رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لكسر القوانين، وتجاوز المحظور أسباب عديدة تعود إلى الموضوع والمخالفين أنفسهم في هذا الجانب، واليوم سوف أتحدّث عن كسر بعض القوانين التي يمكن وجود الحلّ لها ولكنه لم يطبق، ربما لأن المسؤولين عن ذلك لم يتوصّلوا إلى هذا الحل بالرغم من تطبيقه في عدد من الدول.
وأودّ أن أدحرج بين أقدام عقلياتهم سؤالاً عن إحدى ظواهر كسر القانون وهو: لماذا لا يكسر المدخنون قانون التدخين في المطارات؟!.. هل هو الخوف أم لأن هناك حزماً في ذلك؟ أم لأن مَن منع التدخين قد أوجد الحل للجميع سواء المدخنين أم غير ذلك؟!!.
أنا هنا أجد أن التخمين الأخير هو الأقرب للصحيح، فما أن تدخل المطار فإنك لن تجد أي مدخن يكسر هذا القانون ومن قام بالمنع أوجد غرفاً خاصة للمدخنين، بحيث لا يؤذون غيرهم ولا يعكّروا صفو المطارات.
لدينا هنا في الدوحة على سبيل المثال الكثير من التجاوزات من قبل المدخّنين في المجمّعات التجارية، وإن كان اللوم كله يصبّ عليهم لأنهم يضرون أنفسهم وغيرهم من مرتادي هذه المجمّعات، وقد تحدّث الكثير حول هذا الموضوع لكني سأنظر إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى وإن كانت ضيقة لكن مساحة الرؤية فيها ستسمح لي بتكبير الصورة.
كنت في رحلة إلى بلد آسيوي وهناك ذهبت إلى أحد المجمّعات التجارية برفقة صديق مدخّن، ولأن المجمع هذا كبير ويتكوّن تقريباً من ستة طوابق ويرتاده الناس من كلّ الجنسيات ومن مختلف الأجناس، إلا أنني لم أجد شخصاً واحداً يكسر قانون حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة، حتى صديقي المدخّن هذا كان ملتزماً بالقانون بشدّة، تحاورت معه عن سبب التزامهم بالقانون، وكنا في الدور الأوّل فقال سأشرح لك السبب بطريقة عملية، أخذني معه إلى غرفة خارج المجمّع محاذية للباب الرئيسي وكانت غرفة خاصة بالمدخّنين، وبعد انتهائه من التدخين ذهبنا إلى الدور الثاني لنستكمل عملية الشراء خاصة أن كلّ دور مخصّص لأدوات معينة (يعني مو مثلنا سلطة) كلّ شيء في كل مكان وفي أي مكان حتى أنك تصعد وتنزل وتلف وتدور وتحتاج للتبضّع إلى عمل دراسة كاملة لمدة شهر حتى ترتب أمورك في عملية التنقل بين المحلات، المهم فور انتهائنا من التبضّع في الدور الثاني أخذني معه إلى الباب الرئيسي للدور الثاني بجانب مواقف السيارات، وهناك أيضا غرفة محاذية لهذا الباب مخصّصة للمدخنين، ثم الدور الثالث والرابع حتى آخر دور، قال لي صديقي في كل طابق غرفة خاصة للمدخّنين مجهزة بشفاطات وطفايات سجائر، فلماذا سيتجاوز المدخن قانون الحظر طالما أنه باستطاعته الذهاب إلى غرفة خاصة مكيّفة ومجهزة لسحب الدخان خارج الغرفة، أكمل حديثه قائلا: (تذكر فيلاجيو الله يذكره بالخير، كنا نروح عند الباب ندخن وننفخ الدخان في وجوه الداخلين والخارجين من المجمّع، ونطفي السجائر في الأرض، يا ليت يسوون لنا غرف تدخين) مما يشوّه المظهر الحضاري الذي تتمتّع به دولتنا الحبيبة.
تخيلت كلام صديقي هذا ووجدت أن معه كل الحق في هذا الكلام، وقلت في نفسي طالما أنه من الصعب أن نجعل المدخّن يترك هذه العادة السيئة، فلماذا لا يقوم الدفاع المدني بفرض هذه الفكرة على المجمّعات التجارية، خاصة أن السجائر بالإضافة لخطرها على الصحة فهي أيضا خطرة على الأمن وقد تسبّب كوارث كثيرة.
لا يهم المدخّن أن يكون في غرفة تدخين كأنها حظيرة لفئة منبوذة، كلّ ما يهمه وجود مكان مناسب، لذا فإيجاد هذا المكان هو واجب على أصحاب هذه المجمّعات ويفرض عليهم من قبل جهات الاختصاص في الدولة بعدها لا أعتقد أن أحداً سيتجاوز قانون حظر التدخين لأنه لا يملك أي عذر حينها، لأن البعض حين مخالفتهم من قبل البلدية يتحجّجون بحرارة الجو أو برودة الطقس وغيرها، كما أن بعض أصحاب المقاهي يقع عليهم اللوم لأنهم يقدّمون للمدخّن طفاية ولا يقولون له أن التدخين ممنوع فقط يقولون (بلدية يجي انا ما فيه مسؤول انت مسؤول!!).
عندما نظرت من تلك الزاوية الضيقة وجدت أن الصورة تتسع أكثر فأكثر، أحيانا نحن بحاجة إلى النظر من هذا الخرم الضيق لأن النظرة ستكون مركّزة أكثر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8769
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6936
| 06 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
2937
| 13 أكتوبر 2025