنية لتقطير (Qatarization) في قطاع الطاقة والصناعة قبل أكثر من 24 عامًا، من بناء كادر وطني مؤهل على أعلى المستويات. لم تكتفِ باستقطاب الكوادر الوطنية وابتعاثها لأفضل الجامعات العالمية في التخصصات المطلوبة، بل تحولت إلى ما يشبه “جامعة” تخرّج القادة الأكفاء المتميزين بالالتزام والكفاءة. لقد أثبتت أن التوطين الفعّال لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو مكاتب استشارية باهظة، بل إلى رؤية واضحة، والتزام راسخ، وإيمان صادق بقدرات الشباب. ومن هنا أصبحت قطر للطاقة ليست مجرد شركة، بل في الحقيقة “مدرسة” لصناعة الكوادر الوطنية القادرة على قيادة المستقبل بثقة واقتدار. ويُسجَّل لوزير الطاقة أنه يترأس بنفسه جميع اجتماعات لجنة التقطير (التوطين) السنوية، ويشرف ويعتمد الخطة الاستراتيجية لقطاع الطاقة والصناعة للسنوات القادمة. وخلال هذه الاجتماعات يتم تكريم الشركات والمؤسسات التي حققت تقدمًا وتميزًا ملحوظًا في جهودها لعملية التقطير وفق معايير محددة، مما يعزز روح المنافسة الإيجابية بين المؤسسات ويحفزها على تطوير برامجها الوطنية. إن التوطين ليس سياسة حكومية فحسب، بل هو واجب وطني وديني ومسؤولية أخلاقية تقع على عاتق كل مسؤول. فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بالأرقام والإحصاءات فقط، بل يُبنى على العلاقة الإنسانية بين المسؤول والموظف. علينا أن نتعامل مع الموظف القطري، خصوصًا الشاب الذي تنقصه الخبرة، لا كـ”مرؤوس” أو “منافس”، بل كـ”صديق” و”شريك”. عندما يُمنح الثقة ويُعامل بروح الدعم، تتفتح أمامه آفاق لا حدود لها. صحيح أن الأمر يتطلب وقتًا وصبرًا وجهدًا، وقد تصاحبه أخطاء، لكن تمامًا كما نتعامل مع أبنائنا، يجب أن نوجّه ونصحّح بروح من الحكمة والاحتواء. إن بناء الثقة هو الاستثمار الأهم. فعندما يثق الموظف بقائده ويشعر بالدعم والمساندة، يبذل أقصى جهده لتجاوز التحديات. وفي المقابل، يمكن أن ينهار هذا الجسر بكلمة عابرة أو موقف محبط واحد. لذلك، يُقاس نجاح المسؤول الحقيقي بقدرته على تحويل الموظف الشاب من موظف مبتدئ إلى “قائد محترف”. هذه العلاقة الإنسانية هي الركيزة الأساسية لبناء كوادر وطنية واثقة قادرة على قيادة المستقبل وتحقيق التنمية المستهدفه. وفي الختام، يظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لتجربة “قطر للطاقة” الاستثنائية الناجحة أن تكون نموذجًا يُطبّق على نطاق واسع في جميع القطاعات ومؤسسات ووزارات الدولة؟ دمتم …. والسلام ختام
1272
| 02 سبتمبر 2025
على رمالها وسواحلها الهادئة كهدوء أهلها الطيبين حيث لا يعلو صوت فوق هدير وأزيز المعدات والآلات، وعلى منصات النفط والغاز العملاقة العائمة فوق أمواج مياه الخليج، تتجسد قصة إنسان صنع بجهده وعرقه وتضحياته جزءًا من مجد هذا الوطن الغالي. يجلس اليوم في عقده السابع، هادئًا ممسكًا بسبحته على إحدى أريكات كورنيش الدوحة الاسمنتية، يناظر الأفق البعيد وناطحات السحاب، بينما تتلون السماء بوهج الغروب وأطياف الشفق الساحرة، شارد الذهن في ذكريات الماضي الجميل يلفها عباءة الفخر والعزة والحنين. إنها رحلة “مهندس قطري”، امتدت لأكثر من أربعة عقود، سطر خلالها ملحمة من التحدي والصبر والإصرار، وكان شاهدًا على أبرز التحولات في تاريخ بلاده الصناعي. لم تكن تلك المرحلة مفروشة بالورود والرياحين؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت قطر تضع لبناتها الأولى في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما بكميات تجارية. وكان هذا المهندس الشاب جزءًا من تلك النخبة، فلم تكن شهادته الأكاديمية وحدها سلاحه، بل كانت همته العالية وإرادته الصلبة. عمل جنبًا إلى جنب مع زملائه من العرب والآسيويين والأوروبيين، وعمالقة الشركات الصناعة العالمية IOCs, مثل بي بي، يارا (هيدور )، كوبي ستيل،شل، توتال، إكسون موبيل، وشيفرون، وغيرهم، لم تكن هذه الشركات مجرد جهات عمل، بل كانت بحق جامعات ميدانية نقلت إليه وإلى أبناء قطر المخلصين أعلى معايير الدقة والاحترافية والإبداع. في القطاع الصناعي، تعلم فنون الإدارة والإشراف على تلك المصانع العملاقة بكل إتقان وكفاءة على سبيل المثال، اكتسب من الإدارة اليابانية مبدأ “كايزن” (Kaizen)، وتشرب من الادارة الأمريكية “التصنيع الرشيق” (Lean Manufacturing)، ومن الإدارة الأوروبية أجاد أتقان مبدأ “السلامة أولًا” (Safety First). ولكن الأهم من ذلك كان ترسيخ قيم الالتزام، والتسامح، والرقي في التعامل مع الآخرين، فكانت هذه الأسس التي صنعت بيئة عمل متماسكة كالعائلة الواحدة، على الرغم من اختلاف مشاربها الثقافية والعرقية ”Ethnicity”. كانت التحديات هي المحك الحقيقي؛ فالعمل في قطاع الطاقة والصناعة يعني التصدي للمخاطر المهنية اليومية.كالتعامل مع غازات ذات الضغوط العالية التي قد تتجاوز 1000 بار، ودرجات الحرارة التي قد تصل وتتجاوز 900 درجة مئوية، بالإضافة إلى التعامل مع المواد السائلة شديدة الخطورة والصلبة، والعمل تحت لهيب حرارة الصيف ورطوبته العالية. ومرورًا بالظروف القاسية والعزلة العائلية والاجتماعية لفترات طويلة على المنصات البحرية والجزر الصناعية العائمة ( Production Offshore Platforms ). وفي تلك الظروف، كانت اليقظة والدقة هاجسًا دائمًا من أجل السلامة والعودة إلى الأهل والأحبة.هناك، بعيدًا عن دفء الأسرة تذوب الفوارق بين الجنسيات والألوان والثقافات، ليصبح الزميل أخًا وشريكًا في الهدف. لم تكسر هذه الظروف الرجال، بل صقلتهم، وحولتهم إلى قادة قادرين على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة. ولا نستثني في هذا السياق الإداريين الأفاضل، حيث كان الوصول إلى أعلى هرم الادارة متاحًا بلا حواجز ولا مواعيد مسبقة، فكانوا هم السند الحقيقي والخفي الذي جعل الإدارة حلقةً داعمة وفاعلة تكمل منظومة الجهد الجماعي بين العمل الميداني والمكتبي. ولم تتوقف رحلة هذا المهندس عند حدود الوطن؛ فبعد أن اكتسب خبرة واسعة، حمل راية بلاده إلى أنحاء العالم، من أمريكا إلى آسيا وأوروبا، مشرفًا على مشاريع كبرى، وكان خير سفير للكفاءات القطرية. كانت تلك البعثات والمهمات اغترابًا طوعيًا، وثمنًا دُفع في سبيل اكتساب معاير الريادة العالمية. ورغم صعوبات البعد عن الوطن وحواجز اللغة، أثبت أن “المهندس القطري” قادر على المنافسة وإضافة قيمة في أي مكان ومشروع يذهب إليه. يجلس هذا المهندس الخبير المخضرم اليوم ليس كشاهد على عصر فحسب، بل كمدرسة ومرجعية وطنية يجب استغلالها ومهمته الحالية لا تقل أهمية عن سابقاتها؛ فهو ينقل للأجيال الحاضرة العلم والتقنية الهندسية، ومعهما ينقل إرثًا من القيم: الأخلاق، والإخلاص، والولاء، والدقة، والابتكار. لقد غدا جسرًا انتقلت عبره أفضل الممارسات العالمية لتندمج مع الهوية القطرية الأصيلة، وتشكل نموذج المهندس العالمي الذي لا يتخلى عن جذوره. إن قصة هذا المهندس هي دليل على أن الثروة الحقيقية لا تكمن في باطن الأرض، بل في عقول أبنائها. لقد حول ذاك الجيل الرائد التحدي إلى فرصة، والفرصة إلى إنجاز، والإنجاز إلى إرث خالد تفتخر به الأجيال القادمة. أخيرًا وليس اخرا، تحية إجلال وتقدير إلى رواد الصناعة والطاقة في بلادنا. الذين حوّلوا الصحراء وسواحلها إلى مصانع شامخة ببهائها تتلألأ ليلًا كالجواهر واللآلئ الثمينة، أُقبّل جباههم التي خاضت التحديات وحملت مسؤولية بناء صرح نفخر به امام الجميع والأجيال القادمة، بكل شموخ وأنفة. وأسأل الله أن يتغمد من رحل منهم بواسع رحمته، وأن يوفق الأحياء منهم والأجيال القادمة، ليواصلوا حمل راية العز والفخر. دام عز هذا الوطن ودامت سواعد رجاله الأوفياء ودمتم ……والسلام.
1053
| 08 سبتمبر 2025
في السنوات الأخيرة، غَصَّت الساحة التدريبية بأسماء وشعارات و»مدربين» يملأون الفضاء ضجيجًا أكثر مما يملأونه أثرًا والسؤال المؤلم: (هل ما زال المدرب هو من يقود منهجية التدريب، أم صارت المنهجية تقوده؟) لقد تحوّل التدريب عند بعضهم إلى مهنة بلا هوية؛ نسخة باهتة من دورات مقتبسة، عناوين رنانة، ومحتوى مكرّر يُساق من قاعة إلى أخرى دون تطوير أو إضافة، ( كعلكة تم مضغها ويعاد تغليفها) مدربون يبحثون عن الأضواء قبل أن يبحثوا عن الفائدة، وعن الشهادات الورقية قبل أن يسألوا (ماذا سأترك من أثر في عقل المتدرب)؟ الأدهى من ذلك، أن «سوق إعداد المدربين» صار يفرخ مئات ممن يظنون أن الحصول على دورة قصيرة – لا تتجاوز أحيانًا أيامًا معدودة – يجعلهم مؤهلين لحمل لقب «مدرّب» وما إن ينالوا الشهادة حتى يهرعوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعلنوا أنفسهم «معدّين»، ويبيعوا وهمًا جديدًا لمن بعدهم فتجد من لم يُجرّب التدريب يومًا، يعلن عن برامج لإعداد مدربين جدد! إنها دائرة مفرغة من التقليد، تُشبه إلى حدٍّ بعيد بيع الماء في (حارة السقّائين). لقد فقدت بعض القاعات هيبتها، وصارت أشبه بمسرح استعراض شخصي، حيث يتفنن البعض في الإلقاء أكثر مما يتقن جوهر التدريب، والأنكى أن هؤلاء لا يستندون إلى فلسفة واضحة أو رؤية متكاملة لا يعرفون شيئًا عن المنهجيات الحديثة مثل: • التعلم القائم على المشروعات (Project-Based Learning). • التدريب المدمج (Blended Training) • التعلم بالخبرة (Experiential Learning) كل ما يعرفونه هو إعادة تدوير شرائح «باوربوينت» مرّ عليها عقد من الزمن. في الدول المتقدمة، لا يُمنح المدرب صفة «مدرب محترف» إلا إذا امتلك سجلًا معرفيًا وتجربة عملية مدعومة بمشاريع حقيقية. ففي كندا مثلًا، لا يُعتمد المدرب المحترف إلا بعد اجتياز معايير صارمة، منها الساعات التدريبية الفعلية، والتقييم الدوري، والالتزام بأخلاقيات المهنة أما عندنا، فالمسألة – للأسف – صارت في بعض الأحيان مجرد رسوم تُدفع، وشهادة تُطبع، وصورة تُنشر على «إنستغرام»! فهل يمكن أن نسمي هذا تدريبًا؟ أم هو أقرب إلى وهمٍ جماعي تُسوّقه دورات عابرة بلا هوية؟ إن المدرب الحقيقي هو من يمسك بزمام المنهجية، لا من تنساق خطواته خلف موضة أو برنامج مستورد، هو من يبني هويته على رؤية، وفلسفته على علم، وممارسته على تراكم تجربة أما أولئك الذين يستبدلون «المعرفة» بالعروض الدعائية، و»المسؤولية» بالبحث عن الألقاب، فهم لا يصنعون تدريبًا، بل يساهمون في إفراغ المهنة من مضمونها. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الساحة التدريبية إلى غربلة، إلى إعادة الاعتبار لمنهجية التدريب بوصفها علمًا ورسالة، لا تجارة موسمية والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مدرب على نفسه قبل أن يقف أمام المتدربين: هل أنا أملك زمام المنهجية… أم أنني مجرد تابع في قافلة بلا هوية؟
882
| 04 سبتمبر 2025